أكد استشاري نفسي أن الطقس في كثير من الأحيان يعتبر محركا أساسيا لبعض الأمراض العضوية والنفسية، مشيرا إلى أن الصيف زاد من معدلات مرضى العيادات النفسية بسبب تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الحالة النفسية والمزاجية للكثيرين، التي باتت واضحة في الأماكن العامة، وأثناء قيادة السيارات، حيث أضحت القدرة على التحمل ضئيلة، ونسبة الانزعاج والتأثر السلبي كبيرة. وقال أخصائي الطب النفسي الإكلينيكي بالرياض الدكتور وليد الزهراني إنه يلحظ بشكل كبير توافد أعداد من المرضى النفسيين المصابين بالاكتئاب أو القلق والتوتر والكسل الناجمة عن سوء الأحوال الجوية، وارتفاع درجات الحرارة في الجو خلال هذه الأيام في العيادة النفسية، وقد يشتكي المريض من إصابته بعصبية وسرعة غضب وانفعال، ومشاعر اكتئابية، ونفسيات مضطربة طول ساعات النهار، دون أن يعلم أن السبب متعلق بتأثير ارتفاع درجة حرارة الجو على نفسيته ومزاجه . وبين الدكتور الزهراني أن هذه الأعراض قد تحدث في الصيف مثلها في الشتاء، فكما أن البعض يؤثر عليه انخفاض درجات الحرارة، وقلة ظهور الشمس وقلة الأنشطة الاجتماعية بسبب برودة الأجواء في الشتاء، هنالك من يؤثر عليه ارتفاع درجات الحرارة وسطوع الشمس، وعدم القدرة على التحرك إلا بآلات تبريد في السيارات والمكاتب والمنازل وغيرها خلال الصيف، ملفتا إلى أن إحدى الدراسات السويدية أكدت ارتفاع نسب الإقبال على الانتحار بين الشعب السويدي، وبعد دراسة الأمر والبحث في أسبابه اتضح أن ديمومة الشتاء ومواسم الثلوج على السويد واللون الأبيض للثلج الذي يكسو الأرض باستمرار انعكس سلبيا على نفسيات قاطني هذا المكان، لشعورهم بالملل وكآبة الشتاء، وبالتالي ارتفعت حالات الانتحار لديهم. وذكر الدكتور الزهراني أنه سبق وأن قدم مريض إلى العيادة من مدينة عرفت بشدة برودة الشتاء بها، وكانت لديه هواجس وأفكار سلبية للتخلص من حياته في فصل الشتاء، وحين تم البحث اتضح أنه شخص اجتماعي يحب الخروج والاختلاط بالناس كثيرا، وحين أتى فصل الشتاء بدأت تظهر عليه أعراض اكتئابية، بسبب عدم قدرته على التواصل مع الآخرين كالسابق، مما دفعه إلى الشعور المرضي بالرغبة في إنهاء حياته. وعن السبب العلمي لتأثر الإنسان بالعوامل المناخية أكد الدكتور الزهراني أن "شدة الحرارة خاصة في فترة الظهيرة يعطي شحنات سالبة للجسم الذي يتفاعل معها فسيولوجيا، ويرتفع إفراز هرمون الأدرينالين فيشعر الشخص أنه بقمة الغضب والتوتر وسوء المزاج فيبدأ يشعر بالضيق من الآخرين ومن نفسه وتتضح عليه أعراض العصبية وعدم الارتياح، مبينا أن أعراض هذا التأثر تتلخص في الشعور بعدم الارتياح وبالقلق وبالتوتر والعصبية وسرعة نبضات القلب وحصول رعشة في اليدين وزيادة التعرق واشتداد عضلات الجسم. ولفت الدكتور الزهراني إلى أن أسباب هذا التأثر تعود لعوامل صحية فتجد المرضى الذين يعانون من آلام الظهر والمفاصل والعظام والروماتيزم، ومن يسمون بأصحاب الدم الحار يجدون الارتياح في فصل الصيف بصورة كبيرة لأن ارتفاع حرارة الجو يزيل عنهم أعراض ما هم مصابين به ، فيما على العكس يشعر مرضى السكر وارتفاع ضغط الدم بالارتياح في فصل الشتاء أكثر من الصيف بسبب انخفاض أعراض الأمراض المصابين بها في فصل الشتاء. وأضاف الدكتور الزهراني إلى أن الأمر أحيانا لعوامل بيئية، فأصحاب البيئة البدوية مثلا يرتاحون للصيف، لأنهم يتمكنون خلاله من رعي أغنامهم، وتخضر الأرض لديهم، ويعتبرونه جوا ربيعيا مسهما في ارتياحهم النفسي، بينما أصحاب البيئة المدنية الذين يرتبط الصيف لديهم بساعات الانتظار الساخنة وقت الظهيرة لدى الإشارات مع عدم جدوى التكييف فيشعرون بالاضطراب لأجله، وأصحاب البيئات الجبلية يحبون الصيف لأنه لديهم يكون معتدلا بينما الشتاء يكون قارصا ومصحوبا بالأمطار التي تكبل حريتهم في الخروج والاجتماع بالآخرين. وعن الحلول لذلك بين الدكتور الزهراني أنه "على الفرد أن يتقبل الواقع بكل مواسمه، وأن يتكيف مع الصيف والشتاء برحابة صدر، وأن يكيف ذاته مع ما يرتاح إليه، ففي حال تأثره بالبرد يحاول أن لا يخرج في الشتاء إلا وقت الظهيرة مثلا، وإن كان ممن يتأثرون سلبا في الصيف أن لا يخرج إلا في الليل، كما على الآخرين معرفة من يعيشون معهم، وما يتأثرون به كالزوجات مثلا، فالتي تعرف أن زوجها يكره الصيف، ويتأثر من ارتفاع درجة حرارة الجو نفسيا أن لا تطلب منه جلب أغراض المنزل فترة الظهيرة، والعكس لمن يعانون من التأثر السلبي تجاه الشتاء. ولفت الدكتور الزهراني إلى ضرورة تعلم الاسترخاء وتطبيقه، فبدلا من مكوث الشخص في حالة توتر أثناء قيادة السيارة، أو الوقوف لدى الإشارة في الأجواء الحارة، وبدلا من أن يصب غضبه على الآخرين، عليه أن يقوم بعملية بسيطة من الاسترخاء التنفسي الذي يلعب دورا كبيرا في التأثير على الأعراض الفسيولوجية وبالتالي على الشعور النفسي، إلى جانب استخدام أسلوب التطمين وتهدئة النفس. وحذر الدكتور الزهراني من كثرة ترديد كلمات التذمر من الجو والشكوى من الأعراض النفسية السلبية المصاحبة له، مبينا أن على الفرد أن يدير حوارات إيجابية مع ذاته عن الجو، وعن تقبل الذات له واتباع ما يسمى ب"قانون الجذب" لجذب الشعور الإيجابي للذات والحذر من العكس.