تحولت ممارسة الرقية الشرعية في السعودية من واقع العلاج إلى جوانب متعددة أخرى، لتدق جرس الخطر، نتيجة ظهور الكثير ممن يعملون في الرقية الشرعية، ما أدى إلى اختلاط الحق فيها بالباطل، والإيقاع بالمتعالجين في صور كثيرة من التوسع والمخالفات. ولم تقتصر هذه المخالفات على بعض جوانب الرقية، بل امتدت إلى ممارسة أمور خطيرة تتعلق بالعقيدة والاعتقاد، وذلك بقولهم للمريض أنت مصاب بالعين أو بالسحر أو بالمس، فيما يعتبر آخرون كل مريض يزور شيخاً أو معالجاً بالقرآن بأنه يشكو مساً من الشيطان. ويذهب البعض من المعالجين بالرقية الشرعية إلى تصنيف الجن بغير ما أنزل الله ويقول أنت عندك جني العشق وأنت عندك جني ازرق أو جني الهروب من البيت. ويبالغ البعض ممن يعملون في الرقية وذلك بطريقة الخنق الشديدة"الضغط على الأوداج"، وهو الأمر الذي يعرض المريض للخطر، إضافة إلى تسببه في حدوث أضرار نفسية عدة للمرضى، ودفعهم إلى اتخاذ موقف سلبي من المعالجين بالقرآن نتيجة المبالغة في الضرب على جسد المريض حتى الموت. وكان آخر الحوادث الناتجة من ذلك وفاة الشاب محمد العمري في حي بني مالك في جدة، على رغم تبرئة المعالج، فيما تلاحق الجهات الأمنية في المدينةالمنورة أحد الرقاة تسبب في وفاة فتاة بعد أن قدم لها أدوية شعبية ضارة أدت إلى وفاتها في الحال، ما دفعه إلى الهرب والتواري عن الأنظار. كما يعتقد الكثير من المعالجين أن لديهم قدرات على إيهام المرضى من خلال تجميع الجن في عضو معين، مثل الإصبع، وذلك بربطه في خيط أو إحراق الجن، وإخراجه من الجسد. وعن الأجرة التي يتقاضاها الراقي، يشير عدد من العلماء الشرعيين إلى أن جواز أخذها هو الأقرب للحكم الشرعي في حدود المتعارف عليه، إذ لا تزيد المريض بلاءً على بلائه، ولا تستغل ضعفه وحاجته إلى العلاج، ويكون الأجر بحسب قدرة المريض مادياً. وكثرت الاختلافات حول استغلال بعض رقاة القراءة الجماعية لمصالح شخصية تجارية، من خلال استغلال بيع الماء والزيت والعسل وغيرها من الأعشاب المركبة والمبالغ في أسعارها، إضافة إلى فتح حلقات للمرضى. ومع الانتشار وزيادة المعالجين بالرقية الشرعية طالب عدد من المسؤولين والمهتمين بالرقية الشرعية بوضع نظام محكم ينظم العمل بها، إضافة إلى فتح أقسام رقية شرعية في المستشفيات في السعودية لضبط جميع الأمور المتعلقة بالرقية. يقول المعالج منير عرب:"إن العين حق، ولكل سحر دواء، والحسد أبغض شيء في شياطين الإنس، والرقية أصبحت تجارة للمرتزقين من المشعوذين، والدجالين"، كل هذه العبارات جاءت بعد 25 عاماً من العمل في الرقية، ليخلص إلى دراسة خلاصتها الدعوة إلى إصدار تصاريح لممارسة الرقية الشرعية، وفتح المجال لوجودها داخل المستشفيات السعودية. وطالب عرب بالعمل على إنشاء قسم خاص بالرقية في المستشفيات، ومنح الراقي راتباً شهرياً من قبل الدولة حتى لا يستغل من قبل الغير من ضعاف النفوس، وحتى لا تكون الرقية الشرعية تجارة، إضافة إلى أن لا يقع الأطباء في بعض الأخطاء القاتلة، مثل: أن يكون لدى شخص نوع من الشلل في يده أو رجله، على حد قوله. وأشار إلى أن هذه الأقسام ينبغي أن تكون تحت مظلة الدولة، وبتصريح معتمد حتى لا يستغل المشروع من قبل المستوصفات الخاصة، والتي أصبحت أسعار الرقية لديهم تصل إلى 500 ريال، أي أكثر من قيمة العلاج عند الطبيب الاستشاري، مؤكداً أنها عندما تكون تحت إشراف الدولة تصبح أكثر تحكماً، وتقيداً بالقوانين التي تشرع للعيادات القرآنية، متهماً بعض المعالجين بأنهم يرجمون بالغيب، ويكذبون على الناس. وأضاف أن ما يحدث الآن هو أن الرقاة أو من يدّعون أنهم رقاة يوصون المريض بعدم مراجعة الطبيب من باب الاستحواذ، وقال:"هذا أكبر خطأ، أنا لدي من الأطباء الاختصاصيين الكثير ممن أتعامل معهم في حال وجد المريض لا يشكو من علة أنا مختص بعلاجها". وعن اللجان الموجودة لضبط الرقية الشرعية، أكد عرب أنه يجب أن يكون لها دور ملاحظ لأن الرقية أصبح فيها الكثير من الخلط، وحتى اللجان الموجودة حالياً لا تتقن تقويم المعالج الشرعي، ولا تفقه في هذا النوع من العلاج، وقال:"من المفروض أن يكون مع كل لجنة من اللجان التي تقوم بالتفتيش راق شرعي معترف به، لأنه الوحيد القادر على تحديد هل الراقي شرعي أم لا". وبالحديث عن العلاج بالرقية الشرعية، يوضح عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عقيل عبدالرحمن العقيل، أن القرآن الكريم علاج للروح والجسد، مضيفاً أن القرآن الكريم من أعظم أسباب العلاج سواء كان المرض عضوياً كالأمراض الخبيثة، والمستعصية، أو مرضاً نفسياً كالضيق، والوسواس، والهم، فالقرآن علاج لجميع الأوجاع. وأردف العقيل قائلاَ:"إن المرض العضوي في الكثير من الأحيان مصدره عين أو سحر، ما يجعل الرقية الشرعية العلاج الوحيد سواء أكان المرض ألماً في البطن، أو الرأس، أو المفاصل". وأوضح أنه إذا قرئ القرآن على المعيون، أو المحسود شفي بإذن الله، ويتم ذلك بمواصلة القراءة ولا يكتفى بمرة واحدة، فمن الممكن أن يكون المرض استفحل لدرجة أن يصل إلى الصرع، وكل هذه الأعراض تزول بالرقية الشرعية. وأشار إلى أنه لا توجد مقارنة ما بين من تم علاجهم طبياً، وكيماوياً، وبين الذين لجأوا للتداوي بالرقية الشرعية للوقوف على المسألة من الناحية العلمية، لعدم وجود إحصاءات حقيقية توضح حجم المتعالجين في الفئتين، وقال:"لهذا لابد لنا كمسلمين أن نبدأ بإجراء أبحاث نستخدم فيها وسائل العلاج بالرقية الشرعية، وماء زمزم، وبعض العلاجات البديلة الطبيعية بطرق علمية حتى نثبت للعالم مسلمين وغير مسلمين أنها علاجات ذات فائدة". ويوجه الدكتور عبدالرحيم قاري، الدعوة لجميع الأطباء المسلمين لبدء إجراء أبحاث علمية مكثفة على مجموعة من المتعالجين بالطرق البديلة لإثبات صحة الشفاء، وقال:"نحن مقصرون في إجراء أبحاث علمية تؤكد أن العلاجات الروحانية يمكن لها أن تؤدي إلى تخفيف معاناة المرضى، فالجمع بين الأساليب العلاجية شيء صحيح، ونحن ننصح المرضى بعدم ترك الطب الحديث إن كان جراحياً، أو كيماوياً، أو إشعاعياً، مع طرق أبواب العلاجات الروحية، إن كان من خلال الرقية الشرعية وقراءة القرآن، أو غيرها كتناول الأدوية الشعبية، أو حتى ماء زمزم". وأوضح أنه وبشكل عام يوجد في الطب الحديث تجارب واسعة تؤكد انتشار مواد ذات فعالية علاجية داخل المصادر النباتية أو الحيوانية، ما يجعل من غير المستبعد أن تكون هذه المواد وغيرها من المواد الطبيعية التي تحت البحث تحمل بعضاً من المركبات التي تشفي العلل الجسدية.