التصريحات المتناقضة، التي تطلق عبر وسائل الإعلام المختلفة من بعض قادة الحركة الشعبية، تصب في خانة التصريحات غير المسؤولة، إذ إنها غير صحيحة وتشكك في صدقية شريكهم في الحكومة، حزب المؤتمر الوطني. ولا يفتأ الأمين العام الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية باقان أموم، الذي يطلق التصريحات النارية، أن يذكرنا دائماً بأنهم على استعداد تام للرجوع إلى المربع الأول وهو العودة إلى الحرب، فهل يخشى الشعب السوداني الحرب التي خاضها زهاء ال 50 عاماً من دون توقف؟ وماذا يقصد الناطق الرسمي وهو يردد مثل هذه الأقوال ويهدد بهذه التصريحات عبر الصحف اليومية؟ هل الحركة الشعبية لا تثق بالمؤتمر الوطني بعد أن وقع معها اتفاق السلام ببنوده المكتوبة والمعروفة للطرفين، أم ماذا؟ وابتداءً من رئيس حكومة الجنوب إلى كل المستشارين والوزراء في مجلس الوزراء بقيادة دينق ألور تستخلص من حديثهم دائماً عدم الثقة بالشريك في الحكم، على رغم أنهم صاروا في مركب واحد في ظل حكومة الوحدة الوطنية، ولكن عدم الثقة دائماً موجود وحاضر بينهم، خصوصاً في إلحاحهم على حصة الجنوب من النفط، وهذا هو بيت القصيد، وما يقلق منام الحركة الشعبية. وعلى رغم اطلاعهم على كل الكشوفات والأرقام الخاصة بالنفط، وتأكدهم من صحتها، وعلى رغم وجود عدد من أفراد الحركة في قلب وزارة الطاقة، إلا إنهم يصرحون ويتباكون ويزيدون في التشكيك في شريكهم المؤتمر الوطني. وفي آخر تصريحات باقان أموم في أميركا، تباهى قائلاً: "إن الانفصال سيكون نتيجة حتمية، إذا فشلت خطوات بناء السودان على أسس علمانية ديموقراطية"، ويعني بذلك أن المطلوب بناء سودان علماني لا يطبق الشريعة الإسلامية، فهل يعقل ذلك؟ والسودان الدولة المسلمة، وأهله يحكمون بالشريعة الإسلامية، ونسأل هل العلمانية هي الطريق إلى الديموقراطية أو الفيديرالية، التي ينادي بها الإخوة الجنوبيون وأنصار العلمانية؟ وفي نهاية حديثه يدعو البقية إلى مواصلة النضال في الشمال لتحقيق النموذج المبتغى، إذا انفصل الجنوب. هل هذا قول إنسان مسؤول في الدولة، وشريك في إدارة دفة الحكم في السودان؟ وفي ظل ما ينادون به بأن تكون الوحدة جاذبة حتى تتوحد كل الأقاليم، نتساءل: كيف تكون الوحدة جاذبة وهم يطلقون تلك التصريحات، ويعملون من أجل الانفصال، بتشددهم في إعادة الحدود، بحسب مبتغاهم، فهم يريدون أن يخرجوا من الصفقة بأكبر عدد من آبار النفط الجاهزة، التي تضخ الآن لمصلحة السودان، ويريدون أن تصرف الحكومة الحالية على التنمية في الجنوب وإعمار البنى التحتية للجنوب، ثم بعد ذلك يتم الانفصال، بأي شكل كان أو سيكون، والسؤال الذي يفرض نفسه، لماذا لا تجلس الحكومة الحالية مع الإخوة الجنوبيين الآن، وتناقشهم بكل صراحة ووضوح في موضوع الانفصال منذ اللحظة؟ لكي تسعى الحكومتان معاً في إجراءات الانفصال المطلوب مستقبلاً، أو في الأيام المقبلة كما يصرح مسؤولوهم، حتى يتسنى لنا أن نلتفت إلى مشكلاتنا الأخرى المهمة التي تنتظر أهل السودان وهي من الأوليات. إن قادة الحركة الشعبية لم يستطيعوا حتى الآن أن يتحولوا إلى رجال دولة، ولن يستطيعوا أن يكونوا كذلك، وهنالك أدلة كثيرة تشير إلى ذلك، في مقدمها تمرد نائب رئيس حكومة الجنوب ووزير النقل السابق ومعهما كاربينو كوانين للمرة الثانية بعد توقيع اتفاق سلام معهم. أضف إلى ذلك، التباين في تصريحات رئيسهم الحالي في كثير من الأحيان، مثلما قاله في جنوب السودان عن تأييده لدخول القوات الدولية، في حين أعلنت الحكومة على لسان رئيس الجمهورية عن رفضها دخول القوات الدولية. إننا نزعم أن أعين السلطة ليست غافلة عما يدور في الساحة السودانية، وهذا الصمت الذي نراه من الحكومة ما هو إلا تطبيق للمثل الذي يقول "إنَّ في الصمت كلاماً"، وهو دليل على أنها تعلم كل ما يدور حولها في الساحة، ولذلك نقول احذر غضبة الحليم. جعفر حمودة - سوداني مقيم في الرياض [email protected]