أعلم يقيناً أن هيئة سوق المال هي جهة تشريعية وتنفيذية وقضائية في الوقت ذاته، وأنا لا أدعو هنا للفصل بين السلطات الثلاث، فهذا ليس مجالها، ولست من المتشدقين بالمصطلحات على حساب الواقع المنظور، ومن باب إعطاء الحق لأهله، أقول إن الهيئة على رغم عمرها القصير مقارنة بعمر السوق لدينا، فإنها بدأت بخطوات تشكر عليها، وحرصت على طمأنة السوق غير مرة، وحمت السوق ومن فيها من زلازل مدمرة، وجنبتها هزات كادت أن تلحق بالناس أكبر الضرر. لكنني أؤكد أن الهيئة تفتقد فن التعامل مع 4 ملايين مساهم، أو بعبارة أخرى، لا تجيد فن العلاقات العامة أو التسويق أو مراعاة مصالح صغار المساهمين، أو الاستفادة من الدروس المتكررة والهزات التي ساهمت فيها، ما استدعى تدخل أعلى السلطات لتدارك أخطائها، وإنقاذ المواطنين، الهيئة - بقول أدق - تبني معاملاتها الإعلامية والتوضيحية مع المساهمين والمضاربين من باب خذوه فغلوه، من دون النظر إلى مشاعر أناس ليس لهم ناقة ولا بعير في مسألة التلاعب... جاء قرار الهيئة ومعه نزل المؤشر، حتى ان أحدهم قال في إحدى صالات الأسهم:"الهيئة لا تفرح بظهور اللون الأخضر، وهي تعمل على إعادته إلى الأحمر عند كل انتعاش يلحظه الناس". هذا الكلام البسيط على رغم أنه يعبر عن مشاعر مساهم واحد، إلا أنه بسبب الأساليب التي تنتهجها الهيئة في بياناتها، تدعو الكثير من أمثال هذا المساهم إلى التعبير وفق هذه المعطيات. وقرار الهيئة الأخير بإيقاف مضاربين يدخل في هذا الإطار، إذ أوضحت الهيئة في بيانها أنهم مارسوا البيع غير المشروع، وأنا أشدد على هذا الإجراء الرادع، لكنني أتساءل: ما ذنب المساهمين أو المضاربين في أسهم الشركات التي كانوا يضاربون فيها، وأي ذنب اقترفته هذه الشركات ليتم الإعلان عن أسمائها؟! ولماذا لم يتم إعلان اسم المضارب بحسب الأنظمة؟ وهل ذلك مراعاة لعدم إحراجه؟ ولماذا لم يراع الملايين الذين تضرروا من"الأحمر"الذي بدا طاغياً صباح أمس؟ وهنا أتذكر المثل الشعبي"الشر يعم والخير يخص"، كان الأحرى بالهيئة أن تفرد المتلاعبين بقرار العقوبة فقط، وأن تضاعف العقوبة، وتجنب بقية المساهمين تبعات الإيقاف، لا أن توزع أي غرامة على مضارب متلاعب على بقية مساهمي الشركة نفسها لكي لا يظلموا بذنب غيرهم، وهذا ما يطبق في إحدى الدول الشقيقة ويؤتي ثماره، وبالتالي، ينال المتلاعب جزاءه... والذي لا ذنب له لا يتضرر. هذا الإجراء سيقطع مستقبلاً كل أنواع التحايل، وبالتالي يبقي السوق محافظة على أدائها، ولا تشهد نزولا كالذي يحدث في سوقنا المالية عند صدور مثل هذا القرار. ويبقى سؤال أخير: هل تستفيد الهيئة من الدروس، وتواكب تطور السوق المالية؟ هذا ما يتمناه الجميع. [email protected]