"أبي رأيت دباً كبيراً يدخل إلى المطبخ"،"ورأيت نسراً كبيراً على سيارتك"،"والذي أكل الطعام في الثلاجة فأر كبير بحجم القط"، هذه الأحاديث أثارت قلق إبراهيم شاكر، وسمعها كثيراً من ابنه ذي الأعوام الخمسة، وتطور قلقه إلى درجة اعتقاده أن"ابنه مصاب بمس أو هلوسة"، وخاف عليه من إصابته مرض نفسي. ولم يقف شاكر مكتوف اليدين بل توجه إلى طبيب نفسي مختص، يشرح له معاناة ابنه"الكذّاب الصغير"كما يسميه. ولكن تشخيص الطبيب أذهل الوالد وأحاطه بكم هائل من علامات التعجب والاستغراب والغضب، حين شُخصت حالة ابنه الصغير، ويقول:"أخبرني الطبيب أن الكذب في سن ابنه يعد أمراً طبيعياً وهو من الخيال ويظهر مدى خصوبة الطفل، وهو من اختلاط الخيال بالواقع وهو أمر طبيعي". إلا أن شاكر رأى في رأي الطبيب أنه"بعيد تماماً عن التعاليم الإسلامية والقيم الأخلاقية والسلوكية في التربية"، واعتبر هذا التشخيص"غير دقيق ومحفزاً لزيادة الكذب في نفوس الأطفال"وجادل كثيراً، إلا أن الطبيب قال له إن"الكذب عند الأطفال في هذه السن يحمل أنواعاً عدة، منها الكذب من أجل الامتلاك، وهو في هذه الحالة يستعمل الكذب للحصول على بعض الأشياء والاستجابة الأولى عند الكذبة الأولى، تحفزه أكثر لاختيار الطريق الأقصر للوصول إلى الامتلاك". وأضاف"هناك أنواع أخرى منها الكذب الالتباسي، كأن يخلط بين الواقع والخيال، والكذب الادعائي وهو أن يدعي شيئاً لديه لشعوره بالنقص، وهناك الكذب الانتقامي كأن ينسب التهمة إلى آخر ليبعدها عنه، أما ابنك فيحتمل إصابته بالكذب التقليدي الذي يحدث نتيجة تلقيه الكذب من طريق من يحيطون به". ويذكر شاكر أنه ومن دون قصد كان يطلب من ابنه أن يجيب عن من يسأل عنه ويلقنه أن يقول له"اذهب وقل له إنني لست موجوداً"، فيطيع الطفل ويكررها أكثر من مرة، ما جعله يعتاد عليها، ليصاب الوالد بالإحباط بعد اكتشافه أنه السبب في مرض ابنه، بحسب وصفه. إلا أن الطبيب أخبره أن العلاج ممكن مع مرور الزمن وأن الكذب لدى الأطفال لا يتعدى كونه تحقيقاً لأحلام مخزونة في ذاكرتهم الحالمة الخيالية،"ويجب أن يتعامل معه في صورة طبيعية على أن يجنبه سماع الكذب واستعماله ما أمكنه ذلك". وينقل أحد المعلمين في مدرسة ابتدائية أنه سأل الطلاب سؤالاً غريباً"من منكم رأى فيلاً وردياً؟"، فوقف طالب في الصف الأول الابتدائي وأجاب"أنا يا أستاذ"، فتعجب وسأله"أين يا بني؟"، قال له"أحضره والدي معه من المزرعة لنربيه في البيت". هذه الإجابة التي أعجبت وأرضت الطلاب الذين هزوا رؤوسهم مؤكدين تصديقهم للخبر، شجعت المعلم على التقصي والبحث عن شخصية هذا الطفل، وبعد السؤال والتقصي أُخبر بأن والد التلميذ من أكثر الناس كذباً وتفاخراً بفكاهة الكذب المعروفة محلياً، وهي طريقة للضحك الممزوجة بشيء من الجدية على أن تتعدى حدود المعقول. ويروى عن والد هذا الطفل أنه قال:"جئت ذات يومٍ من دولة الإمارات وأنا أحمل صناديق البيض في شاحنتي ومن دون أن أدري غفوتُ، فانقلبت الشاحنة بي 17 مرة وأصبت بخدوش بسيطة ولم تصب ولا بيضة بسوء". وورث ابنه هذه الصفة منه، ما دفع المعلم إلى إحضار الوالد ومجابهته بالمشكلة التي يعيشها ابنه ومستقبله، وحين علم الوالد بالمشكلة احتج وصرخ في وجه المعلم والمرشد الطلابي قائلاً لهما:"أنا متزوج من ثلاث نساء وعندي 27 طفلاً، ولم أرزق بطفلٍ كذاب أبداً وما تقولونه اتهام صريح ستعاقبون عليه". ولمعرفة المرشد الطلابي بتاريخ الأب، ضحك ضحكة عالية فاجأت المعلم وأثارت استغراب الوالد، الذي تساءل عن سبب هذه الضحكة الجامحة، ولم يكن من المرشد الطلابي إلا أن قال:"أنت تمارس هوايتك في مكتبي فأنت متزوج من زوجة واحدة أنجبت لك سبعة أبناء فقط، فمن أين لك هذا العدد من الزوجات والأطفال؟". هذه الإجابة أحرجت الأب، الذي أوعز ما قاله إلى باب المداعبة والمزاح، إلا أن المعلم اقترح عليه العلاج النفسي ما أثاره وأسنده إلى باب"الاتهام بالجنون". وينصح أطباء نفسيون أن"يتعامل الآباء مع ظاهرة الكذب عند الأطفال بشيء من الحذر، لكي لا يحدث خلط بين الكذب والخيال والإبداع، ما يصيب الطفل بعقد نفسية وإحباط يجعله غير مبدعٍ ولا مبتكر ولا مفكر". ويجنح بعض الآباء إلى المعاقبة القاسية للطفل بعد سماعهم كذبة نطق بها، تحت مبدأ أن يمتنع إلى الأبد ويتربى على عدم الكذب وهذا أمر بحسب رأي الطب النفسي خاطئ"لأنه سيسبب انعكاساً نفسياً حاداً، ويخلق لدى الطفل الرهبة من القيم والمبادئ التربوية، ولذا يجب نقل الصورة الإيجابية والإرشادية في صورة علمية متقنة".