تتجه أبصار وأفئدة المسلمين من كل بقاع الأرض الليلة إلى مكةالمكرمة، حيث قبلة المسلمين وكعبتهم المشرفة، ليشهدوا"آخر"أيام العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وختمة المصحف الشريف من حناجر أئمة الحرم المكي الشريف في صلاة التراويح، لتلهج الألسنة بالدعاء والتضرع إلى الله في آخر أيام الشهر، إذ ورد في سير الصحابة والسلف الصالح سنة الدعاء والإطالة فيه عند ختم القرآن الكريم قراءةً. وتقاطر نحو مليوني معتمر ومصل ليلة أول من أمس وفجر أمس، إحدى أكثر ليالي الشهر الفضيل منزلة عند المسلمين، على المسجد الحرام في مكةالمكرمة، من دون تسجيل أية حوادث أو أزمات تذكر، ليؤكدوا نجاح موسم العمرة في شهر رمضان. لكن أمر الزحام لم ينته بعد، إذ يشهد المسلمون فجر اليوم"ليلة ختم المصحف الشريف"خلال صلوات التراويح والقيام. وتعد ليلتا 27 و29 من أكثر ليالي شهر رمضان ازدحاماً، لتفاؤل كثير من علماء المسلمين وعامتهم بأن ليلة ال27 تصادف عادة ليلة القدر، المشهود لها في القرآن الكريم بأنها"خير من ألف شهر". في حين يحرص كثير من المصلين والمعتمرين على حضور ليلة ال29 التي يختم فيها أئمة المسجد الحرام خصوصاً تلاوة سور القرآن ودعاء الختم. وتحظى ليلتا ال?"27"وال?"29"بقدسية مضاعفة عن غيرهما من الليالي، إذ يعتقد الكثير من المسلمين، من دون الجزم بالاعتقاد، أن الأولى هي ليلة القدر، وتنال الأخرى قدسيتها باعتبارها ليلة ختم القرآن، وعند هذا يدرك الزائر لمكةالمكرمة خلال هذه الأيام تقاطر المسلمين من كل حدب وصوب إليها لينالوا بركة هاتين الليلتين. ويختم أئمة الحرمين الشريفين القرآن الكريم في هذه الليلة بالتحديد، كونها الليلة الأكيدة من آخر ليالي شهر رمضان المبارك، إذ من المعلوم أن صلاة التراويح لا تؤدى ليلة العيد التي قد تحل بعد هذه الليلة مباشرةً، ولرجاء أن تصادف هذه الليلة ليلة القدر، كونها إحدى ليالي الوتر التي ورد فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنها الأقرب لأن تكون إحدى لياليها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر. وفي وقت رزئت الأمة الإسلامية بمحن ومصائب، فإن المسلمين يتفقون على أن الدعاء هو أسهل وأعظم ما يفعله المسلم لأمته ووطنه، وهنا يلاحظ على أئمة الحرم المكي الشريف، الذين تناوبوا على دعاء ختمة القرآن خلال عقود من الزمن، كثرة إلحاحهم في الدعاء إلى الله بنصر الأمة الإسلامية وتمكينها وإعزازها، ودحر شرور الأعداء عنها، وتخليصها من براثن المحتلين والغاصبين. ويبدو المشهد جللاً ومهيباً في ساحات الحرم المكي الشريف، فمئات الآلاف من المسلمين من شتى الأعراق والبلدان يجتمعون في بقعة واحدة، لا يفرق بينهم شيء، فهم يتراصون في الصفوف من دون حسابات الغنى والفقر والحسب والنسب، ترى أعينهم تفيض من الدمع، وترى أثر العبودية لله والتذلل له واضحة على سحنات وجوههم وطأطأة رؤوسهم، وكل تلك المشاهد تمنح أرواحهم إيماناً يتجدد في كل عام، وفي الوقت ذاته، عند معاودة الوقوف في البقعة ذاتها، وحال سماعهم آيات القرآن الكريم وما فيها من وعد ووعيد ومواعظ وأمثال، وما يتردد وقعه كالصدى على آذانهم من رقيق الدعاء ولذيذ التضرع للمولى عز وجل. وشهد الحرم المكي الشريف، وكذا الحرم النبوي في المدينةالمنورة، ليلة أمس جموعاً من المعتمرين والزوار لحضور ليلة ال27 من رمضان، لاعتقادهم بأنها ليلة القدر التي فُضلت على ألف شهر، بحسب الآية الكريمة :"ليلة القدر خير من ألف شهر..".