تناولنا في الأسبوع الماضي الحديث الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه النساء بأنهن"ناقصات عقل ودين"، وشرحنا اختلاف غير المختصين لفهم مدلوله. وكنا أثبتنا أن الحديث يعتبر مدحاً للنساء وليس العكس، كما ناقشنا نظرة الإسلام إلى المرأة والرجل من حيث الإجمال، وخلصنا إلى أن ديننا يعتبر المرأة والرجل سواء أمام التكاليف الشرعية من حيث الأداء والعقوبة، وهو ما ينفي نقصان عقل المرأة على النحو الذي يذهب إليه الجفاة والغلاة في الحديث الشريف. أما اليوم فإننا سنأتي إلى تفسير نقصان العقل والدين. 1- إن نقصان العقل والدين فسّره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث فيقصر عليه، ولا يتعداه لغيره، وأعلى مراتب تفسير الحديث نفسه، وقد سلمت الصحابيات بما نسب إليهن من الأمور الثلاثة: الإكثار، والكفران، والإذهاب، ثم استشكلن كونهن ناقصات عقل ودين، وما ألطف جوابه صلى الله عليه وسلم حين بيّن نقصان العقل بقوله:"أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟" فهم الحديث إذاً لا يمكن فصله عن آية الدين التي تتضمن نصاب الشهادة، فنقص العقل في الحديث ليس نقصاً في التركيبة العقلية، ولا القدرات الفكرية، بل لم تستخدم كلمة العقل في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة لتشير إلى عضو التفكير مطلقًا، كما لم ترد كلمة العقل على المصدرية في القرآن الكريم، وإنما استخدمت للفت الانتباه للتفكير، وإذا ما أخذنا في الحسبان كل هذه الحقائق والوقائع، ثم قابلنا بينها وبين واقع العقل والتفكير وواقع الآية والحديث، فإننا نخلص إلى أن نقص العقل ليس هو في قدرات التفكير، ولا في تركيبة الدماغ، وإنما في العوامل المؤثرة في التفكير والعقل، وهي تنحصر على وجه التحديد في الخبرة ومنها المعلومات، وفي موانع التفكير، فإن كون المرأة بعيدة عن واقع المعاملات المالية، يجعل خبرتها أقل من الرجال المنخرطين في هذه المعاملات، كما أن المرأة تمر بمتغيرات جسمانية تؤثر في حالها النفسية، فتحتاج إلى تذكير، في حين أنها تنفرد بشهادات أخطر من المعاملات المالية كشهادة الإرضاع، والاستهلال أي: نزول الطفل حياً ومن ثم وفاته، والعيب الفاسخ للنكاح، فجاء الإسلام بتوزيع المهام بما يتناسب مع الخبرات والاستعدادات. وأمّا نقصان الدين، ففسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه، إذ قال:"أليس إذا حاضَتْ لم تُصل ولم تَصُم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها". ونقصان الدين قد يكون على وجه يأثم به الشخص كتارك الصلاة عمداً، وقد يكون على وجه لا يأثم به كالفطر للمسافر، وقد يكون على وجه مكلف به، يثاب عليه كترك الحائض للصلاة، فنقص الدين ليس منحصراً في ما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك، لأنه أمر نسبي، فالكامل مثلاً ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيضة، بل تؤجر لالتزامها النهي، فهل التزامها بالأمر مدعاة للتعيير لكونها ناقصة عن المصلي؟ فضعف العقل والدين في الحديث خاص لا يحمل على عمومه، وما مثل من يعممه إلا كمثل المستدل بالويل على المصلي بقوله تعالى فويل للمصلين التارك الذين هم عن صلاتهم ساهون. 2- يلزم القائل بظاهر هذا الحديث أن يكون أتم عقلاً ودينًا من مريم، وأم موسى، وعائشة، وفاطمة، والقول بغير هذا يعني أن من الرجال من هو أنقص ديناً وعقلاً من النساء، ويعرف بهذا أن هذا النقصان لا يوجب نقصان الفضل، فنساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته أفضل ديناً ومنزلة عند الله من كل تابعي، ومن كل رجل يأتي من بعدهم إلى يوم القيامة. فعلى كل مستدل أن يورد الحديث في موضعه، وعلى ما أراده قائله، وألا يثبت حديثاً أو ينفيه بناء على ما يمليه هواه، وأن يكثر القراءة في كتب العلماء الراسخين، لمعرفة معاني النصوص الشرعية. * داعية وأكاديمية سعودية