تطالعنا الصحف المحلية يوميا ً بعشرات المقالات المسطرة بأيدٍ سعودية، تناقش العديد من المواضيع سواء خاصة بالشأن المحلي او الخارجي. وتتنوع مسارات تلك المقالات، بحيث تنحاز بعضها الى الهم الوطني معالجةً وتحليلاً ونقداً، بينما مقالات اخرى تتعاطى مع المشكلات اليومية الروتينية، إذ يلعب كتابها - وهم الاكثر على الساحة الآن - دوراً اقرب ما يكون للحاوي منه للوسيط. هذا إضافة الى مقالات في كل جوانب الحياة، كما ان صحفنا ايضاً لا تخلو من المقالات القومية والاسلامية والدولية، وكذلك في مختلف الاتجاهات، فكتابنا ليسوا بمعزل عن العالم وما يحدث فيه. ولكن، ومع كل تلك العشرات من المقالات يومياً، وتخيل معي، عزيزي القارئ كم سيكون عددها اسبوعياً وشهرياً وسنوياً. الآلاف من المقالات سنوياً وعلى صفحات جرائدنا اليومية. التي لا تزال المصدر الاهم لدينا لمعرفة ما يجري في بلادنا وما حولنا، وكذلك مدى فهمنا وتحليلنا لكل ذلك، وهو المادة الاساسية لكل تلك الآلاف من المقالات، ومع هذا الكم الهائل. الا اننا لا نلمس تأثيراً واضحاً علينا كقراء فضلاً عن المعنيين اذا كانت المقالات في اتجاهات معينة طبعاً. اذاً ما فائدة كل ذلك؟، ام انه مجرد لزوم الشيء. فهل يعقل ان تكون هناك صفحات تُعنى بالطبخ والصحة والرياضة والشعر الشعبي - وما اكثرها - والديكور والمرأة والسفر والاسهم وغير ذلك من الصفحات، ولا توجد مساحة مناسبة للآراء عبر مقالات تعبر عن ضمير الامة، هذا طبعاً اذا اتفقنا على أنها تفعل ذلك. ويعتقد الكاتب، وهو في بداية تجربته الاحترافية في الكتابة، بأن مقالاته اليومية او الاسبوعية ستحدث انقلاباً كبيراً في مجتمعه، وتحرك الراكد الذي طال ركوده، وان القدر ساقه - أي الكاتب - الى المكان الذي خُلق من اجله، كما انه يكتب لقراء ينتظرون بلهفة وشوق كل ما تسطره انامله الذهبية، خصوصاً اذا كان قلمه الذي يكتب به من الذهب الخالص ايضاً، فبالله عليكم اعزائي القراء ماذا تتوقعون من انامل ذهبية ممسكة بقلم ذهبي؟. حتماً ستخط بما لم يأت به الاوائل. ولكن هذا الحلم الوردي لا يستمر طويلاً، فسرعان ما يكتشف بان ما يكتبه ويتباهى به لا يكاد يٌلتفت اليه. وهنا اود ان انقل تجربة سمعتها شخصياً من احد كتاب المقالات الاسبوعية، الذي يمتلك من الشهرة والخبرة والمكانة المرموقة بين كتاب الاعمدة، ما يجعله في وضع يحسد عليه دائماً. فقد اخبرني سراً - والحمد لله بأن السر لم يتجاوز الاثنين حتى الآن - بانه اعتاد، ولسنوات طويلة خلال تجربته الناجحة في الكتابة، بأن يكتب المقال ويلحقه ببعض الردود عليه، نعم عزيزي القارئ المقال والردود من الكاتب نفسه. وهنا لا اود الخوض في هذا الامر كثيراً، فلربما يثير حفيظة البعض. هذا طبعاً اذا سلمنا بان وجود هذه الظاهرة بات في غاية البساطة الآن في ظل وجود الرد الالكتروني الذي لا يُعرف مصدره. فقط ليكن لديك ايميلات عدة وبأسماء ورموز مختلفة لتستخدمها لهذا الغرض لتزيد من قاعدتك الجماهيرية، حتى يعتقد القراء بأن مقالاتك هي الاهم وهي حديث المجتمع، وما تلك الردود والتعقيبات والتعليقات الكثيرة الا خير دليل على ذلك. كنا نسمع ونقرأ بأن هناك مقالات أسهمت، وبشكل فاعل، في تغيير الكثير من الشعوب من خلال التأثير على الاعراف والانماط والسلوكيات لدى تلك الشعوب. ايضاً كانت المقالات سبباً في سن قوانين واصدار لوائح وإقرار انظمة تفيد المجتمع، نعم سمعنا بذلك، ولكن في المجتمعات التي تعتبر الكلمة هي الاهم. اما مجتمعاتنا فلا تزال - الكلمة - في مرتبة متدنية وتسبقها اهتمامات وأولويات لا حصر لها. * كاتب سعودي