يوم العيد شعيرة من شعائر الإسلام، ولكل شعيرة شعار ودثار، ومعنى ومبنى، فشعار العيد بسمة وبهجة، ودثاره لباس التقوى، ومبنى العيد لهو مباح وزينة، ومعناه: قلوب مزينة بزينة الإيمان، وألسنة محلاة بحسن المنطق والكلم الطيب، وجوارح مروضة بسلوك سوي وأخلاق فاضلة. ليس العيد مظاهر زينة جوفاء تخفي وراءها نفوساً منخوبة فاسدة، لم تتزين بزينة الإيمان ولم تتحل بحسن الخلق! ليس العيد ابتسامات صفراء تستر خلفها قلوباً مريضة سوداء! ليس العيد مجاملات عابرة باهتة تلقى ببرود، لفظاً بلا معنى، كجسد بلا روح! ليس العيد طباعاً تستخرج مستكرهة متكلفة فتأتي كحالة استثناء! إنما العيد طباع مرسلة على السجية، وبسمة صادقة تشي بقلب سليم من الظغائن والأحقاد والحسد، ونفس سمحة نقية بصفاء الفطرة السوية، تأخذ العفو من أخلاق الناس، ولا تغلبها الظنون السيئة، ولا تأخذ بالظنة. ليس العيد بفرح البطر ولا بالزهو والعجب والبغي، فقد أعجب قارون بنفسه وماله، فبغى على قومه وفرح فرح البطر وجحود النعمة، فخسف الله به وبداره الأرض جزاء وفاقاً. إنما العيد فرح الشكر الذي لا يخرج عن حدود الرخصة، والقلوب المؤمنة التي تصدر عن شريعة الله لا يشتبه عليها فرح البطر وفرح الشكر والرخصة. ليس العيد معرضاً للتغاير بالمظاهر، ولا محلاً للتمايز بين الناس، ولا موطناً للخيلاء والكبر، فالنفوس الصغيرة تخرج من القيم الكبيرة إلى المظاهر الجوفاء، فلا تزال تبحث في مظاهر الكبر والخيلاء ما نقص في جوهر روحها من القيم السامقة، غير أنها لا تزال بمظاهر الكبر والخيلاء صغيرة في أعين الناس من حيث أرادت أن تكبر، فخدعت من حيث أرادت أن تخدع، وتوهمت من حيث أرادت أن توهم. نعم! لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم للعيد حلة جميلة، ولكنه لبس قبلها لباس التقوى خير لباس يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير، فتزكى وزكت أخلاقه، لقد لبس حلة بهية، ولكن على نفس زكية وجسد طاهر"فلم يزدد بذلك إلا تواضعاً، وكان من وراء هذه الزينة الظاهرة زينة باطنة تنضح بخلق عظيم وتندى بكلم طيب. فليكن للمخبر ضعف عنايتنا بالمظهر، وليكن حسن المظهر مكملاً لحسن المخبر، لا ستاراً يواري سوءة الباطن. لنحقق معنى العيد قبل أن نتلبس بشعاره ونتمظهر بمظهره، إن التحقيق في معنى العيد يدفعنا للتساؤل عن مشاعرنا التي نبديها في العيد: هل هي خروج عن طبيعتنا يوماً أو بعض يوم، فتكون استثناء يدل على الأصل المغاير، أم هي مشاعر صادقة توافق طبيعتنا، فلم تند عنها في مظهر من مظاهرها؟! بسمة العيد...سلامه...تهنئته...اجتماع الناس فيه...مظاهر جميلة يفرح لها كل مؤمن، ولكن: لماذا نفتقدها من بعضنا بعد العيد؟ كأنما رجعت بعده إلى العدم فلا وجود لها في حياته، وكأنما أخطأ هو طبيعته في العيد، فرجع بعده إلى طبيعته الغليظة"حتى في معاملته لأسرته وذوي قرابته. فهل ما نراه من مظاهر العيد من هؤلاء مشاعر فياضة وإحاسيس مرهفة تلقي بظلالها على النفوس"فتجني ثمارها المرجوة، أم هي مشاعر مصمتة جوفاء أخرجت تكلفاً لتستر طباعاً نافرة ونفوساً فظة وقلوباً غليظة. لا أثير هذا التساؤل لأكدر على هذه المظاهر جمالها، ولا تغليباً لسوء الظن، ولكنه تساؤل يفرضه واقع بعضنا المليء بالمغالطات. فهلا جعلنا من يوم العيد فرصة لترويض الطباع على اللين والرحمة والسماحة والأخذ بالعفو في التعامل...هلاّ جعلنا من يوم العيد موسماً لتعويد الشفاه على بسمة تعلو المحيا لتغالب عبوس الوجه. وهلا جعلنا من يوم العيد فرصة لتذليل الألسن على المنطق الحلو، أليس هو بيوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه...فلا يسمع في يوم العيد ولا بعده كلمة نابية ولا لفظ فاحش ولا طعن ولا لعن. * أكاديمي في جامعة"الإمام". [email protected]