لا يجادل أحد أن الإنسان هو صانع الحضارة بكل محتوياتها، لكن هل يجادل أحد بأنه القادر على هدمها، وتحويل الأرض إلى جحيم لا يصلح لمعيشة إنسان أو حيوان؟ أحد هذه الفاعلات ? وليس كلها ? راح يسرب ويهرب غازات وإشعاعات إلى الفضاء، فقامت القيامة ولم تقعد حتى زمن هذا المفاعل الملعون تحت أطنان من الأسمنت، لكن الأمر لم ينته إلى هنا، فتسرب الإشعاعات وصل إلى الجو، وتشكلت غمامة راحت تتحرك حتى وصلت إلى كندا، ومن طبيعة الغمام أن يمطر، وكل قطرة مطر نزلت كانت مشبعة بمواد قاتلة، فكل من يشرب من هذه المياه فنصيبه الموت السريع، البقر الذي راح يرعى ويشرب أصيب، كانت كارثة فتحت العيون على حجم الضرر، وقال أكثر من إنسان ماذا سيكون مصيرنا لو سربت المفاعلات كلها أو غيرها؟ ماذا سيكون مصير العالم لو حدثت حرب كونية جديدة وضربت المفاعلات كلها، أليس - حينها - ستتحول الأرض إلى كرة لهب أو جحيم لا حياة فيها لإنسان أو حيوان أو نبات؟ المفاعلات ليست سوى قضية واحدة أقامها الإنسان لينعم بالطاقة والرفاهية، فإذا هي تجلب الموت لمجرد خطأ بسيط، وتسريب لشعاع من مفاعل واحد، هذه الأسلحة الفتاكة، قنابل جهنم، الصواريخ عابرة القارات، الأسلحة الجرثومية وغيرها، لو خرجت من سيطرة الإنسان، وأمطر بها المالكون لها العالم، فماذا يبقى من الحياة والأحياء؟ مدير المركز الفرنسي للأبحاث الوطنية"اندريه تاغييف"يستعرض في مقال ما يؤمن به بعض الناس من أنصار"المحافظين الجدد"، فمنذ الثلاثينيات من القرن العشرين راح ينشط ويروج فكر"الأفول والانحطاط"في العالم عموماً، وفي المجتمع الفرنسي خصوصاً. الفكر السابق، منذ أطلق بعض فلاسفة اليونان أن العالم يسير بتقدم نحو الأمام، وبنوا على ذلك أن حضارة اليوم أفضل وأرقي من حضارة الأمس، وستكون حضارة الغد أرقى وأفضل من حضارة الأمس واليوم. تلفق"هيغل"الفكرة ليطورها بالاتجاه نفسه بوضع نظرية جدلية الديالكتيك وعن"هيغل"أخذها تلاميذه من الماركسي، وان ظلوا يقولون فيه قصائد هجاء كتلك التي قالها الحطيئة، حتى هجا فيها نفسه. اندريه يسجل ان الفرنسيين يربطون بين التردي وبين الأمركة، لقد كثر الكلام عن انحطاط الأقوام الذين تزاول التجارة ? إشارة للانغلوسكسون ? لقد نقل هؤلاء عدوى التردي والانحطاط إلى غيرهم، ومنهم الشعب الفرنسي، والذي قوامه"فلاحون محاربون". ومنذ عام 1960 يقول اندريه انتبهنا للوجه الصناعي والبيروقراطي في كارثة هيروشيما ونجازاكي، والإبادة الجماعية لليهود قبلهم، فالحداثة تطور صفحة المجازر الجماعية، بل أباحت للبشرية حرية"التدمير"، وفي السبعينيات من القرن العشرين، جدد فكر الأفول والتردي عباراته مع نشوء حركة"مناورة السلاح النووي"، فراحت الحركة تندد بالتقدم العلمي والتقني ما جعل خبراء البيئة ودعاة المحافظة عليها إلى اعتبار أن الإنسان هو"مرض الأرض"، وأن فناءه يخدم بقاء"النوع"، وهل هذا سوى بعث لنظرية"مالتوس"، فالنظرية تحذر من خطر فناء العالم عموماً والجنس البشري أولاً. المحافظون الجدد ? وكانوا يسمون المجانين ? طرحوا وبقوة مقولة أن العالم يسير نحو كوارث، ستقضي على ثلثه، حتى تغطي الجثث وجه الأرض، ملايين تقتل كل ذلك تمهيداً لعودة المسيح، بل حرموا العمل للسلام، لأنه ? حتى حصل ? يؤخر عودة المسيح، بعض المسلمين يقولون قريباً من هذا، فالمهدي لا يعود حتى يعم الظلم والفساد، ومن يسهم في ذلك يعجل في عودة المهدي المنتظر... مفاهيم جديدة، وربما نظريات جديدة في تفسير التاريخ، والجنون فنون! نشرت الحياة ملخصاً لنظرية أندريه في 19 - 1 - 1428ه. د. نعمان السامرائي