نقدر على الفراق ونتعود عليه أيضاً إلى أن ننسى من أحببنا، فالحياة لحظات يلتقي فيها الناس ويفترقون عن بعضهم، يتعارفون يتصادقون يتحابون يتآلفون ومن ثم يمضي كل إلى سبيله. قد يحمل معه زهرة أو رائحة منديل أو أريح زمن، وقد لا يحمل معه شيئاً، لكن الحياة تستمر إنما نفقد ذلك اللون، لون الحياة الجميلة وتغير اللون فقط، ولكن لا بد أن يختلف شيء ما أو كل شيء. لا يموت الناس من الفراق، لكن العالم يخسر ملامحه التي خلفتها تلك العلاقة ويفقد الزمن نكهته أمام جدار لا لون له. كل ما تستطيع فعله هو أن تتجمل وتتحمل هذه اللوحة الناقصة حتى يشاء زمن آخر أن يكملها. هل يعتقد الإنسان أن ما يعيشه من لحظات هو أمر دائم وثابت، فينكسر حين اكتشافه أن الزمن ما هو إلا حفنة من رمل ينساب من بين أصابعه وتبقى كفه ممسكة بالفراغ؟! هل الحكماء هم الذين يدركون هذه الحقيقة فلا يعيرون حتى لأجمل لحظاتهم اهتماماً لأنهم يعرفون بحكمتهم أن كل شيء إلى زوال؟ من منا باستطاعته أن يحاكي هؤلاء الفلاسفة والحكماء؟ ولو فعل ذلك سيكون عليه ألا يفرح وألا يبكي وأن يتحول إلى تمثال من صخر. أن يحزن المرء أو يفرح فتلك حقيقة وجوده في الحياة، وإذا هو تخلى عن الاثنين الحزن والفرح، فإنه سيتخلى عن إحساسه بما حوله ويصبح أقل أو أكبر من إنسان، وفي الحالتين سيفقد طبيعته الأصلية ويتحول إلى كائن من سكان المريخ وإن لم نرهم بعد أو أي كوكب آخر. نعم سيتحول إلى مخلوق آخر ليس"إنسان". الحكمة ليست في رفض ما نعيشه وإنما في تقبل فصول الحياة المتقلبة. ألا نسعد نحن بنسمات الربيع مثلما نسعد بزخات المطر؟ ألا تسعدنا الشمس بشروقها ونسعد مرة أخرى لغروبها؟ أليست هذه مصالحة مع الطبيعة وتناغماً معها كنا تعلمناه وتقبلناه منذ اليوم الأول لمولدنا؟ لماذا إذاً لا نتعلم أن نصادق حزننا ونكفكف دمعنا ونتجه بأنظارنا إلى محطة أخرى يمر بها قطار الأيام السريع، السريع جداً؟ خلف الزاوية لكل زهر من الأزهار ضوعته لكل نور من الأنوار طلعته وهكذا في حبنا في تقلبنا لكل نوع من الأشواق روعته wafooa@yahoo.com