بدأ ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز زيارته الرسمية إلى اليمن أمس، مترئساً وفد بلاده إلى اجتماعات مجلس التنسيق الأعلى بين البلدين في دورته ال17. وتقدم رئيس الوزراء رئيس الجانب اليمني في الاجتماع عبدالقادر باجمال مستقبلي ولي العهد والوفد المرافق، الذي ضم كبار الوزراء في الحكومة السعودية. وجرت للأمير سلطان مراسم استقبال رسمي على أرض مطار مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت الجنوبية على ساحل بحر العرب، حيث تستمر أعمال الاجتماع، الذي وصف بالمهم، يومين. وفور وصول الأمير سلطان إلى القصر الجمهوري عقد وباجمال اجتماعاً ثنائياً استغرق بعض الوقت، قبل أن يفتتحا جلسة المحادثات الرسمية لمجلس التنسيق، في حضور وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز، ونظيره اليمني رشاد العليمي، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ونظيره أبي بكر القربي، وكبار الوزراء في الحكومتين. ووفقاً للبرنامج المعد، من المقرر أن يجري الرئيس اليمني علي عبدالله صالح جلسة محادثات مع الأمير سلطان مساء الخميس، تتركز على القضايا السياسية وتطوراتها في المنطقة والعالم. وكانت القيادة اليمنية بجميع مستوياتها رحبت بزيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز، متطلعين إلى ثمارها في دعم أهداف صنعاء، التي تسيطر عليها الرغبة العاجلة في احتلال المقعد رقم سبعة في طاولة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.وبحسب كبار المسؤولين اليمنيين في تصريحات إلى"الحياة"، فإن أجندة الاجتماع تشتمل على 12 بنداً للتعاون الثنائي بين صنعاء والرياض، من خلال مجلس التنسيق الأعلى، فيما سيتم توقيع خمسة اتفاقات تمويل سعودي لمشاريع تنموية لمصلحة المناطق اليمنية المختلفة، إضافة إلى توقيع"بروتوكولين": مذكرة أو محضر خاص بتبادل وثائق التصديق على اتفاق التعاون الجمركي، وتفاهم بين البلدين للتعاون في مجال الشؤون الاجتماعية. وعلمت"الحياة"من المسؤولين اليمنيين، أن مجلس التنسيق سيشهد في بدايته خطوة قانونية رمزية، يتبادل بموجبهما البلدان الوثائق النهائية لخرائط ترسيم الحدود المشتركة في نسختها النهائية، طبقاً لمعاهدة جدة الموقعة في عام 2000. بيد أن الملف الحدودي سينتزع حصته من اجتماعات مجلس التنسيق، بغرض ضبط كميات التهريب الهائلة للأسلحة والمتفجرات والمخدرات وغيرها من الممنوعات، إضافة إلى آلاف المتسللين وعصابات التهريب بمختلف طرقها ووسائلها، التي أغرقت الجانب السعودي بالمحرمات، خصوصاً في مجال التأثير الأمني. في هذه الأثناء، وجه الرئيس اليمني رقاع الدعوة لحضور مأدبة عشاء رسمية تكريماً للأمير سلطان مساء أمس، وكانا التقيا في هونغ كونغ قبل أكثر من شهرين على هامش زيارتهما لها. ويشهد اليوم الثاني من الزيارة الجمعة لقاءً ثنائياً آخر بين ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء اليمني، فيما تعقد الجلسة الختامية للدورة ال 17 لمجلس التنسيق في القصر الجمهوري، حيث تجرى مراسم توقيع الاتفاقات الثنائية. ومن المنتظر أن يضع الأمير سلطان بن عبدالعزيز مساء اليوم حجر الأساس للمستشفى الجامعي التخصصي، خلال زيارته إلى جامعة حضرموت في مدينة المكلا. وفي وقت لاحق من مساء اليوم، يلتقي الأمير سلطان رجال الأعمال من البلدين في دارة عبدالله بقشان، حيث سيطلع على نتائج اجتماعاتهم على هامش انعقاد مجلس التنسيق، وهو الاجتماع الذي تمخض عن إعلان أربعة اتفاقات"مبدئية"لإنشاء منطقة تجارة حرة على الحدود بين البلدين، إضافة إلى إنشاء شركة قابضة، وتأسيس بنك مشترك، وتسهيلات أخرى لمصلحة رجال الأعمال اليمنيين. ويختتم الأمير سلطان نشاطه بحضور احتفال محافظة حضرموت بمقدمه إليها، من خلال أمسية من التراث الشعبي للبلدين، إضافة إلى"أوبريت"بعنوان"دروب الخير". واجتمع الأمير سلطان في مقر إقامته في المكلا أمس مع رئيس مجلس الوزراء اليمني عبدالقادر باجمال. وجرى خلال الاجتماع استعراض مستجدات الأحداث على الساحات العربية والإسلامية والدولية، خصوصاً الوضع في الأراضي العربية الفلسطينيةوالعراق، كما تم بحث آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في المجالات كافة. إلى ذلك، أقام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح حفلة عشاء تكريماً لولي العهد والوفد المرافق له في القصر الجمهوري في المكلا أمس. وفي وقت سابق من أمس، ترأس الأمير سلطان ورئيس مجلس الوزراء اليمني في المكلا مساء أمس، الجلسة الافتتاحية الرسمية للدورة ال17 لمجلس التنسيق السعودي - اليمني. وكان ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام، الأمير سلطان بن عبدالعزيز وصل إلى المكلا بعد ظهر أمس في زيارة لليمن تستغرق أياماً عدة، يترأس خلالها الجانب السعودي لمجلس التنسيق السعودي - اليمني في دورته ال17. وكان في استقبال ولي العهد، لدى وصوله مطار الريان في محافظة المكلا، رئيس مجلس الوزراء اليمني عبدالقادر باجمال، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رشاد العليمي، ووزير الخارجية والمغتربون الدكتور أبو بكر القربي، ووزير التخطيط والتعاون الدولي عبدالكريم الارحبي، ووزير الصناعة والتجارة الدكتور خالد راجح، ووزير الثروة السمكية المهندس محمود صغيري، ووزير المال الدكتور سيف العسلي، ووزير النفط والمعادن خالد بحاح، ووزير الشؤون القانونية عدنان الجفري، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى اليمن محمد القحطاني، وأعضاء السفارة ومحافظ محافظة حضرموت عبدالقادر علي هلال، وسفير اليمن لدى المملكة محمد الأحوال وجمع من المسؤولين من مدنيين وعسكريين في اليمن. ووصل في معية ولي العهد وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، والأمير فيصل بن سعود بن محمد، والأمين العام لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية الأمير فيصل بن سلطان بن عبدالعزيز، والوزير المفوض في وزارة الخارجية الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور مطلب بن عبدالله النفيسة، ووزير التجارة والصناعة الدكتور هاشم بن عبدالله يماني، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور مساعد بن محمد العيبان، ووزير المال الدكتور ابراهيم بن عبدالعزيز العساف، ووزير الزراعة الدكتور فهد بن عبدالرحمن بالغنيم، ووزير الشؤون الاجتماعية عبدالمحسن بن عبدالعزيز العكاس، والمستشار في الديوان الملكي القائم بأعمال اللجنة الخاصة بمجلس الوزراء محمد بن إبراهيم الحديثي، ونائب رئيس ديوان ولي العهد حمد بن عبدالعزيز السويلم، والسكرتير الخاص لولي العهد محمد بن سالم المري، والمدير العام للمراسم في ديوان ولي العهد عبدالله الغريري. الأمير سلطان : التوقيع على الخرائط النهائية للحدود ترجمة للإرادة السياسية للقيادتين قال ولي العهد الأمير سلطان في كلمة له:"إنه ليطيب لي أن أعرب باسمي ونيابة عن أعضاء الجانب السعودي عن بالغ تقديرنا وامتناننا لما لقيناه من حفاوة استقبال وكرم ضيافة منذ وصولنا لمدينة المكلا العزيزة على قلوبنا جميعاً، كما يطيب لي أن اشكر دولتكم على ما ابديتموه من مشاعر أخوية كريمة تجاه بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية، قيادة وشعباً... وانه لمن دواعي سروري أن أنقل تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الرئيس علي عبدالله صالح ولدولتكم والى شعب وحكومة اليمن". وأضاف الأمير سلطان مخاطباً رئيس الوزراء اليمني والجانب اليمني في الجلسة:"يأتي لقاؤنا هذا في الدورة ال17 لمجلس التنسيق السعودي - اليمني استمراراً لمسيرة الشراكة والخير والنماء التي يقودها خادم الحرمين الشريفين والرئيس علي عبدالله صالح لما فيه مصلحة البلدين والشعبين. وما يؤكد هذه المسيرة الخيرة ما توصلنا إليه، ولله الحمد، من إقرار للعديد من الاتفاقات في مختلف المجالات التنموية والسياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية". وقال:"ونحن على ثقة من أننا سنصل، بحول الله، في هذه الدورة إلى رؤى متطابقة حول المواضيع كافة التي سيتم بحثها، وستضيف هذه الدورة لبنات جديدة وراسخة، بإذن الله، في مسيرة البناء والتطوير... ويعد التوقيع في هذه الدورة على الخرائط النهائية للحدود بين البلدين ترجمة حقيقية للإرادة السياسية للقيادتين، والتي أرادت أن تكون معاهدة الحدود جسراً للتواصل وأنموذجاً للعلاقات الأخوية المميزة التي ستصونها بحول الله الأجيال المقبلة، وسنحرص عليها بقدر ما نحرص عليها اليوم. ومضى في القول:"انه ليسرني أن أنوه في هذا المجال إلى ما يبذله الأمير نايف بن عبدالعزيز والدكتور رشاد العليمي من جهود موفقة في إطار اتفاق التعاون الأمني المبرم بين البلدين، ونتطلع إلى المزيد من التعاون في مجال مكافحة آفة الإرهاب وآفة المخدرات، وكذلك في مجال تنظيم سلطات الحدود، وفي مجال توعية الشباب والحفاظ عليهم من الأفكار المنحرفة والهدامة التي ينبذها ديننا الإسلامي الحنيف". وقال:"إن الاتفاقات الأخرى التي سيتم التوقيع عليها في هذه الدورة تأتي امتداداً كذلك للتعاون الإنمائي والاقتصادي والاجتماعي بين البلدين، والذي نأمل أن يسهم بشكل كبير في دفع عجلة التنمية والتكامل بين اقتصاد البلدين، ويعزز الروابط المتينة بين الشعبين الشقيقين... وفي هذا الإطار فإنني أدعو القطاع الخاص في البلدين إلى بذل المزيد من الجهود لتحقيق التكامل المنشود وجعله حقيقة على أرض الواقع في مختلف المجالات". وقال الأمير سلطان مخاطباً رئيس الوزراء:"إن الأحداث المتسارعة والتحديات الكبيرة التي تواجه أمتنا العربية والإسلامية، وعلى وجه الخصوص ما يمر به إخواننا في فلسطينوالعراق، تتطلب منا جميعاً مضاعفة الجهود نحو توحيد الكلمة ولم الشمل وتجنب الانشقاق والانقسام والعمل على تغليب المصالح العليا لشعوبنا لتتمكن أمتنا من تحقيق ما تتطلع إليه من استعادة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وتحقيق الأمن والوحدة الوطنية والاستقرار في العراق". ..."وفي الختام أود أن اكرر شكرنا وتقديرنا للرئيس ولكم ولجميع الأخوة المسؤولين على ما قوبلنا به من حفاوة بالغة وكرم ضيافة. وأدعو المولى عز وجل أن يوفقنا جميعا لما فيه خير بلدينا وشعبينا الشقيقين وأمتنا العربية والإسلامية". باجمال : العلاقات بين البلدين "مدماك" للاستقرار السياسي قال رئيس الوزراء اليمني في كلمة رحب فيها بالأمير سلطان والوفد المرافق له، وقال:"إن الاجتماع السنوي لمجلس التنسيق اليمني - السعودي يمثل بُعداً جديداً للعلاقات الوثيقة بين دولتينا وشعبينا تحت رعاية الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود". وأضاف مخاطباً الأمير سلطان:"أود أن أعبر لشخصكم الكريم عن عميق مشاعري وخالص مودتي لما تقومون به من جهد مشكور لتطوير العلاقات الأخوية بين الشعبين والدولتين اليمنية والسعودية... وأن ذلك جزء من تاريخكم الشخصي، الذي يمثل توجهات حقيقية وصادقة لحكومة خادم الحرمين الشريفين للارتقاء بالعلاقات الثنائية من مستوى الجوار إلى مستوى الشراكة". وقال:"لقد أضحت معاهدة جدة التاريخية لتسوية قضية الحدود منطلقاً تاريخياً في علاقات بلدينا وشعبينا... فأدركنا من خلالها أن صيغة العلاقات اليمنية - السعودية ينبغي أن تشكل مصيراً مشتركاً، في إطار مفهوم جديد للتكامل في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية". وأضاف:"إن جميع اليمنيين يدركون صلاتهم الاجتماعية والثقافية والتاريخية بإخوانهم في المملكة العربية السعودية... ولذلك فليس جديداً أن يجري الحديث عن العلاقة الخاصة بين بلدينا وشعبينا، وعلى وجه الخصوص دور المملكة العربية السعودية في تحقيق الاندماج الاقتصادي والثقافي بينها والجمهورية اليمنية، وكذا بين اليمن ومجلس التعاون الخليجي". ومضى في القول:"لقد أثبتت الوحدة اليمنية بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح أنها المدماك الأساسي للاستقرار السياسي والأمني في منطقة الجزيرة العربية، وأنها عنصر استراتيجي جديد للتوازن اللازم بين جملة المصالح العامة لشعوب المنطقة... وعليه فإن صلابة الوضع اليمني في جميع النواحي يعتبر ظهراً قوياً للمنظومة الإقليمية، التي ينبغي أن نشترك في بنيانها بقوة واقتدار جميعنا". وقال:"إن المواضيع والأجندة المطروحة في جدول أعمال دورتنا هذه ستتخذ طريقها للتنفيذ من دون شك، بفعل شعورنا واتفاقنا جميعاً على أنها تمثل حصيلة العمل المشترك في المجال التنموي والأمني والسياسي". وخاطب رئيس مجلس الوزراء اليمني الأمير سلطان قائلاً:"أعبر لكم عن الرغبة في طرح قضايا ذات أهمية في البناء الاقتصادي والتنموي والاجتماعي اليمني... فنحن نشعر بأن شراكتنا مع المملكة العربية السعودية في تنفيذنا لتلك المشاريع ذات الأهمية الاستراتيجية مهمة، وخصوصاً مشاريع قطاع الطرق، واعني بصورة رئيسية طريق عمران - عدن وقطاع الطاقة الكهربائية الغازية وقطاع التعليم والصحة وقطاعات البنية الأساسية الأخرى، كالموانئ والمطارات والمياه". وقال:"إن اجتماعنا برجال الأعمال السعوديين واليمنيين في هذه المدينة سيمثل من دون شك نقلة نوعية في علاقات البلدين والشعبين... وأؤكد أن الأجواء والفرص الاستثمارية في اليمن ستتاح بكل قوة لتحقيق الشراكة الحقيقية لجميع المستثمرين وبامتياز أفضل لتقوية أواصر هذه الشراكة، حتى تصبح جزءاً من عملية التكامل اللامحدود في جميع المجالات". وقال مخاطباً الحضور:"إذا كانت اليمن تمثل مخزن التاريخ العظيم في الجزيرة العربية... فإن هذا التاريخ من دون شك هو عنصر مشترك اليوم بين اليمن والسعودية، وكذا مع الإخوة في دول مجلس التعاون الخليجي... ولذا فإننا نؤمن إيماناً مطلقاً بأن عبقرية التجديد لهذا التاريخ المشترك تتمثل في جعل حاضرنا اليوم صورة متألقة من ذلك المجد التاريخي العظيم للجزيرة العربية، الذي مثلته الأقوام والقبائل والعشائر والمجتمعات الإنسانية في مضمار علاقاتها التاريخية اقتصاداً وسلاماً وأمناً، قال تعالى: ربِ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات.