محمد رمضان مدرسة كبيرة وشهيرة في مجال التعليق الرياضي في الوطن العربي، وشخصية خبيرة عاشت مع الرياضة السعودية من موقع المسؤولية لأكثر من نصف قرن، بدأ من الصفحات الرياضية محرراً ثم كاتباً، وانتقل الى التحكيم في بعض الالعاب، قبل ان يستقر في مجال التعليق الرياضي، الذي عاصر من خلاله اجيالاً متوالية من اللاعبين السعوديين المميزين، وذاق معهم حلاوة البطولات وطعم الانجازات في الاستحقاقات الخليجية والعربية والآسيوية والعالمية. مرَّ به في هذه الفترة الزمنية الطويلة الكثير من المواقف المؤثرة الجميلة والحزينة، اشهرها ما حدث له في العاصمة الماليزية كوالالمبور عندما ذهب للتعليق على مباريات"الاخضر"في التصفيات الآسيوية، لكنه عاد الى الرياض بطائرة الاخلاء الطبي. رمضان رمز من رموز التعليق في العالم العربي، استضفناه هنا في حوار من نوع مختلف، تحدث فيه عن الكثير من الامور والقضايا التي مر بها في حياته العملية في المجال الرياضي، فإلى الحوار: صف لنا بدايتك الرياضية؟ - من أي مجال تريدني ان ابدأ من الكتابة في الصفحات الرياضية ام من التحكيم ام في مجال التعليق؟ أترك لك الخيار من أي مجال تريد أن تبدأ؟ - في البداية اسمي محمد عبدالرحمن رمضان، من مواليد البقعة الطاهرة مكةالمكرمة عام 1358ه، عشقت كرة القدم منذ طفولتي، وكنت امارس هذه اللعبة في المدرسة الابتدائية وفي الحارة مع زملاء الدراسة وابناء الجيران، ويوماً بعد يوم ازداد حبي لهذه اللعبة الشهيرة اضافة الى بعض الالعاب الاخرى، حتى وصل عمري الى 16 سنة، عندها بدأت مشواري فعلياً مع الرياضة الحقيقية، إذ التحقت بصحيفة"البلاد"عندما كانت تصدر من مكةالمكرمة محرراً ميدانياً، وقضيت اياماً جميلة، تعلمت فيها فنون العمل الصحافي، واكتسبت خبرة جيدة اهلتني لتسلّم مهمة جديدة تمثلت في الاشراف على تحرير صفحة الشباب في صحيفة"الندوة"، وكان عمري آنذاك 21 عاماً، واستفدت استفادة كبيرة من الاحتكاك بكبار الكتاب في ذلك الزمن الجميل، وصقلت موهبتي الصحافية التي استمرت معي عندما سافرت الى الرياض لاكمال دراستي، حيث اشرفت على صفحة الرياضة في صحيفة"الجزيرة"ثم ترأست القسم الرياضي في صحيفة"الرياض"، ومن المفارقات الغريبة ان بعض رؤساء التحرير حالياً في بعض الصحف المحلية كانوا يكتبون مقالات رياضية انشرها لهم بحكم مسؤوليتي في صحيفة الجزيرة اولاً ثم الرياض ثانياً، وهم يتذكرون ذلك جيداً حتى الآن. وماذا بعد ذلك؟ - خلال هذه الفترة بدأت مشواري مع التعليق عبر اذاعة الرياض، بعد اعجابي الكبير بهذا المجال وبعدد من المعلقين، وكان التعليق غير متواصل، بمعنى انني كنت اعلق على المباراة لمدة عشر دقائق ثم ينقطع الارسال ويعود مع نهاية المباراة، وننقل النتيجة الى المستمعين، وهي بداية ناجحة على رغم ضعف الامكانات، إذ كنا في اذاعة الرياض نعمل في شقة صغيرة تتكون من غرفتين فقط، وتطور الوضع الرياضي قليلاً، واصبحت إضافة الى التعليق المنقطع أقدم برنامجاً رياضياً في الاذاعة مرتين في الاسبوع، وللاسف كنت اندمج مع البرنامج، وفي بعض الاحيان افاجأ بمن يخطف مني المايكروفون بغرض الاعلان، فيعلن عن ضياع ماعز لفلان بن فلان في حي ام الحمام ومن يجدها يسلمها في مكان يسميه، وكنت اخرج من الغرفة في تلك الاثناء واضحك كثيراً قبل ان يطلب مني العودة لاكمال البرنامج، وقس على ذلك الاعلانات في ذلك الوقت التي كانت تخدم الناس وتساعدهم في امور حياتهم، عكس الوقت الحالي إذ باتت تخدم الشركات والمؤسسات الكبرى فقط نظراً إلى الربح المادي. الى متى استمررت في إذاعة الرياض؟ - لم استمر طويلاً، إذ انتقلت الى مجال جديد هو مجال التحكيم في كرة القدم عام 1382ه، والتحقت بأول دورة تحكيم في الرياض وكان معي عبدالرحمن الدهام والموزان وتخرجت من هذه الدورة بنجاح، وحكمت مباريات كثيرة في الرياض والشرقية ومكةالمكرمة وبريدة وغيرها من مناطق المملكة. هل تركت التعليق؟ - لا لم اتركه، وكنت تارة في التحكيم وتارة اخرى في التعليق، إذ كنت الوحيد في هذا المجال في الرياض بعد استقالة سليمان العيسى ووجود زاهد قدسي - يرحمه الله - في المنطقة الغربية، وبالتالي لم يكن موجوداً في المنطقة الوسطى الا انا بحكم وظيفتي في الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكان النقل التلفزيوني بدأ في تلك الفترة. ألم تكن مهمة الجمع بين التحكم والتعليق صعبة؟ - بالتأكيد كانت صعبة وما زادها صعوبة التعصب الاعمى في ذلك الوقت من منسوبي وجماهير الفرق، فكنا كحكام نواجه مشكلات كبيرة واعتراضات من انصار الفريقين في المباريات التي نقوم بتحكيمها، وكانت الاحتجاجات مستمرة ومتواصلة حتى في حال القرارات الصحيحة، وهذا اوجد ازمة حقيقية بين الاندية والتحكيم قبل 45 عاماً، وهي من وجهة نظري لا تقارن بما يحدث حالياً، اذ كان التعصب الاعمى والانفلات في الماضي اشد منه وبمراحل كبيرة من الزمن الحالي، ومع ذلك كانت الامور تسير والرياضة لها طعم خاص بين الاندية. متى تركت التحكيم وتفرغت للتعليق؟ - تركت التحكيم في مجال كرة القدم بتوجيه من الامير فيصل بن فهد - يرحمه الله - الذي طالبني بالتفرغ للتعليق ومرافقة المنتخبات الوطنية التي كانت تشارك خارجياً، فامتثلت لرغبته وودعت التحكيم وتفرغت للتعليق، ولكنني عدت الى مجال التحكيم مرة اخرى ليس في لعبة كرة القدم وانما في السلة واليد والطائرة والعاب القوى، إذ درست قانون كل لعبة جيداً وحكمت مباريات في هذه الالعاب على اوقات متفاوتة وسجلت نجاحاً مميزاً، وذلك لحبي الكبير للتحكيم، ورغبتي في معرفة اسرار كل لعبة على حدة وطقوسها واحوالها المختلفة. كيف وجدت الفرق بين التعليق الاذاعي والتعليق التلفزيوني؟ - الفرق شاسع وكبير جداً، ففي التعليق الاذاعي لا بد من ان تكون اذن وعين المستمع، وان تنقل كل شيء يحدث في الملعب، اما في التعليق التلفزيوني فيجب ان تكون لديك ثقافة كافية في القانون الخاص بكل لعبة، خصوصاً كرة القدم، لأن المشاهد اصبح على دراية تامة بكل البنود والقوانين، ويحتاج الى من يبين له كل شيء في نقاط محددة ومن دون فلسفة. في أيهما وجدت راحة تامة خلال الوصف والتعليق؟ - نجحت في التعليق الاذاعي والتعليق التلفزيوني، وتلقيت الاشادات الواسعة والمتواصلة من المسؤولين على مر السنين الطويلة، لدرجة ان احد المسؤولين قال لي ذات يوم بعد مباراة علقت عليها اذاعياً:"ما شاءالله عليك يا محمد، كفيت ووفيت، حتى الغبار العادي تشعرنا بوجوده في الملعب". عاصرت الرياضة السعودية منذ سنوات طويلة فمتى بدأ التطور الحقيقي والنهضة الحضارية من وجهة نظرك؟ - التطور تزامن مع تسلم الامير الراحل فيصل بن فهد مهام الرئاسة العامة لرعاية الشباب، إذ بدأ من الصفر واهتم بالكوادر الوطنية وابتعث المتخصصين والمميزين في أمور الهندسية والطب الرياضي الى اوروبا، للاحتكاك والاستفادة لتأتي النتائج سريعاً بانشاء مقار الاندية على احدث طراز وبناء المدن الرياضية الراقية التي لا تقل شأناً عن مثيلاتها في دول العالم المتقدمة مع التركيز على المواهب في المدارس وصقلهم عن طريق مدرسي التربية الرياضية قبل تسجيلهم في الاندية السعودية، أي ان الاهتمام والعناية كانا بالعناصر البشرية الوطنية، ولذا قطفنا ثمار التخطيط الناجح وما زلنا نجني الثمار، بوصولنا إلى العالمية ومشاركتنا أربع مرات متوالية في"مونديال"كأس العالم كأول منتخب عربي وآسيوي يحقق هذا الإنجاز، إضافة إلى حصول"الأخضر الصغير"على كأس العالم عام 1989 في أسكتلندا، وحصول منتخباتنا وأنديتنا على بطولات وإنجازات خليجية وعربية وآسيوية وعالمية، سواء في لعبة كرة القدم أو في السلة واليد والطائرة ورياضة الفروسية وألعاب القوى وغيرها من الألعاب والرياضات الأخرى التي عاشت طفرة كبيرة جداً على صعيد المشاركات والإنجازات مع فيصل بن فهد الذي نقلنا من الرياضة البدائية إلى الرياضة العالمية. كم قضيت تحديداً في مجال التعليق؟ - قضيت قرابة ال?50 عاماً كانت مليئة بالذكريات الجميلة مع الإنجازات السعودية، وتعرفت خلالها على الكثير والكثير من الإخوة في الخليج والعرب، وهذا من ضمن المكاسب المهمة التي خرجت بها من المجال الرياضي. وآخر بطولة علقت عليها؟ - كانت في الموسم الماضي وبتكليف من الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير سلطان بن فهد، إذ علقت على مباريات منتخبنا السعودي في دورة الخليج الأولى لقدامى اللاعبين التي أقيمت في الإمارات، وهي دورة جميلة أعادت شريط الذكريات بين المسؤولين واللاعبين، والتقينا بالإخوة الأشقاء في الخليج الذين لم نقابلهم منذ سنوات عدة، وكانت أجواء الدورة أكثر من رائعة، وروح الألفة والأخوة والمحبة الصادقة هي اللغة السائدة بين أبناء الخليج. موقف طريف مر بك؟ - المواقف كثيرة منها ما هو سعيد، ومنها ما هو حزين، ولكن يظل الموقف الصعب الذي مررت به في العاصمة الماليزية كوالالمبور هو من أشد المواقف التي لن أنساها ما حييت، إذ كنت مرافقاً مع المنتخب السعودي للتعليق على مبارياته في التصفيات الآسيوية، ولعبنا مباراة مهمة ومصيرية أمام منتخب الصين المدعوم بجماهيره الكبيرة جداً، في مقابل حضور عربي في المدرجات لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، وقدم لاعبونا مستوى ممتازاً وتقدموا بهدفين ولا أروع، وتفاعلت بشكل مثير مع إبداع الصقور الخضر وتغزلت في روعة الأداء، وقبل ربع ساعة وعندما كان"الأخضر"متقدماً بهدفين من دون رد، بدأت أزف التهاني والتبريكات إلى المليك المفدى وولي عهده الأمين وإلى الرئيس العام لرعاية الشباب والشعب السعودي كافة بهذا الانتصار الغالي على منتخب الصين القوي، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. ماذا حدث؟ - الذي حدث أن مدافعينا الذين تنقصهم الخبرة وما زلت أذكر أسماءهم جيداً واحداً واحداً، اندفعوا إلى الهجوم من دون مبرر وتركوا مكانهم من دون أي اهتمام وتقدموا إلى الأمام عندما شاهدوا لاعبي الصين متراجعين إلى مناطقهم الخلفية، وكانت الرغبة في زيادة الغلة التهديفية وكل لاعب يريد التسجيل، واستغل الصينيون هذه النقطة جيداً واستفادوا من سرعتهم وقصر قامتهم، وكانوا يقطعون الكرة ويسرعون بها إلى مرمانا، والنتيجة المؤلمة والحزينة أنهم أحرزوا أربعة أهداف في ظرف ربع ساعة فقط ومن طريقة كربونية واحدة، ومعها بدأت أشعر بآلام قوية وحادة في صدري بفعل الصدمة العصبية، وكنت أحاول أن أتحامل على نفسي لإكمال المباراة لأنه لا يوجد معلق ثانٍ غيري في البطولة. وهل أكملت المباراة؟ - لا، لم أكملها وتعرضت من شدة التفاعل مع أحداث المباراة، وصدمة الأهداف الصينية إلى أزمة قلبية مفاجئة كانت عبارة عن جلطة في القلب، ولم أدر عن نفسي، إذ دخلت في حالة إغماء تام وغيبوبة كاملة، وتم نقلي إلى المستشفى القريب من ملعب المباراة في كوالالمبور، ثم نقلوني إلى الرياض بطائرة الإخلاء الطبي، وفي مستشفى التخصصي عدت إلي الحياة مجدداً بعد خمسة أيام متوالية من الإغماء التام وفقدان الوعي، وفتحت عينيّ وإذا بأسرتي وأقربائي بجانبي، ولم أتذكر في البداية ما حصل لي، ولكن بعد مرور بعض الوقت استرجعت شريط المباراة وتأكدت أنني كدت أفارق الحياة وأرحل عن الدنيا لولا أن الله كتب لي عمراً جديداً، وكما يقول المثل عندنا في مكةالمكرمة"عمر الشقي بقي". ولهذه الدرجة أثرت فيك النتيجة؟ - المسألة ليست مسألة خسارة مباراة، فنحن قبل المشاركة في التصفيات خسرنا من المغرب ودياً بنتيجة قاسية قوامها 11 هدفاً ولم أتأثر بالخسارة، إلا أن ما حدث أمام الصين كان كارثة وصدمة كبيرة ليست لي فقط وإنما إلى الشعب السعودي كافة، إذ جاءت الخسارة في آخر ربع ساعة من المباراة وبأربعة أهداف، في وقت كنا متقدمين فيه بهدفين، ونمني النفس بالحصول على إنجاز أول للكرة السعودية، وهذا جعل زوجتي وأولادي يطالبونني بالابتعاد عن المجال الرياضي حتى لا تضيع حياتي بسبب المنتخب الوطني. حدث تاريخي ما زال راسخاً في ذهنك؟ - الحدث التاريخي الجميل الذي ما زال راسخاً في ذهني هو يوم تأهلنا إلى"مونديال"كأس العالم 1994 في أميركا بعد فوزنا على إيران في مباراة انتحارية في قطر 4-3 إذ شعرنا لحظتها بأننا بدأنا نجني ثمار التخطيط السليم باللعب مع أفضل المنتخبات العالمية في أكبر تظاهرة رياضية على الإطلاق. أما الحدث التاريخي الحزين الذي لا يزال عالقاً في ذهني فهو يوم وفاة الأمير فيصل بن فهد ? يرحمه الله ? إذ تأثرت تأثراً كبيراً بفقدان قلب الرياضة السعودية النابض، وكنت حينها مديراً لمكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب في مكةالمكرمة، والحمد لله أن الله سخر لهذا البلد المعطاء رجالاً يكملون المسيرة الناجحة، وأقصد هنا بالتحديد الأمير سلطان بن فهد ونائبه نواف بن فيصل اللذين واصلا سياسة التخطيط الرائع وحققت الرياضة السعودية في عهدهما الكثير من الإنجازات والمكتسبات الآسيوية والعالمية. كما أن ذكرى احتراق منزلي قبل خمس سنوات في مكةالمكرمة من الأحداث الحزينة التي لا يمكن أن أنساها أبداً. كيف ترى التعليق الرياضي حالياً؟ - التعليق الرياضي جيد، وتوجد خامات وطنية رائعة شقت طريقها بنجاح في هذا المجال، وتحتاج فقط إلى الدعم المستمر والتوجيه من المسؤولين، ويكفي في السنوات الأخيرة ظهور موهبة أكثر من معلق رياضي في كل المناطق من مملكتنا الحبيبة. وماذا عن ظاهرة هجر المعلقين السعوديين صوب القنوات الفضائية؟ - هي ظاهرة طبيعية في ظل الإغراءات المادية من القنوات الفضائية، فلجنة المعلقين السعودية تقدم مكافآت مالية لمن يعلق على المباريات في التلفزيون السعودي، ولكن للأسف هذه المكافآت أقل وبأضعاف مضاعفة مما تقدمه القنوات الفضائية لهؤلاء المعلقين الذين بالتأكيد أنهم سيبحثون عن مصلحتهم فوق أي اعتبار، لذا تجد أن كل معلق يبرز تستقطبه القنوات الفضائية وبمبالغ هائلة من أمام المسؤولين في لجنة التعليق السعودية الذين لا حول لهم ولا قوة. كلمة أخيرة؟ - أتمنى أن أكون وفقت في خدمة بلادي في هذا المجال، وأتمنى من كل من أخذ مني موقفاً بغير قصد ومن دون ما أشعر أن يسامحني لوجه الله، فأنا أحمل كل الحب والتقدير لكل من زاملته في العمل، ومن تعرفت عليه طوال هذه السنوات ومن تشرفت بمقابلته، وأتمنى أن يبادلني الجميع ذلك الشعور الطيب. {