منذ شهور، تدافع الناس على المخيمات الانتخابية، وتنافس الكثير منا بحماس للفوز بمقعد في المجلس البلدي كل في منطقته. كثرت التزكيات والفتاوي، وتداول الناس الإشاعات بأن من يفوز بالانتخابات سيكون له كذا وكذا، وسيؤتيه الله خيراً كثيراً، ومما سمعت من إشاعات أن هناك مبلغاً محترماً من ستة أصفار تحت بند تحسين أحوال العضو، وكذلك سيارة فارهة وخادم وسائق وسكرتير أنيق ومكتب فاخر! وبعد سماعي تلك الإشاعات، عضيت أصبع الندم لأنني لم أرشح نفسي! فعلت تلك الدعايات مالا تفعله الرماح، وهب الجميع في منافسة محمومة لبذل كل غالٍ ونفيس، فمن المرشحين من أخذ القروض ومنهم من باع ممتلكاته، ومنهم من استدان من الأصدقاء، أو قام بشراء السيارات بالأجل بمبالغ باهظة، ليبيعها نقداً لإنجاح حملته الانتخابية، والدافع وراء هذا كله الإشاعات التي كنا نسمعها قبل وأثناء الانتخابات، بأن صلاحيات عضو المجلس قد تفوق صلاحيات وزير الشؤون البلدية والقروية! وانعكس هذا على شعارات الناخبين، فمنهم من وضع الإعلانات ومنهم من وضع شعار "منزل لكل مواطن"، ونظراً إلى أنها تجربتنا الأولى، أصبح الناخب والمرشح ضحية تلك الإشاعات، وأصبح المرشحون صيداً سهلاً لشركات الدعاية والإعلان وأصحاب المواهب من الشعراء والممثلين! والمفاجأة بعد كل هذا كانت في النتائج، التي اطلعنا عليها جميعاً وتناولناها بالتعليق والتحليل آنذاك! وأسدل الستار على الانتخابات وأعلن الفائزون وأخذت نشوة النصر من الفائزين فترة، فأعادوا الكرة بعمل ولائم الفرح والتقدير لمن انتخبهم، وهم مثلنا لا يعرفون ماذا يخبئ لهم المستقبل. وعند الإعلان عن مميزات أعضاء المجالس البلدية وحوافزهم، تحول الفرح لديهم إلى حزن، وعضوا أصابع الندم على ما فعلوه في الأيام الخوالي أثناء الحملات، فلا تحسين أحوال ولا مكاتب ولا سكرتير ولا سيارة، وأصبح الناخب أفضل منهم، وهو الفائز لأنه لم يخسر المبالغ الطائلة، وأكل من أفضل الولائم، وأخذ أحسن الهدايا، وأصبح عضو المجلس البلدي يتوارى عن ناخبيه خجلاً منهم تارة، وإحراجاً من الذين أقرضوه ويريدون حقهم تارة أخرى! يقول لي أحد رؤساء المجالس البلدية: "يا أخي، مكافآتنا الشهرية لا تكفي حق القهوة والشاي!" ويرد عليه آخر قائلاً: "والله مؤذن مسجد الحارة أفضل منكم، أعطوه بيتاً وكهرباء وماءً مجانياً ومكافأة مثل مكافآتكم". ويحدثني عضو مجلس بلدي آخر في منطقة أخرى بنبرة حادة فيقول: "نحن محبطون، تصور ما عندنا مكتب ولا عندنا من يطبع لنا جدول الأعمال أو التقارير"، ويضيف: "مطلوب منا التنقل بسياراتنا الخاصة، ونجتمع في أي مكان، وأنظمة الوزارة غير واضحة ومبهمة"، ويختم حديثه قائلاً: "إذا استمرت الحال على هذا الوضع، فسأقدم استقالتي، فأنا خسرت مبالغ طائلة، وأصبحت أقلب كفي على ما خسرت". عضو آخر يقول: "قابلت بالمصادفة عضو مجلس بلدي في إحدى الدول الخليجية، وصدمت بما يحظى به من مميزات، ابتداءً من البطاقة المميزة، والراتب الوفير، والمخصصات المالية، والسيارة والسائق والسكرتيرة والمكتب الفاخر، ولما وجدت الوضع كذلك، خجلت أن أعرفه بنفسي وبأنني عضو مجلس بلدي وأنا أشعث أغبر!" ونحن الناخبون نتساءل: لماذا حال من يمثلنا كذلك؟ عضو مجلس يستقبل المواطنين، ومنهم من يمثل 10 آلاف ناخب، فلماذا يترك هكذا؟ أليس هو من يعمل لمصلحة المواطنين؟ كيف نتوقع منه رعاية مصالحنا والتفكير في حل مشكلاتنا وهو مشغول بنفسه، مهموماً بديونه، يقترض من هذا وذاك لتقديم القهوة لضيوفه. وبدوري، وعبر هذا المنبر ونيابة عن الناخبين، نتطلع إلى تحسين وضع عضو المجلس البلدي، وإعادة النظر في المكافآت التي يحصلون عليها، وأن يكون لهم بعض المميزات، التي تبرزهم اجتماعياً أثناء السفر والتنقلات والحراسة الشخصية والسائق والسيارة. فإن لم تتم معالجة أوضاعهم، فلن يتمكن أعضاء المجالس البلدية من أداء أدوارهم، وهم في هذا الوضع من الضغط النفسي والإحباط...، دعوة أتمنى أن تجد صداها لدى المسؤولين. مخلف الشمري - الخبر [email protected]