رئيس وزراء جمهورية باكستان يغادر الرياض    "التجارة" تُشهِّر بمخالف نظم مسابقة تجارية دون ترخيص    جائزة فنون المدينة يستقبل زواره حتى اليوم    نجاح عملية تفتيت تصلب الشرايين    خام برنت ينخفض الى 67.87 دولار للبرميل    أمير منطقة المدينة المنورة يرعى حفل تكريم الفائزين بجائزة جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز للتميز    فرنسا: حملة تدميرية جائرة    الأردن: جريمة إبادة جماعية    بريطانيا: عملية همجية وشنيعة    أكتوبر المقبل.. في سفوح جبال طويق.. «القدية» تحتضن النسخة الافتتاحية من كأس العالم FIA Extreme H    في الجولة الثالثة من دوري روشن.. كلاسيكو مرتقب بين الأهلي والهلال.. وديربي يجمع النصر والرياض    في بطولة آسيا 2.. النصر يدك شباك الاستقلال الطاجيكي بخماسية    في أولى جولات دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفاً على نيوكاسل.. وعودة عاطفية لدى بروين إلى مانشستر    العيسى والصباح يزفان عبدالحميد    ضبط 83 كجم قات و61 كجم حشيش    بدد أموال والده في «لعبة».. وانتحر    طرح لوحة في مزاد «أبشر» ب7 ملايين ريال    فيلم «ظبية» يكشف كنوزاً أثرية سعودية    عسير تتصدر السياحة الثقافية    في أمسية فنية وثقافية وحضور كبير.. صالون عبدالمنان يكرم الموسيقار جميل محمود    "سترونج إندبندنت وومن"    إجازة اليوم الوطني للبنوك الثلاثاء المقبل    زراعة «سن في عين» رجل تعيد له البصر    هيثم عباس يحصل على الزمالة    المملكة تدين التوغل الإسرائيلي في غزة    غابات الأمازون في البرازيل تفقد خلال 40 عامًا أكثر من 49 مليون هكتار    الجوال أبرز مسببات الحوادث المرورية    41 مليون عملية في أبشر خلال شهر    مبادرات جمعية الصم تخدم ثلاثة آلاف مستفيد    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    تحديث الاشتراطات التنظيمية للرعاية البيطرية    71.3% نسبة التحقق من مستهدفات الإسكان    أمير الرياض يلتقي السفير الفيتنامي    «إثراء» يحصد جائزة التواصل الحضاري    كنوز الجوف.. حضارة آلاف السنين    "الثقافة" قطاع محفز للإبداع المحلي والنمو الاقتصادي    سارعي للمجد والعلياء    أوقاف إبراهيم بن سعيدان تنظم ورشة عمل حول التحديات التي تحدثها المصارف الذرية في الأوقاف المشتركة    وزير الشؤون الإسلامية يؤكد تطوير منظومة الطباعة بمجمع الملك فهد    إنزاغي: أملك الحلول    المسحل: هدفنا تنظيم بطولة آسيوية متكاملة    تدشين السوق الحرة في مطار المؤسس بمساحة 8 آلاف م2    الخدمات الصحية في وزارة الدفاع تحصد وسام التميز بجودة البيانات    العالمي يضرب الاستقلال بخماسية    الصمعاني يستعرض احتياجات محاكم الشمالية    غزة بين الركام والمجاعة: حرب مدمرة تفتك بالأرواح وتشرد السكان    ما أهداف اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان؟    الأميرة سما بنت فيصل تُقيم مأدبة عشاء ثقافية لضيوف تدشين مشروعات رسل السلام    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرعى حفل افتتاح ملتقى جامعة جازان ل"أبحاث السرطان 2025″    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    السعودية تدين بأشد العبارات لعمليات توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة    الموافقة على آلية التعامل مع حالات العنف والإيذاء والإهمال في المنشآت الصحية    خطبة الجمعة المقبلة.. وحدة الصف ونعمة الأمن والرخاء ورغد العيش    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثقافة العربية تستعيد عناصرها الحكائية
نشر في الحياة يوم 30 - 10 - 2007

عمدت الثقافة إلى استرجاع عناصرها الحكائية، كما فعل بعض الإخباريين من العرب إلى الإشارة أن الإسكندر الملقب بذي القرنين هو ملك من ملوك اليمن، ومن المؤكد كما ينص المؤلف أن اللقب الذي عرف به احد ملوك الطوائف في اليمن تيمناً بلقب الإسكندر المقدوني وتمثلاً لانتصاراته، كانت مصدر الالتباس والخلط بين الشخصيتين اللتين جرى دمجهما في صورة بطل أسطوري عجائبي، حدث دمج خلاق انصهر فيه الواقعي والتاريخي بالخيال والمتصور، وعلى هذا النحو تم دمج ملوك الطوائف بأبطال الحروب اليونانية - الفارسية. وفي هذا النطاق يحمل المؤلف المخيلة اليمنية طاقة الجنوح التي نجم عنها ظهور مفاجئ لسلالات من الملوك الأسطوريين لا وجود لهم واقعياً، ومع ذلك تم إرجاع أنسابهم إلى سبأ وحمير. ولا تقتصر جنوح المخيلة إلى المخيال اليمني، بل تتملك الحكاية الأولى من المؤرخ العربي لينشط في محاولة استعادة ارثه الحكائي المهاجر إلى بقاع الأرض، من خلال صور عدة يفرد لها المؤلف فصولاً مستقلة يمهد لها بالبطل افريقيس الذي زعم وهب بن منبه انه أعطى اسمه لأفريقيا وبه تسمت، وأن حرب البسوس هي الطبعة البدوية الشعبية عن حرب طروادة اليونانية، التي كانت بدورها حرب أسطورية ترعرعت في حضانة عصر بطولي هو عصر الحروب اليونانية - الفارسية.
وأن الزير سالم هو تصحيف بدوي لأسطورة أوزيروس المصري، وان حدوث مثل هذا هو إعادة إنتاج لحرب طروادة تحت تأثير عصر بطولي كان يلهب خيال العرب ويحضهم على رواية البطولات التي لانهاية لها.
وربما يتبادر للذهن أن المؤلف يستهدف إفراغ المحتوى الثقافي للأمة العربية، حين يجردها من رموزها وحكاياتها وأساطيرها بإعادة تلك النتف من الحكايات إلى مرجعها الأسطوري، الذي انشقت منه، إلا أن هذا الخاطر يزول حينما يؤكد المؤلف أن ثمة رحلة باكرة هاجرت فيها الأساطير العربية وقطعت البحار لتستقر في وعاء ثقافي جديد احتوته ثقافة جديدة لتعيد صياغته وتدخله كلبنة أساسية من لبنات تلك الثقافة، ويتم إعادة تصديره إلى منشأه الأم، أي يمكن أن نستنتج أن الأسطورة في حال تدوير مستمر، فبمجرد أن تتلقفها قوى سياسية واقتصادية حتى تعيدها وفق حال تلك القوة. ولا تكف القوة السياسية أو الاقتصادية على إعادة التصدير، ما لم تكن هناك مخيلة خصبة لإعادة نسج الحكاية وإلباسها الهيئة الجديدة.
ولهذا يفسر الربيعي هذا الانتقال إلى المرويات العربية - منذ البدء - ببروز جيل من القاصين الذين اختزنوا في ذاكرتهم تلك القصص والأساطير والأخبار الصحيحة وقاموا بروايتها مجدداً، في سياق سرديات تاريخية عن تاريخ العرب بالعودة إلى بدء الخليقة مروراً بعصر الحروب اليونانية الفارسية وانتهاء بولادة الإسلام، وتم دمج مذهل ومتتابع للصور والرؤى والكلمات والأسماء والبلدان والعقائد والأساطير، وبذا غدت الواقعة الأسطورية كما لو أنها جرت فعلاً في تاريخ الإسلام الباكر، وحين نقلها ابن هشام والطبري وغيرهما فإن أحداً من الرواة المسلمين لم يخامره الشك لا في وقوع الحادثة ولا في دلالتها.
ويرى المؤلف إن الدارسين العرب المعاصرين تساموا عن رؤية ما يبدو أمامهم في حقل التاريخ مجرد أساطير ومرويات خرافية، ولم يجربوا إمكان تعلم أبجديات الأساطير التي يسميها اريك فروم اللغة المنسية لأجل تفهم أعمق لهذا التاريخ، ويحفظ للكتاب العرب القدماء الإحساس الصلب بأن التاريخ يقبع في جوف الأسطورة وفي المروية الخرافية وفي قلب كل خبر غير قابل للتصديق، وهذا ما قادهم لنقل وتدوين كل ما كانت تقع عليه أعينهم.
وفي ظل الإيمان بأن الأسطورة لا تنشأ من الفراغ وإنما هناك محفزات لظهورها ، تصبح كل أسطورة تحمل تاريخاً ما، هذا التاريخ يتحرج عبر العصور لتتحول مروياته التاريخية إلى أسطورة، أي أن الأسطورة تحمل تاريخاً مضافاً إليه حركية الزمن التي تولد الشوائب الحكائية فينمو التاريخ نمواً مشوهاً تستمزجه المخيلة الشعبية وتؤسطره.
بهذا المعنى يمكن لي قبول ولادة أبطال لم يكن لهم تاريخ، وتصبح شرعية الولادة مستندة على الرغبة الجمعية لمجتمع من المجتمعات في تخليق مواصفات بطولية، تنسجم مع القوة التي بلغها ذلك المجتمع.
ويصبح السؤال: هل من حقنا نحن المتأخرين إلغاء ذلك السجل الأسطوري للشخصيات التي استمزجها المزاج الجمعي لهذا المجتمع أو ذاك؟
أظن أن التقويم المتأخر هو أشبه برغبة أحدنا في تقويم غصن شجرة معمرة، فتقويم ذلك الغصن يعني كسره.
أعود وأقول إن الإبحار في متون الكتب أكثر صعوبة من الحفريات،لأن عثور رجل الآثار على قطعة ما يمكن إعادتها لزمنها من خلال تاريخ معين بينما المرويات تحمل صعوبة إرجاعها لزمنية محددة، خصوصاً مع اليقين الكامل بالهجرة المتوالية للأسطورة.
وهذا ما حدث مثلاً مع فاضل الربيعي، ففي فصل كامل أثبت نفي وجود شخصية الشاعر العربي القديم الأعشى، لكنه احتاج إلى سجل الأعشى الشعري في نفي وجود أسطورة زرقاء اليمامة أو نفي وجود أسطورة النضيرة بنت الضيزن. ليصبح السؤال: كيف ينفي بمنفي؟
هنا تكمن صعوبة تجريد التاريخ من رموزه، حتى ان كانوا ظلالاً لأحداث لم تقع في مسرح التاريخ المتحدث، لأن في الإثبات والنفي مساحة زمنية اشتغلت فيها المخيلة الجمعية في إنتاج النص، الذي يتحول بالضرورة إلى وثيقة مهما حاولنا إثبات أنها كتبت خطأ، فإن معتنقيها يفضلون استرجاعها بخطئها لا بصوابها، ومن هنا تصح مقولة خطأ شائع أفضل من صواب مهجور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.