عندما يُستغل المركز الوظيفي في تمرير أشياء غير نظامية، وعندما تُسخر كل الموارد المالية والبشرية لخدمة المصالح الشخصية، وعندما تُمارس سياسة ازدواجية المعايير، وعندما تختل الموازين وتنقلب المفاهيم وتصبح كلمة الباطل تعريفاً للحق، وكلمة الحق توصيفاً لهوى النفس والشيطان، أليس هذا ضرباً من ضروب الفساد؟ بل أليس هذا هو الفساد بعينه وشحمه ولحمه؟... إننا في هذا الشهر المبارك يجب علينا جميعاً أن نبتعد عن ارتكاب المعاصي والفساد، ونقترب من الفضائل،ونتعامل مع الجميع بالأخلاق الطيبة. إذاً ما المطلوب ممن قُدِّر عليه أن يعيش هذا الواقع، وأن يرى بأم عينيه أن المبادئ والأخلاق والفضائل والقيم تُنحر أمامه، ما المطلوب؟ هل المطلوب أن يستمتع بمشاهدة ما يراه وأن يصفق عند المشاهد الساخنة من هذه المسرحية الهزلية، أم المطلوب أن يشارك في هذا العبث حتى لا يوصم بعدم الموالاة أو يُرمى بالخيانة العظمى، ما المطلوب بالضبط من هذا الذي أشقاه ضميره الحي، وأتعبه إيمانه وتقواه. يحدثني أحد هؤلاء الأشقياء المغلوبين على أمرهم بأنه قبل أن يلتحق بالحياة العملية كان يعرف معنى واحداً"للفساد"يتفق عليه جميع أهل الأرض، وإن اختلفت مشاربهم ومذاهبهم، وهو أن الفساد ذلك الشيء غير الصالح أو الشيء غير الجيد، أو أنه الشيء الذي يخالف الفطرة السليمة، غير أنه بعد أن ولج الحياة العملية طلباً لمرضاة الله، ثم رغبة في حياة كريمة، فوجئ بأنها تُقدم له في كل محطة من محطاتها معنى مغايراً تماماً لما ألِفه وتعلمه وتربى عليه، بل وتُجبره على القبول بصحة ذلك المعنى الرديء والتكيف معه، فكان صديقي بعد أن يتملكه الإحباط ويستبد به اليأس يلملم أوراقه ويؤثر الرحيل لمحطة أخرى، علّها تقبله بعقليته المتحجرة وطبعه المتجمد، وذوقه القديم الذي لا يعرف من الألوان سوى الأبيض والأسود، وضميره الحي، ولكنه كان يخفق في بلوغ مبتغاه، وظل في حال ترحال دائم، فهيهات هيهات أن يجد مثل تلك المحطة التي ينشدها، فالموازين مقلوبة والمفاهيم"معوجة"ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. عضو الجمعية السعودية للإدارة