بسبب الاحتلال الصهيوني البغيض لأرض فلسطين المباركة، تفرق أهلها وهاموا على وجوههم في الأرض كلها، ومنهم من تفرق شمله لغير رجعة، وانقطعت أخبارهم عن بعضهم البعض بسبب أو لآخر، وبدأت رحلة المعاناة التي لم تنته بعد، وتقطعت الأوصال، فالأب والأم في دولة، والأبناء في دولة أخرى، حتى الأبناء تفرقوا في دول عدة، ومنهم من رحل صغيراً ولم يتعرف على اخوته أو أخواته، ومن بين هؤلاء أخ وأخت تفرقا منذ كان عمرهما سبع أو عشر سنوات وبعد أكثر من 40 عاماً عرف كل منهما مكان الآخر، وبدأت الاتصالات بينهما لكنهما لم يستطيعا أن يلتقيا بسبب الإجراءات المعقدة بين كل دولة وأخرى، وقررا أن يؤديا فريضة الحج علهما يلتقيان في أقدس بقعة في العالم، وتبدأ تجهيزات رحلة الحج المباركة والأمل يحدوهما للقاء. وتتحرك قوافل الحجيج تلبية للنداء الرباني الخالد وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم... الآية، وتأتي الأخت مع زوجها لأداء الفريضة وتبدأ مناسك الحج بدءاً من الإحرام إلى طواف القدوم فالوقوف في عرفة من دون أن يتلقي الأخ أخته، على رغم المحاولات العديدة، لكن دون جدوى، ولهول ما حصل فقد ضاعت أخته عن زوجها في عرفة، وبدأت معاناة أخرى لها وأخذت تبكي، فليس لها بعد الله إلا زوجها، وهامت على وجهها وهي تبحث عن زوجها، وكذلك فعل هو واستحال اللقاء بينهما مرة أخرى، وتبدأ النفرة من عرفات الله ويبدأ الحجيج في التوجه إلى المشعر الحرام، ومن ثم إلى منى، ولكنها لم تيأس، فقد كان الأمل بلقاء أخيها وزوجها كبيراً، وتطلب من إحدى الحافلات التوقف للركوب فيها واستجاب سائق الحافلة لطلبها بعد أن شرحت له وضعها واركبها بجانب إحدى النساء، وكم كانت فرحة المرأة عظيمة عندما علمت ورأت أن ركاب الحافلة من بلدها فلسطين، إذ ارتدت إليها روحها وأملها بعد أن كادت تتحطم أحلامها وآمالها وتفقد صوابها. وتصل إلى منى ويستعد الحجاج لرمي الجمرة الأولى، ولما كانت النساء الكبيرات لا يستطعن ذلك بسبب الزحام وضعفهن فقد أوكلن الرجال من أقربائهن، وأخذت هذه المرأة تنظر يمنة ويسرة تطلب من بعض الرجال ليرموا عنها الجمرات لكنهم اعتذروا بسبب تكليفهم من امرأة أو أكثر، فما كان منها إلا أن تلح على أحدهم وترجوه أن يرمي عنها الجمرات، ولكنه اعتذر في البداية والدموع تذرف من عينيها فرق لحالها ولبى طلبها، ولما طلب منها اسمها ليذكره عند الرمي، قالت له فلانة بنت فلان، وكانت المفاجأة الكبرى وتسقط الجمرات من يديه ويصيح من؟! من فلانة... أختي أختي ويندفع نحوها معانقاً إياها عناقاً بللته الدموع، دموع الفرح الممزوج بالمرارة والحرمان، ويقول لها أنا أخوك أنا فلان وقد جمع الله بيننا في أقدس مكان وأفضل الأوقات. وقال الشاعر: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما/ يظنان كل الظن أن لا تلاقيا خالد الحاجي - الرياض