استعاد جمع من عشاق الشعر ثقتهم في رموز التجديد في الشعر السعودي الحديث، بعد قطيعة امتدت إلى نحو عقدين من الزمن مع النمط الأسلوبي المحدث، خصوصاً بعد أدلجة الفكرة من تيارات تحصر الجمال في ما يتفق وذائقتها. وأصغى نحو مئة متابع لمدة ساعة ونصف الساعة إلى نصوص الشاعرين محمد الثبيتي وعبدالله الصيخان في أمسية نظمها نادي جدة الأدبي مساء أول من أمس، وجاءت مختلفة في نواح عدة، إلا أنها اتفقت على الصمت في محراب الإبداع. وبدأت الأمسية التي قدمها الشاعر أحمد قران الزهراني بنصين للشاعر الصيخان، إذ قرأ نص فاطمة:"كأن النساء خرجن من الماء وفاطمة وحدها خرجت من برد"، وأتبعه بنص"فضة تتعلم الرسم":"وحدي هنا غادرتني المليحة أشرع هذا الممر لها بابه". وتجلى الثبيتي في سماء أدائه الفريد، وهو يقدم النص الجديد"بوابة الريح": مضى شراعي بما لا تشتهي ريحي، وفاتني الفجر إذ طالت تراويحي، قصائدي حيثما ينتابني قلقي، ومنزلي حيثما ألقي مفاتيحي، فأي قوليّ أحلى عند فاتنتي، ما قلت للنخل أم ما قلت للشيح". من جهته، لم ينس الصيخان رفاق الدرب، فكما هو المشبع بعيني وذكريات صديقه عبدالعزيز مشري، فهو المضمخ بشذى ذكريات"طلالية"، إذ أهدى الفنان الراحل طلال مداح قصيدة"صوت الأرض":"زمان الصمت مر ولم تجبني، أيصمت صوتك الزاهي الحبيب، وترحل صرختي تذبل بوادي، ونكس رأسه الصبح الكئيب". وعقب بقراءة نص"زيارة"، ومنه:"من هنا مر نهر الطفولة مر، هذي سدرة الجيران تسدل ظل خضرتها على الجدران، وضممت لي من سدرها ما يملأ الكفين". وتفاعل الحضور مع نصين متتاليين للثبيتي، كان الأول بعنوان:"تغريبة القوافل والمطر":"أدر مهج الصبح، صب لنا وطناً في الكؤوس يدير الرؤوس، وزدنا من الشاذلية حتى تفئ السحابة"، والثاني نصه الشهير:"غرفة باردة، غرفة بابها لا أظن لها أي باب، وأرجاؤها حاقدة، غبش يتهادى على قدمين وصمت يقوم على قدم واحدة، لا نوافذ لا لوحة في الجدار، ولا مائدة حين أججت نار الحقيقة في داخلي، وهمهمت بالقول لا فائدة، كان يذوي بقربي حزيناً ويطوي على ألم ساعده، قلت من ؟ قال حاتم طي، وأنت؟ قلت معن بن زائدة". ولم يمل الحضور المميز من تتابع الإلقاء الشعري المراوح بين الوطني، والروحي، والعاطفي، والإنساني، والذي ازدان بتوهج الشاعرين، وتنامي روعة أدائهما بمرور الوقت، مع تمايزهما في طريقة الأداء. أخيراً أكدت الحميمية التي أظهرها جمهور الشعر الذي جاء من جازان، والطائف، والباحة، والقنفذة، مكانة الشاعرين التي نجحا في تأكيد أهليتهما لما وصلا إليه من قدرة إبداعية، تتجاوز حدود الممكن في كثير من الأحايين.