كثيراً ما سمعت عن السوق السوداء، وكثيراً ما بحثت عن مكانها، ظناً مني بشرعيتها وقانونيتها، وأن لها موقعاً محدداً على خارطة الكرة الأرضية في قارة أو دولة، وبعد جهد مضنٍ من البحث عنها، لرغبتي في عرض ما لدي وجلب ما أريد، وجدت أن لا شرعية ولا قانونية ولا مكان لها ولا زمن محدد يمكن ان تلتقي فيه عملاءك وتجري معهم صفقاتك، وأن هذه السوق ما هي الا ضرب من ضروب اللصوصية بأسلوب متطور وعلى مستوى عالٍ، فاللاعبون الأساسيون في هذه السوق من جميع الفئات، ويمكن أن يكونوا من محترفي اللعب بالبيضة والحجر من عامة شعوب الارض، بمعنى أنهم من الحالات الاستثنائية وهم محترفون بشكل عجيب في إدارة عملياتهم وتحركاتهم، فهم كالجن تماماً يجلسون بجوارك ويديرون صفقاتهم من دون ان تشعر بهم أو تراهم!! وهؤلاء،"وأعني المضاربين السود"أمامك مسؤولون محترمون، وفي واقعهم لصوص وحرامية ومصاصو دماء، لكن الجميل في هؤلاء انهم يتعاملون بطرق اكثر نزاهة وعفة وطهراً بغض النظر عن حرمة هذا العمل أو عدم قانونيته. هناك فريق دخل هذا المضمار الأسود بشكل مختلف تماماً ومغاير تماماً ايضاً للفريق الأول، هذا الفريق دخل من باب الأدب بقلة الأدب، لقد سمعت أن هناك بعض الشخصيات المهمة والثرية يقومون بشراء قصائد شعراء مغيبين عن الساحة الأدبية في مقابل كم قطعة ذهبية أو ورقية، وقد يكون هذا العمل مقبولاً إذا كان الطرف الآخر المتمثل في شخص الشاعر موافقاً على الصفقة بكل بنودها. من خلال وجودي في"الانترنت"زاملت وعرفت الكثيرين... حاورت شخصاً... ودردشت مع آخر، كنت في المقال والخاطرة والشعر والفكاهة الصرقعة والبرقعة كما يسميها البعض ووجدت ان هناك فتيات تزامن وجودهن في الانترنت ووجودي، ورأيت انهن لم يتجاوزن منتدى الفكاهة ? الصرقعة لفترة طويلة، وفجأة وبقدرة قادر أمسى البعض منهن عضوات بألقاب، وأصبحن شاعرات لا يُشق لهن غبار، او من العيار الثقيل كما يقال، حتى انهن لم يفوتن فرصة التنويه عن دواوينهن الالكترونية بأسمائهن المستعارة ومقابلاتهن الأدبية غير المعلنة إعلامياً. حين نتحدث مع إحداهن وتطلب منها ان تُسمعك نصاً من نصوصها الوهمية تلحن فيه وقد لا تجيد فهم معنى بعض كلماته، مع أن تلك النصوص موغلة في الإبداع وغاية في الامتاع... تفيض رقة وعذوبة، وتسمو بصدق المشاعر وقوة الألفاظ وجمال الصور وحسن السبك، تجعلك امام حقيقة تنصهر فيها وتتفاعل معها، تحزن لحزنها وتبكي لبكائها وتفرح لفرحها، وجملة القول انك تعيشها بكل تفاصيلها. ولا أدري لماذا يتنكر هؤلاء لكل هذا الابداع، ويبخلن عليه بأن يكون نشره تحت أسمائهن الصريحة.