من يقرأ البيان الختامي لاجتماعات الدورة ال 17 لمجمع الفقه الإسلامي التي اختتمت أعمالها في العاصمة الأردنية الأسبوع الماضي، لا بد أن يلفت نظره وجود إشارة واضحة لمسألة"الفتوى"، خصوصاً في تأثيراتها سلباً أو إيجاباًً! "الإفتاء"بحسب بيان مجمع الفقه الإسلامي:"هو بيان الحكم الشرعي عند السؤال عنه، وقد يكون بغير سؤال، ببيان حكم النازلة لتصحيح أوضاع الناس وتصرفاتهم". وبذلك يكون"المفتي"هو العالم بالأحكام الشرعية وبالقضايا والحوادث، الذي رزق من العلم والقدرة ما يستطيع به استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وتنزيلها على الوقائع والقضايا الحادثة. ويؤكد مجمع الفقه، أن الفتوى أمر عظيم لأنها بيان لشرع رب العالمين. ويحدد البيان شروط المفتي في الآتي:"لا يجوز أن يلي أمر الإفتاء إلا من تتحقق فيه الشروط المقررة في مواطنها وهي: العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بهما من علوم، العلم بمواطن الإجماع والخلاف والمذاهب والآراء الفقهية، والمعرفة التامة بأصول الفقه ومبادئه وقواعده ومقاصد الشريعة، والعلوم المساعدة مثل النحو والصرف والبلاغة واللغة والمنطق وغيرها، والمعرفة بأحوال الناس وأعرافهم، وأوضاع العصر ومستجداته، ومراعاة تغيرها في ما بني على العرف المعتبر الذي لا يصادم النص، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص، والرجوع إلى أهل الخبرة في التخصصات المختلفة لتصور المسألة المسؤول عنها، كالمسائل الطبية والاقتصادية ونحوها". ولم يفت مجمع الفقه الإسلامي، الإشارة إلى"الفتوى الجماعية"، مؤكداً أن كثيراً من القضايا المعاصرة هي معقدة ومركبة، فإن الوصول إلى معرفتها وإدراك حكمها يقتضي أن تكون الفتوى جماعية، ولا يتحقق ذلك إلا بالرجوع إلى هيئات الفتوى ومجالسها والمجامع الفقهية. على أن أهم فقرات بيان"مجمع الفقه"، تتعلق بالالتزام والإلزام ب"الفتوى"، إذ يقول:"إن الأصل في الفتوى أنها غير ملزمة قضاء، إلا أنها ملزمة ديانة، فلا يسع المسلم مخالفتها إذا قامت الأدلة الواضحة على صحتها، ويجب على المؤسسات المالية الإسلامية التقيد بفتاوى هيئاتها الشرعية في إطار قرارات المجامع الفقهية". ويحدد البيان من لا تؤخذ عنه الفتوى: لا تؤخذ الفتوى من غير المتخصصين المستوفين للشروط المذكورة آنفاً، والفتوى التي تُنتشر في وسائل الإعلام المختلفة كثيراً ما لا تصلح لغير السائل عنها، إلا إذا كان حال المطلع عليها كحال المستفتي، وظرفه كظرفه، ولا عبرة بالفتاوى الشاذة المخالفة للنصوص القطعية، وما وقع الإجماع عليه من الفتاوى. سادساً، من آداب الإفتاء: على المفتي أن يكون مخلصاً لله تعالى في فتواه، ذا وقار وسكينة، عارفاً بما حوله من أوضاع، متعففاً ورعاً في نفسه، ملتزماً بما يفتي به من فعل وترك، بعيداً من مواطن الريب، متأنياً في جوابه عند المتشابهات والمسائل المشكلة، مشاوراً غيره من أهل العلم، مداوماً على القراءة والإطلاع، أميناً على أسرار الناس، داعياً الله سبحانه أن يوفقه في فتواه، متوقفاً فيما لا يعلم، أو في ما يحتاج للمراجعة والتثبت. وتبعاً لذلك، يبدو أنه آن الأوان لكي يثبت السعوديون أنهم يستثمرون بجيوبهم وليس ب"شيوخهم"، وليس بناءً على فتاوى صادرة من هنا وهناك! "فتاوى الأسهم"أصبحت مثل كرة الثلج، فهي تعود بين الحين والآخر، والمجتمع السعودي كان ولا يزال، يوصف بأنه"متدين"إلى أبعد الحدود في كثير من معاملاته اليومية، معاملاته الاقتصادية خصوصاً، فهو يحاول كثيراً أن يضع الضوابط الشرعية نصب عينه، مبتعداً بذلك عن الشبهات من مبدأ اتقوا الشبهات، وأصبح في ما بعد يضعها شرطاً أساسياً في اتجاهه للاستثمار فيها. ما حدث أن سوق الأسهم، كانت مهيأة منذ البداية لدخول"الفتوى"، فهذه السوق كانت تشكو من فراغ تنظيمي و"استشارة"، لكن"الاستشارة"ما لبثت أن تحولت إلى"الفتوى". وهناك أكثر من 3 ملايين مستثمر بحسب إحصاءات شبه رسمية. "شرارة"فتاوى سوق الأسهم مثل غيرها من الظواهر انطلقت في منتديات الشبكة العنكبوتية، وأصبحت مثل"النار في الهشيم"، لكنها اجتمعت على تقسيم الشركات إلى ثلاثة أقسام، هي: الشركات المحرمة، والشركات النقية، والشركات المختلطة، وأصبح سلوك المستثمرين، وبحسب تقديرات غير رسمية تشير إلى أن نسبة من يستندون إلى"الفتوى"نحو 60 في المئة، فهم يتفاعلون معها، وهي تصنف الشركات إلى نقية وغير نقية، كما يشهد الإقبال على الصناديق الاستثمارية الإسلامية، مقارنة مع صناديق الاستثمار التقليدية. وإذا كنا نعترف بأنه لا يوجد تصور"معرفي"كاف لدى شريحة كبيرة من مصدري فتاوى الاقتصاد والأسهم، فالسوق سجلت خلال الفترة الماضية عدداً من حالات التضارب بين الفتاوى، فإن ما نطلبه ليس وقف"الفتوى"بل الاستمرار فيها وتقنينها شرعاً، وليس حرجاً هنا أو ضعفاً، يجب أن يدعم القائمون على مثل هذه الفتاوى معلوماتهم الشرعية بالمعرفة الاقتصادية، خصوصاً المالية للتدقيق والتمحيص قبل إصدارها، نظراً إلى تأثيرات هذه الفتاوى في السوق، إذ أسهمت في إحداث ارتباك بين المستثمرين في الفترة الماضية. ولعلنا شاهدنا تأثيراتها قبل أشهر عدة حين أصاب السوق أرتباك بين المستثمرين في الاكتتاب في شركات عدة، مثل"التعاونية للتأمين"، و"بنك البلاد"وأخيراً"ينساب"، و"المجموعة السعودية". مجمع الفقه يوصي بدوام التواصل والتنسيق بين هيئات الفتوى في العالم الإسلامي، للاطلاع على مستجدات المسائل وحادثات النوازل، وأن يكون الإفتاء علماً قائماً بنفسه، يُدرس في الكليات والمعاهد الشرعية، ومعاهد إعداد القضاة والأئمة والخطباء، وأن تقام ندوات بين الحين والآخر للتعريف بأهمية الفتوى وحاجة الناس إليها، لمعالجة مستجداتها، ويوصي المجمع بالاستفادة من قراره الخاص بسبل الاستفادة من الفتاوى، وخصوصاً ما اشتمل عليه من التوصيات الآتية: الحذر من الفتاوى التي لا تستند إلى أصل شرعي ولا تعتمد على أدلة معتبرة شرعاً، وإنما تستند إلى مصلحة موهومة ملغاة شرعاً، نابعة من الأهواء والتأثر بالظروف والأحوال والأعراف المخالفة لمبادئ وأحكام الشريعة ومقاصدها، ودعوة القائمين بالإفتاء من علماء وهيئات ولجان إلى أخذ قرارات وتوصيات المجامع الفقهية بعين الاعتبار، سعياً إلى ضبط الفتاوى وتنسيقها وتوحيدها في العالم الإسلامي.