واقعيا: تشكل القبيلة شأنا مهما بنسيج المجتمع السعودي وهذا شأن لا يمكن إلغاؤه أو التقليل منه. لكن ما أن يقدر عليك أن تسقط سهوا بإحدى قنوات الترويج لعصبيات القرون الوسطى مثلا إلا وتؤمن أن ذلك الشأن لم يعد كما كان؛ متخذا طريقه الوعر نحو بث روح الانحياز المتطرف للقبيلة والعزف على وتر الاعتزاز بالموروثات البائدة ومعارك القتل التي عفا عليها الزمن؛ بل تكريس النعرات القبلية والتسويق للتحزبات المناطقية على حساب القيم الوطنية المفترضة. ومع أن تلك القنوات بلا أي قيمة ثقافية ملموسة إلا أن علامات التعجب لا تنفك عن الارتسام فوق رأسك وأنت ترى من يعتقد أنه يمسك عنان الشعر يصرخ حتى يكاد أن ينفجر رأسه مجرجرا تلك البطولات السحيقة التي ركلها العصر بعيدا بقنوات يفترض بها أن تقدم التراث كقيمة حضارية بناءة لا هدامة. أو تشاهد آخر يناشد المهووسين بالفزعة لبث رسائل التصويت التي تستنزف العقول قبل الجيوب عله ينال المجد بفوز قصيدته العصماء (ياونتي)..لا أعلم.. كمواطن بسيط عندما أرى منتجا ثقافيا مهما كالشعر يفترض به أن يحاكي همي اليومي أو أن يحاول إيصال صوتي المبحوح لمن يعنيه الأمر أو يتضمن رسالة مسؤولة ينبغي بثها؛ لا أعلم ما الذي يهمني بتلك الكمية الهائلة من الشعراء الذين يتحدث معظمهم عن شيئين يمكن اختصارهما ب: قبيلتي قوية جدا.. عيني حبيبتي أوسع عينين في العالم..! لا يعقل أن تتحول كل مناشطنا الثقافية لخيام شعرية تبنى من أوتاد التغني بالغابر من الماضي بعيدا عن الحاضر من قضايانا. إن الحمى القبلية (لا أقول القبيلة) تستدعي مضادا وطنيا يدعى: وعي.. يجعل مقياس الفرد بانتمائه لوطنه لا لقبيلته / منطقته؛ ويجعله مختلفا عن غيره بما يقدمه كفرد فاعل ذي فكر متمدن يأخذه كثيرا للأمام.. والأمام فقط.