تدار معظم الأنشطة التجارية في بلادنا تحت التستر. ولا احتاج لشاهدي عدل لإثبات ذلك. فكل المواطنين شهود على ذلك الاختراق المذهل لأنظمتنا. وكتبت قبل يومين للقارئ عن إدراك وزارة التجارة السعودية خطر الظاهرة وتفشيها وحجم تأثيرها في الاقتصاد الوطني، وعلى رغم ذلك لم تبادر بتقديم حل، في ظل عجز الأنظمة عن تقييد الظاهرة أو السيطرة عليها. والدليل أن هناك نظاماً لمكافحة التستر، مليئاً بالعقوبات الصارمة والجزاءات الرادعة، لكننا نعرف انه لو طبق حرفياً لأقفلت 90 في المئة من المحال التجارية في اليوم التالي! حققنا بازدهار نظام التستر المذهل وغير المدون أمرين، الأول أننا خلقنا سوقاً لممارسة التجارة المشروعة بطريقة غير مشروعة، تضطر إلى العمل في الظلام والتخفي، والثاني اننا صنعنا جيلاً كاملاً من المتسترين وكوادر وطنية محترفة في مجال التستر نشأت معه ثقافة التستر، وعزّزنا روح"التستر"لتكون السائدة، ووجهنا ملكات الإبداع لاختراع طرق جديدة للتستر الآمن والمربح، ولكي نتعرف على سجل الشرف في هذا المجال نكتفي فقط بقراءة أسماء أصحاب المحال التجارية المدونة على لوحاتهم الخارجية. كثيرون من المتخصصين وآخرون غيورون أدركوا الخطر وحجم التأثير، اما الحكماء فتأكد لهم ان السير بعكس التيار لعقود أضعف الهمة بمخالفته الفطرة، وأضاع الفرصة لتوطين الأموال المستثمرة، وواصل النزف، وأن الأنظمة ولائحة العقوبات لا يمكن تطبيقها، لأن عملية التستر من السهل الممتنع الذي يتم ببساطة ويمتنع اثباته، كما ان تطبيقها بشكل فعّال قد يؤدي بمئات الآلاف من المواطنين الى السجن! اذاً هناك مشكلة كبيرة نكتفي بالفرجة عليها، والطريف أن جهودنا الحثيثة ونحن نلهث خلف الاستثمارات الأجنبية لجذبها إلى بلادنا كان يمكن أن تكون أكثر فعالية لو أعدنا النظر في الطريقة التي تُشغل بها معظم الاعمال التجارية في المملكة، وبدلاً من استيراد المستثمرين نركز على توطينهم، فهم موجودون من دون أن نشعر بهم ويعملون في الخفاء ويحولون البلايين بدلاً من استثمارها. لا مناص من التغيير وهو مقبل شئنا أم أبينا، والفرق أن في سرعة التطبيق توفيراً، وفي تأخيره ضياع المزيد من الفرص، وأنا أؤيد كل ما قاله الدكتور سالم باعجاجة، وهو استاذ جامعي في الاقتصاد، عن ضرورة منح الفرصة لكل مستثمر أجنبي ولو كان صغيراً، للدخول الى السوق من الباب وليس من النافذة، بالترخيص له للعمل بشكل رسمي، طالما توافر ضمان بنكي بنصف رأس المال، وطالما تأكدت الجهات المختصة بتشغيله عاملين بشكل نظامي وإصدار نظام ضريبي يراعي شرائح المستثمرين الأجانب كافة، على أن يلتزم المستثمرون بتوفير سجلات محاسبية منتظمة تسهل تقديم الإقرارات الضريبية، وهو يراهن وأنا اراهن وبقوة على أن ذلك سيضمن الحصول على ايرادات كبيرة من الضرائب تدعم خزانة الدولة وزيادة إيرادات الدولة، كان نصفها يذهب حوالات الى الخارج ونصفها الآخر في جيب متستر نائم. [email protected]