وصلتني رسالة على"جوالي"الخاص من شخص لا يعرفني ولا أعرفه،"تستفزعني"وتدعوني إلى ممارسة حق التصويت، ومساندة أحد المتسابقين في برنامج"شاعر المليون"، مذكِّرة إياي بالقبيلة وتاريخها وإرثها، في إشارة إلى أن عدم فوز القبيلة في البرنامج في محفل القبائل"المليوني"الشعري"غير مقبول"، وأن الانصراف عن دعم مرشَّح القبيلة ولو برسالة هاتفية"انهزام"سيُطبَع على جباهنا السمر. قرأت الرسالة مرة ومرتين وثلاثاً، ووجدتها"فارغة"من المضمون والمحتوى، لكنها قادرة على التسلل إلى رؤوس البسطاء، لتأطير واستنهاض العقلية القبلية الكامنة في المخ والمخيخ. كنت قد كتبتُ سابقاً مقالة بعنوان"الوطنية... لا... القبلية"، وحظيت بمعارضة"ساخنة"من شيوخ قبائل وآخرين، ثم انتصر لفكرتي"البيضاء"مجموعة من الكُتّاب الذين يعرفون مدى خطورة استفحال العقلية القبلية وطقوسها، وأذكر من هؤلاء الكُتّاب على سبيل المثال لا الحصر الكاتبَيْن سليمان الفليح وعبدالله ناصر. النعرة القبلية خطر يهدد اللُّحمة الوطنية شاء من شاء وأبى من أبى، سواء أكانت تُزف إلينا بقصد أو من دون قصد، ما يوجب علينا نقل أمراض النعرات القبلية إلى حجرات"الإنعاش"، وأن نقطع عنها الأوكسجين لتموت... وتحيا روح الوطن. عندما تتحول بعض البرامج التلفزيونية الشعبية إلى إثارة نعرة"القبيلة"، في ما يشبه"سوق عكاظ"في التراث العربي قبل الإسلام، كبرنامج"شاعر المليون"الذي أقيم بهدف تذوّق الشعر وتحفيز الشعراء على الإنتاج، بعيداً عن إيماءات القبيلة ثم يتحول بقدرة قادر إلى مشروع للاصطفافات والتكتلات القبلية التي استشرت بفضل بعض العقليات"المغرورة". خلال الأسبوعين الماضيين انتشرت رسائل الجوال بين أبناء القبائل والمؤيدين لهم والمتحالفين معهم كانتشار النار في الهشيم، في دعوات إلى أن"قبائل آل فلان تصوّت لفلان"... و?"اليوم يومكم يا آل فلان"، وهو تكريس"غير مقصود"لتصويت مبني على القبلية والعنصرية، وليس على الشاعرية والإبداعية. العمل الثقافي والاجتماعي الشعبي والرسمي المبني على"الفناء"الوطني ضرورة تستحق الدعم والمساندة، وهو ركيزة أساسية لتوريث الثقافات وتشجيع الإبداع، ونقل المعرفة وتبادلها بين الأجيال المختلفة، وتوثيقها للمساهمة في الناتج الوطني الثقافي والاجتماعي، الداعم لترسيخ الوطنية ومفهوم التنوع في إطار الوحدة الوطنية، مثلما تفعل الدول المتقدمة من خلال برامج الهجرة والموروثات و?"الفولكلورات"الشعبية، التي تهدف إلى خلق تنوّع ثقافي واجتماعي لتشكيل لوحة متنوعة متّحدة، تحت راية الوطن الجامع. لكن استغلال برامج وفعاليات معينة لتصبح ساحات للعنصرية والقبلية هو ما قد يشكل خطراً على التلاقح والتفاعل الاجتماعي، والانتماء للوطن، ما يوجب التعامل معها بحذر، وسد الأبواب والذرائع التي يمكن أن تنفذ من خلالها تلك الأعمال لتكريس النداءات القبلية والفزعات العشائرية، التي تجعل الكل ينغلق في إطار قبيلته وعشيرته، ويقدم الانتماء لها على الانتماء للوطن، وبذلك نعيد"سيناريو"إنتاج مجتمع منقسم بين الدولة والقبيلة. [email protected]