شدد باحثان في الشؤون الاسلامية، على أن «مفهوم التسامح ارتبط على المستوى الغربي بالمسألة الدينية»، موضحين أن «حروباً دينية سادت في المجتمعات الغربية، وأتت على الحرث والنسل، ولم تستطع النخب الغربية تجاوز الإشكالات ذات الطابع الديني، إلا بالاتصال بمفهوم التسامح». وشارك الباحث الإسلامي محمد محفوظ، في ندوة، مع الأكاديمي في كلية الشريعة في الأحساء الدكتور محمد الهرفي، بعنوان: «كيف نصل إلى التسامح والانفتاح»، استقطبت جمهوراً واسعاً في ملتقى «الانفتاح والتسامح» الذي يرعاه عضو المجلس البلدي في الأحساء حجي النجيدي. وقال محفوظ: «إن الفيلسوف الغربي جون لوك، اعتبر أن التسامح هو الحل العقلاني لظاهرة الصراعات والحروب الدينية التي سادت في المجتمع الغربي آنذاك». وأشار إلى أن ظاهرة الحروب والصراعات الدينية «عولجت في المجتمعات الغربية بتعزيز وتأصيل وتأسيس مفهوم التسامح، لذلك فإن مفهوم التسامح في الغرب بدأ في سياق معالجة ظاهرة الحروب الدينية، وبعد عملية التطور الفكري والسياسي التي شهدتها المجتمعات الغربية أضحى مفهوم التسامح مكوناً أساسياً للنظرية الليبرالية التي سادت في المجتمعات الغربية، وقد بدأت دينياً وعبر التراكم التاريخي والتطور الفكري والمجتمعي في التجربة التاريخية الغربية أصبح مفهوم التسامح جزءاً من منظومة قيمية كبرى». وتحدث محفوظ، عن مفهوم التسامح في الدائرة العربية والإسلامية، وقال: «لم أجد مفردة التسامح في النصوص الإسلامية، ولكن توجد مفردة السماحة، ولدينا مفردات في التراث العربي والإسلامي منها «التيسير» و «المداراة» و«العفو»، و«الإحسان» و«حسن الظن» و«اليسر»، وهي مفردات تشترك مع مفهوم التسامح في المضمون، ولكنها تختلف معه في التركيب اللغوي، وفي البناء اللفظي». وقال: «حين المزج بين الرؤية الغربية، والتي بلورها العرب والمسلمون حول مفهوم التسامح، نصل إلى أن التسامح على الصعيد العملي هي عبارة عن التوليف بين القبول والرفض، وأنا ضد فلان لاعتبار ديني واجتماعي وسياسي، لكنني أقبله»، مضيفاً: «التعريف الدقيق أن مفهوم التسامح يعني مساواة الآخر بالذات، سواءً كان الآخر فرداً أم مجموعة». وتحدث محفوظ في الجزء الثاني من محاضرته، عن الجذور المعرفية للتسامح. وقال: «إن الدين الإسلامي شرع وثبت حقوق شخصية للناس، مع وجود حقوق للأمة في شكل عام، وحث المؤمنين على ضرورة الالتزام والعناية في الحقوق الشخصية للإنسان، كحق الحياة وعدم التفريط، ونحن كبشر نسبيون وخطاؤون، وخاضعون لظروف زماننا ومكاننا، وبالتالي لا يمكن أن نتعامل مع قناعاتنا الشخصية بوصفها جزمية ومطلقة ونهائية، ولا نتعامل بها على أنها مقدسات لا تتغير»، موضحاً «كلنا ندعي الوصل بهذه المفاهيم، وكلنا ندعي أيضاً التسامح والعدل والاقتراب والاقتران بالفضائل الأخلاقية والمفاهيم الإسلامية الكبرى، ولكن من حقنا أن نقف قليلاً لنفكر في ضرورة تحديد مؤشرات ومحددات من خلالها نستطيع أن نقارن بين ادعاء شخص وآخر»، مضيفاً «من المؤشرات القبول بحقيقة التعددية والتنوع، وصيانة حقوق الإنسان، والانفتاح والتواصل مع الثقافات الأخرى الإنسانية، لأنه مع وجود الانغلاق يصبح لا وجود للانفتاح». بدوره، أكد الدكتور الهرفي، أنه منذ ربع قرن كان ينادي بموضوع التسامح، ويشدد على ضرورة تفعيله، و «لكننا لا نجد على أرض الواقع مثل هذه المفردة، ومع ذلك لم يولد فينا الإحباط، لأننا لا نيأس من روح الله، لذلك سنعمل ونعمل، وإذا لم نجن فوائد هذا السعي فربما سيجنيه أبناؤنا في المستقبل». وقال: «بني ديننا على أساس التسامح، وهو جزء من الأركان الخمسة، فالله تعالى يعفي من لا يستطيع أن يحج، وكذلك في الصلاة أيضاً، وفي يوم القيامة سيعفو الله عن بعض المذنبين، فلماذا لا نقتدي بالخالق، لذا يجب أن يسود التسامح في ما بيننا كعنوان رئيسي لعلاقاتنا الإنسانية»، مضيفاً: «قضية المحبة أكبر من التسامح، وديننا قام عليها، وسبب الخلاف الحاصل هو عدم فهمنا لبعضنا، وأدعو إلى التواصل والفهم المشترك المبني على حسن الثقة».