الشاعر الدكتور عبدالله باشراحيل، رسّخ حضوره الثقافي بإنشاء جائزة باسم والده، تعنى بالإبداع الأدبي، وتمنح جوائزها في أربعة مجالات أدبية، إضافة إلى جائزة تقديرية عامة. يرفض باشراحيل تصنيفه كشاعر كلاسيكي، كما يهاجم قصيدة النثر والمنتمين لها، وهو في ذلك لا يكف عن خوض معارك أدبية. وعلى رغم كثرة مشاركاته في المحافل الأدبية الإقليمية والدولية، إلا أنه يعود أحياناً محملاً بخلافات، تلفت اهتمام الوسط الأدبي عموماً. حول معاركه المختلفة، ورأيه في الحداثة، وكتاب قصيدة النثر، وما حدث في مهرجان جرش من خلاف مع الشاعرة السورية رشا عمران، وقضايا أخرى عديدة، حاورته"الحياة". هنا نص الحوار. يقال عنك إنك شاعر كلاسيكي أو تقليدي، ما رأيك؟ - أولاً ما هو تعريف الكلاسيكية، أو التقليدية؟ فعلى رغم كل التنظيرات الفكرية والنقدية، فإنني أعتبر جميع المذاهب النقدية اجتهادات خاطئة. والمبدع لا يقدم إنتاجه انطلاقاً من عمله بالمذاهب الأدبية، فلا يمكن أن يضع في اعتباره حين ينظم الشعر أن ينظم شعراً كلاسيكياً أو تقليدياً أو حداثياً أو غيره. المبدع عليه أن يستلهم فنه ويقدمه، دون النظر إلى هذه المعايير، وعلى الناقد أن يدرس، وينظر، ويقرر ما تقضيه أصول النقد، وما تمليه ذائقته الفنية، وإحساسه الانفعالي بالعمل، كما قال الشاعر: علي نحت القوافي كم معادنها وما علي إذا لم تفهم البقر والذي حكم على فني أنه كلاسيكي أو تقليدي أخطأ، ولم يدرس شعري وأدبي إلا لماماً، وأخذ منه ما يحقق رؤيته الخاصة، لكن الحق ما شهد به النقاد المعروفون، الذين أظهروا أن شعر باشراحيل، ظاهرة فنية أخذت بكل اتجاهات الشعر المعاصر، وعلى رغم الكارهين والحاقدين، لن يصح إلا الصحيح، ويبقى الحكم للمتلقي وانفعاله مع النص، بعيداً عن المؤثرات المغرضة، التي تنظر إلى شخصية المبدع لا إلى عمله. يحتل الوطن العربي من شعرك الكثير، ما يحيله لفكرة قومية فيها تجليات القومية العروبية. ما تعليقك؟ - القومية العربية والإسلامية، رسالة وانتماء واستشعار وهدف وقيمة ومصير ورؤى ودم وعقيدة، وجميع ما ذكرت يسري في وجداني، فلا أستطيع الانفصال عن قوميتي العربية والإسلامية، كما لا يستطيع الجسم أن ينفصل عن الروح إلا بالموت، وكذلك أنا. تناولت تجربتك أسماء كبيرة كصلاح فضل، شوقي بزيع، عبدالسلام المسدي، علي حرب، عبدالعزيز التويجري. كما أن هناك كتباً نقدية درست شعرك في عدد من البلدان العربية. ماذا يعني لك ذلك؟ - هؤلاء النقاد قدموا إبداعاً نقدياً، للتعريف بمواطن الجمال في إبداع عبدالله باشراحيل، وهو ما يحقق لي عدم الرضا بما قدمته إلا في وقته، إضافة لتطلعي إلى تجاوز ما قدمته، حتى أصل إلى القصيدة المعجزة التي ما أزال أبحث عنها. بعد أكثر من دورتين للجائزة، ما الذي حققته؟ وما الذي تطمح إليه؟ وما الأسماء التي توجهت لها الجائزة؟ وما تقويمك لها الآن؟ - حققت لي جائزة والدي رحمه الله في جميع دوراتها، الكثير من الرضا وليس كله، لأن رضا الناس غاية لا تدرك، والأسماء التي نالت الجائزة لها وقعها وقيمتها على خريطة الأدب العربي، ومن جهتي فلا أستطيع تقويم الجائزة. منحت الجائزة إلى أسماء متباينة في حضورها، كأدونيس، نبيل سليمان، عمرو موسى، هارون هاشم رشيد، ناصر الدين الأسد، كارل أرنست، محمد لطفي اليوسفي، علي حرب، يمنى الخولي، شوقي بزيع، حمدة خميس، مفيد شهاب.. هذه الأسماء تحيلنا إلى سؤال عن آلية عمل الجائزة؟ - للجائزة نظام وأهداف وشروط، وهي مكتوبة في الصحف، وعبر الإعلانات، وفي مواقع الإنترنت، وهي محددة في خمسة فروع، تتمثل في الشعر، القصة، الرواية، النقد، الدراسات المستقبلية. تجاوزت الوجاهة الجائزة تفتح الباب واسعاً عن علاقة الأدب بالمال. هل هي علاقة إبداع ودعم، أم وجاهة اجتماعية أكثر منها ثقافية؟ - الحمد لله لست في حاجة لوجاهة اجتماعية، ولو لم يكن الدافع هو الإيثار والاهتمام بالفكر والأدب الإنساني لما قدمتها. أما الوجاهة الاجتماعية، فأنا متجاوز لها منذ أزمان. وهذه الأقاويل عن علاقة الإبداع بالمال، إنما يختلقها من قعدت بهم السبل لرفعة العلماء والأدباء والمفكرين والمبدعين على مستوى العالم العربي، وعن علاقة ذلك بي، فيكفيني أنني تجاوزت بشعري المحلية والإقليمية إلى العالمية، وشعري مترجم ويدرس في الجامعات الغربية، فما هي الوجاهة التي ستمنحني إياها الجائزة. أنا لا أقصد سوى أن أكون وجيهاً عند الله، ولأفوز بحظ الآخرة، كما فزت بحظ الدنيا ولله الحمد. مشاركتك في مهرجان"مديين في كولومبيا"، في أمسيات مع شعراء عالميين من دول عدة، وحضور جماهير بالآلاف، وهي المرة الأولى لشاعر سعودي في أميركا اللاتينية، حدثنا عن هذه التجربة؟ - هي بلا شك تجربة تحمل قيمة في نفسي، لما وجدته من تقدير واهتمام من جمهور مميز غير عادي، يتفاعل مع المعاني الشعرية، وهو ما لم أجده في الوطن العربي الذي تغيرت ذائقته، جراء ما ينشر، تحت مسمى الشعر، وهو قصيدة النثر، التي أتيح من خلالها لكل من هب ودب أن ينال اسم شاعر. وبشأن المهرجانات التي شاركت فيها، فيكفيني تفاعل رئيس كولومبيا الذي طلب مقابلتي، وتفاعل مع قصيدتي"قلائد الشمس"، التي وجهتها إلى ستين أديباً أميركياً، رداً على رسالتهم إلى الأدباء العرب. حدثنا عن مشاركتك الأخيرة في مهرجان جرش، التي ثار حولها جدل في ما يخص الشاعرة السورية رشا عمران؟ وماذا عن قصيدتك في سهام شعشاع؟، وهل ترى أن مهرجان جرش فقد بالفعل بريقه؟ - فعلاً مهرجان جرش فقد بريقه، ليس على مستوى الحضور فقط، وإنما الشعراء أيضاً الذين وصفهم محي الدين اللاذقاني"بشعراء السردين"، وهم كتاب قصيدة النثر المزعومة. أما ما حدث لي مع رشا عمران في المهرجان، فأقول إن هذه المرأة لها عذرها في التسلق على أكتاف الكبار، لأنها ولدت عقيمة من الموهبة الشعرية والأدبية، ولقد أشاعت أن إدارة المهرجان طلبت"تسفيري"، لكن رئيس المهرجان جريس السماوي قام بتكذيبها. أما ما أشارت إليه من تغزلي في الشاعرة سهام شعشاع، بقصيدة عنوانها"يا ليل"، فإن سهام لا تعدو كونها زميلة في الشعر، وعمرها يتجاوز الخمسين. ماذا عن معاركك الأدبية، في ما يخص معارك الشعر العمودي مع شعر النثر والتفعيلة؟ - هي معارك لن تنتهي، فالشعر والنثر نقيضان، والقصيدة هي الشعر، أما النثر فهو لغة بيان، وفرق بينهما النقاد، وعلماء اللغة، والعروضيون، لكن المتسلقين على حساب الشعر، يسيئون إلى أنفسهم أولاً، ثم إلى الشعر العربي الجميل. وأنا أستغرب منهم كيف يتبرأون من النثر، ويلبسونه اسم الشعر، والنثر تفوق على كثير من الشعر، ونقل إلينا التراث نثراً بديعاً لقس بن ساعدة، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، والرافعي، والعقاد، وغيرهم. وعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها. وماذا عن الشعر الشعبي؟ - الشعر الشعبي على الأقل لم يخرج عن إطار الشعر، وعيبه أنه يصاغ باللهجات المحلية، لكنه مفهوم ويعبر عن بيئته ولا يتعداها، وإن كنت نظمت ديوانين منه، لكني ندمت عليهما حتى لا نعبث بلغتنا العربية. ارتبط مفهوم الحداثة بتعاريف وتأويلات، منها هدم مقومات الأمة حيناً، وأحياناً تجديد الخطاب، ماذا تمثل الحداثة لديك؟ - مفهوم الحداثة في الشعر سقط سقوطاً مهيناً بكل تأويلاته، ولم يعد يقوى على مسايرة العصر، أو الصمود أمام قوة وجزالة وأداء الشعر العربي المعروف. ما يقدم حالياً على أنه حداثة، يعد هراءً يقدم على أنه شعر في ظل زحمة المتناقضات العقلية. كيف ترى دور النقد في حركة الشعر السعودي؟ - دور النقد في الحركة الشعرية السعودية قائم على التبعية، والانتهازية النقدية، إلا قلة ممن يحترمون عقولهم.