لم يكن المدرب الألماني ثيو بوكير يتوقع أن الإشادات الكبيرة وأصداء الإعجاب الواسعة التي نالها مع فرسان مكة في الموسم الكروي الماضي ستنقلّب رأساً على عقب، وستتحوّل في غضون أربع مباريات فقط في الدوري السعودي إلى انتقادات لاذعة واتهامات متواصلة وقذف بقوارير المياه الفارغة من جماهير"القلعة"، التي ذاقت معه الأمرّين وتجرعت مرارة الخسائر المتلاحقة من الحزم والوطني والنصر، لتتخذ الإدارة الأهلاوية قراراً سريعاً بإقالة المدرب وإبعاده عن الفريق بعد كارثة النصر الثلاثية، ويخسر النادي بفعل ذلك مبالغ طائلة وصلت إلى 400 ألف دولار ثمن التعاقد مع بوكير، من دون التوصل إلى أية نتائج ايجابية من وجود المدرب الألماني على رأس الهرم الفني في الفريق الأهلاوي. وعاش بوكير مع الوحدة في الموسم الماضي أجمل لحظاته التدريبية، وذاق مع الفريق حلاوة الانتصارات الجميلة، وقاد"الفرسان"إلى احتلال المركز الثالث في دوري كأس خادم الحرمين الشريفين، بعدما كان قريباً جداً من الوصول إلى النهائي والعودة إلى منصات التتويج، وهو مركز متقدم لم يحصل عليه الفريق منذ سنوات طويلة، واستحق بوكير لقب أفضل مدرب في الموسم بإجماع النقاد والمحللين والمراقبين، ومعه استحق الفريق الوحداوي لقب الحصان الأسود في الدوري، لتبدأ بعدها مرحلة المفاوضات الجديدة بشأن تجديد العقد والارتباط بين النادي والمدرب الألماني الناجح، وتبدأ الأنظار تلاحق بوكير محلياً وخارجياً بهدف التعاقد معه في الموسم الجديد، وعندها شعر المدرب بأنه وصل إلى عز مجده التدريبي وهو يرى العروض المغرية تنهال عليه من كل حدبٍ وصوب من داخل السعودية وخارجها، ليفاجئ المدرب الوحداويين برفضه فكرة التجديد، ويقدم أعذاراً غريبة لم يفصح عنها قبل النجاح مع"الفرسان"، ومنها خط السير اليومي والمسافة بين مكةالمكرمةوجدة التي كان يقيم فيها، مؤكداً أنه يرغب في الاستقرار واختيار نادٍ قريب من منزله يجعله قادراً على تقديم كل ما عنده من فنون التدريب، ليصيب رئيس الوحدة جمال تونسي وأنصار النادي بصدمة كبيرة وحال من الذهول الغريب جراء أعذاره التي قدمها وعدم رغبته في الاستمرار مع النادي الذي قدمه إلى ساحة الأضواء والنجومية ورفع أسهمه في مجال التدريب، ويتأكد عندها الوحداويون أن الغرور أصاب مدربهم ،ويتحركون سريعاً في البحث عن بديل ويتعاقدون مع الهولندي فيرسلاين، فيما وقّع بوكير للأهلي ب400 ألف دولار، ورفض 450 ألف دولار من الوحدة لتجديد عقده التدريبي، مفضلاً البحث عن مصلحته الشخصية، وذلك للوصول أكثر إلى عالم الشهرة ومنافسة أفضل المدربين في هذا المجال. مرت الأيام وبدأت التدريبات وعسكر الأهلي في تونس، ثم شارك في دورة سويسرا الودية وكانت النتائج مخيبة للآمال، وتعذر بوكير بعدم مشاركة اللاعبين الدوليين، ثم بدأ الدوري السعودي، وتلقى الأهلي صفعة البداية من الحزم في الرس، وتماسك الألماني وحاول التبرير لينقذه الانتصار على الشباب في الرياض من دائرة الاتهامات، ويتلقى الضربة الثانية من الوطني الصاعد حديثاً لدوري الكبار في تبوك بثلاثية نارية، وعندها بدأ بوكير في فقد التوازن وإطلاق وعوده بتعديل الوضع وتحسين الصورة الهزيلة التي ظهر بها فريقه وسط مشاركة اللاعبين الدوليين، لتأتي قاصمة الظهر من"العالمي"، وهذه المرة من على أرض الأهلي وبين جماهيره في جدة وبثلاثية بركانية فجّرت الأوضاع داخل أسوار"القلعة"وأخرجت الجماهير الكبيرة عن طورها ،لترد على بوكير بقوارير المياه الفارغة، وتطالب بسرعة إبعاد المدرب الذي أعاد الأهلي إلى عالم الخسائر الثقيلة، وتردد اسم مدربها الصربي نيبوشا موسكوفيتش، الذي قاد"القلعة"في الموسم الماضي إلى تحقيق بطولتي كأس ولي العهد وكأس الأمير فيصل بن فهد - يرحمه الله. واستجابت إدارة الأهلي سريعاً لنداءات ومطالبات جماهيرها الغاضبة، واتخذت قراراً بإقالة بوكير وإسناد المهمة التدريبية للوطني يوسف عنبر ريثما يتم التعاقد مع مدير فني جديد، ويحزم المدرب الألماني حقائب السفر باكراً ويهدم ما بناه مع"الفرسان"في عام كامل بأربع مباريات فقط مع الأهلي، وينضم إلى قائمة المدربين المقالين في عالم المستديرة، وتتلاشى الأحلام والطموحات التي كانت تراوده بصعود منصات التتويج، ليجد نفسه في صالات المطارات، ويتأكد من أن الدوري السعودي بإمكانه أن يضعه في قائمة أفضل المدربين المشهورين، وبإمكانه أن يعيده إلى دوامة الضياع بين جيش المدربين المبعدين والمقالين من الأندية الرياضية.