عندما ركبت الطائرة من مطار لندن برفقة والدي عائدة إلى بيروت لمتابعة دراستي في الجامعة الأميركية، كانت صور الدمار في المدينة التي أحب تتوالى في رأسي، وكانت الأفكار تتزاحم. كيف ستكون بيروت بعد هذه الحرب المدمرة؟ هل سيكون باستطاعتي استعادة حياتي التي اعتدتها منذ ثلاث سنوات حين قررت الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت؟ وعلى رغم شجاعة أهلي بالسماح لي بالعودة إلى بيروت، لم تكن الصورة مطمئنة. لكنني كنت اتخذت قراري: سأعود إلى بيروت. لم تكن رحلة العودة سهلة. توقفت الطائرة في مطار عمان، توقعت أن الجيش الاسرائيلي سيصعد إلى الطائرة كما كنا نسمع، وكنت كل الوقت وأنا جالسة في مقعدي أنظر من النافذة متى سيأتون؟ حتى أقلعنا من مطار عمان قبل الوقت المتوقع بنصف ساعة ولم نر أحداً. بدأت أقترب من سماء بيروت. آه كم أنت جميلة أيتها المدينة. لا بد من أن أعين الحساد أصابتك. كم يغارون منك. كنت متحمسة وأنظر من نافذة الطائرة أحاول أن أرى الدمار الذي حصل في بيروت ولكن وصلنا في الليل، لم أر شيئاً غير أضواء بيروت. هبطت الطائرة وخرجت من المطار أنظر حولي إن شيئاً لم يتغير. المطار هو المطار! جاء اليوم الثاني من وصولي ذهبت إلى الجامعة. لم يتغير شيء. كأن شهراً لم يحسب من الزمن. الحرم الجامعي هو الحرم الجامعي، الطلاب هم الطلاب، حتى الأجانب منهم موجودون! لم التعجب؟ فها أنا السعودية، أيضاً موجودة. تبادلت ورفاقي السلام وكان الجميع يهنئ الجميع على السلامة. دخلت غرفة الصف كأنني لم أغادرها قط... وتابع النهار مثل أي نهار جامعي آخر. في طريق العودة إلى البيت كان المشهد مألوفاً، هنا أرى بعض الناس يمارسون رياضة المشي أو الهرولة، وهناك مرتادو البحر يرتادون شواطئه، وبعض الرجال يقفون على الصخور يصطادون الأسماك. المطاعم والمقاهي المنتشرة في المدينة ممتلئة بالناس، على رغم انقطاع التيار الكهربائي. والضاحية أصبحت منطقة سياحية يتجول فيها الأجانب حاملين كاميراتهم، لم أستطع إلا أن ألاحظ الانتشار الكثيف للجيش اللبناني، لكن ذلك جعل السير أسهل، آه منك يا بيروت! لا أريد أن أحسدك بل أقف أمامك بتعجب وإعجاب، وأتعلم منك العزيمة في الحياة. شكراً لسفارة بلدي والملحق الثقافي الدكتور أيمن مغربي لأنهم على اتصال دائم بنا، فشعرنا بالأمان، وخصوصاً والد جميع الطلاب السعوديين السفير الدكتور عبدالعزيز خوجة. وشكراً لأهلي لأنني من دونهم ما كنت لأقف الآن وأقول"راجع يتعمر راجع لبنان".