أقسى إحساس يعاني منه المرء هو إحساسه بالظلم وشعوره بضياع حقه، وما يزيد من معاناته هو العجز الذي يكبل يديه والأقفال التي تلجم فمه ضد مقاومة الظلم والحصول على حقه. وعلينا أن نعلم أن العنف هو الابن غير الشرعي للاضطهاد والظلم وأكل حقوق الناس بالباطل، والمواطن العربي يعاني من تجاهل حقوقه، ولا نعرف هل هذا أمر مدبر ومحاك أم وليد المصادفة؟ إن تجاهل المسؤولين لشكوى المواطن العربي حينما يطالب بحقه أو يدفع الظلم عنه هي مشكلة تستحق أن يقف علم النفس وعلم الاجتماع وأصول التربية الحديثة لفهم أبعادها الغامضة. وفي هذا السياق، أتذكر كلام الدكتور طارق سويدان، حفظه الله، حينما قال في إحدى محاضراته:"إن الدول العربية تعيش ظلماً بشعاً وتاريخه يبدأ منذ عهد الدولتين الأموية والعباسية وما بعدهما". فأصحاب المناصب والمسؤولين، الذين يؤدون مهامهم في الإدارات الحكومية ومؤسسات الدولة، في الأقطار العربية لهم قدسية تضاهي قدسية الأنبياء والأولياء! وأعمالهم تنافس أعمال الملائكة في السماء! فهم لا يخطئون وأن أكل الدهر عليهم وشرب، وأن أخطأوا لا يحاسبون. يعيش المواطن العربي والموظف البسيط في متاهات الحقوق المغيبة عنه، فكل ما تلقنه من تعاليم هو واجباته وعقوبة مخالفاته وسلم فصله من عمله، ويجهل للأسف كل حقوقه، بل ويرحل عن دنياه بحسرته على معرفة هذه الحقوق. المواطن العربي لا يعلم بعد أن المسؤول يأتي باسم القانون ليقدم خدمات جمة للمواطنين، ويحفظ المسؤول جيداً حقوق موظفيه، لكنه يسعى دائماً إلى أن تكون خلف الشمس، فلو علم كل موظف حقوقه وناقشه فيها تفتح عليه أبواب جهنم. ولا يعلم المواطن العربي بعد انه لو لم يستجب الى مطالبه، فإن في مقدوره أن يأخذ نفَساً عميقاً ويثابر من جديد في الشكوى على من يتجاهله، ليسحب الكرسي من تحت هؤلاء الذين يرتدون الملابس الفرعونية في سلوكياتهم. لكن المواطن العربي للأسف يفضل أن يأخذ جرعات الظلم والاضطهاد ببرودة أعصاب مدمرة على المدى البعيد، بل ويتناول إهاناته المتكررة مع خبزه اليومي، وإدمان الثرثرة في كل مكان بما وقع عليه من الظلم وشتم مسؤوله وذم الحكومة، وهكذا يتحول المواطن السلبي الى تمثال مصنوع من العجين تلطمه الريح وهو لا يحرك ساكناً، وبوضع هذه السلبية المخزية في نفسية المواطن العربي تحت مجهر علمي النفس والاجتماع، تبين أن مكروبات الخوف والإحباط نمت في لحمه وعظمه، فهو لم يتعلم أن يطالب بصورة حضارية بحقه في أسرته ومدرسته ومن ثم عمله ومن ثم إنسانيته إن تعرضت للإهانة أو التحقير؟ وحجته أنه ما سمع قط أن مديراً أو وزيراً أو مسؤولاً عربياً استبعد أو عزل لتقصيره في حقوق الناس أو لخطأ في قراراته. أما الذي يعرفه جيداً فهو أن الزمان يشيخ ومناصب هؤلاء لا تشيخ، يتغير الكون وكراسي هؤلاء لا تتغير؟ وينتهي العمر والحال كما هي عليه فهم من اخترعوا"الروتين"وروّجوه في قنوات مهامهم، والمهملون والمتقاعسون في واجباتهم يسمعون كل نقد وشجب، لكنهم يملكون البراعة في الدفاع عن أنفسهم وعن أنظمتهم الحجرية! لا نعلم إلى الآن من السبب في هذه المشكلة؟ وهل تكمن في ضعف المواطن البسيط أم في تسلط أصحاب المناصب؟ ومن الذي أوجد الآخر في تربة هذا الوطن؟ لعل ديوان المظالم ومنظمة حقوق الإنسان، في بلادنا على سبيل المثال، تكونان الأمل المنشود الذي يتغنى به المواطن البسيط لتحقيق أحلامه في العدالة والمساواة والسعادة... ولكن، هل سيفكر هذا المواطن البسيط في الالتجاء إلى هذه المؤسسات ليطالب بحقوقه؟ هذا ما أشك فيه؟ لكني أحمّل المواطن المسؤولية الكاملة في تقاعسه عن رفع صوته لدى الجهات المنوطة بالتحقيق في شكواه. عاتكة دهيم - صفوى استاذة علم اجتماع