عندما رفض عدد من رسامين الكاريكاتير المحترفين رسم كاريكاتير لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم ? في كتاب جديد خوفاً من ملاقاة مصير المخرج الهولندي الذي قُتل بعد انتقاده لتعاليم إسلامية، دعا المحرر الثقافي"فلمنج روز"في أيلول سبتمبر 2005 في الجريدة الدنماركية"جيلاند بوستن" 40 رسام كاريكاتير محترفاً لتنفيذ الرسوم، وذلك لتشجيع القراء على تداول الموضوع ولاختبار مدى شجاعتهم في التعبير عن رأيهم. حصل فلمنج على 15 رسماً كاريكاتيرياً للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يتصوره قراء الجريدة المشاركين، تم اختيار ونشر 12 رسماً منها، كان أكثرها إثارة للاستنكار رسماً يصور الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تعمم بقنبلة، وآخر يصوره مع سيدتين متوشحات بالسواد لا يظهر منهن سوى أعينهن، وأبرزت الرسوم المنشورة رؤية الرسامين الدنماركيين للإسلام والمسلمين، ممثلة في الرسول الكريم كرمز لهم. رد الفعل الأول كان من إمام دنماركي مسلم حاول أن يطالب مع مجموعة من المسلمين الدنماركيين الجريدة بالاعتذار قبل أن يقابل بالرفض، ما صعد رد الفعل إلى مستوى الحكومات، إذ قوبل بالرفض أيضاً طلب مجموعة من السفراء المسلمين مقابلة رئيس الوزراء الدنماركي، ثم تم نقل الحدث بواسطة الإمام نفسه إلى الحكومات والصحف العربية، وتصاعدت الأحداث بعدها بمشاركة جماهير العالم الإسلامي وأئمته وبعض من قادته. لم يتقبل العالم الإسلامي أن يرى رسوله مجسداً في رسوم كاريكاتيرية عدا عن تصويره في هيئة لا توحي بحقيقة رسالته، وتراوحت ردود أفعال العالم الإسلامي بين المظاهرات الدامية أحياناً والحرائق كما في السفارات الدنماركية والنرويجية في دمشق وبيروت وبين بيانات الاستنكار والتنديد إلى التهديدات بالقتل لمحرر الجريدة والدعوات لمقاطعة المنتجات الدنماركية وقطع التمثيل الديبلوماسي مع الدنمارك والذي تم بالفعل في عدد من الدول العربية وغيرها من ردود الأفعال. وبعد أن أدركت الجريدة والمسؤولون حجم الإساءة التي سببتها الرسوم للعالم الإسلامي، تم الاعتذار رسمياً - بعد تأخير - للمسلمين عن أي إساءة لحقتهم، كما تمت إقالة فلمنج روز من عمله في الجريدة، ولكن في الوقت نفسه تم التأكيد من الجريدة ومن المسؤولين الدنماركيين معاً على أن الاعتذار هو عن الإساءة للمسلمين وليس عن نشر الرسوم بحد ذاته، والذي هو حق مكفول بموجب قانون حرية التعبير المعمول به في الدنمارك. وتضامناً مع الجريدة ومع مبدأ حرية التعبير قامت صحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر الرسوم. الآن في المجتمع الغربي فقد الدين دوره الروحي ومكانته المقدسة وأصبح فصلاً ضمن مناهج الفلسفة التي يتم تدريسها في الجامعات ويندر أن يمارسها أحد، بينما أصبح الخطاب الحر والتعبير عن الرأي - حتى حد السخرية أحياناً من الرموز السياسية كالملكة مثلاً ناهيك عن الرموز الدينية- رمزاً للفكر الغربي الحديث، وأصبح ما يؤمن به الغرب هو أن لا يكون هناك أي مبدأ أو أي فرد فوق المساءلة أو النقد، وأن الرد المقبول للنقد بأشكاله هو النقاش المنطقي وتفهم الاختلاف في وجهات النظر. وفي هذا السياق، يرى الكاتب أندرو سوليفان في مقال منشور في جريدة"تايم"أن الغرب غير مجبر على أن يحمل نفس الإيمان والتقديس والاقتناع بالرموز والممارسات الدينية المخالفة لمعتقداته، وأن نقد الرموز الدينية وما تمثله من أفكار لا يمثل إساءة في حق المسلمين إذا تم التعبير عنه من غير المسلمين، وكشاهد على رأيه يدلل بأن المسلمين يقومون بالفعل نفسه وينتقدون من يخالفوهم كاليهود مثلاً، ويصورونهم في رسوم كاريكاتيرية مسيئة في الإعلام العربي، كما أن أفراداً من المسلمين قد قاموا بتفجير برج التجارة العالمي، ما أدى لمقتل الآلاف، وعلى رغم ذلك لم يقم أحد في الغرب بمعاقبة الدول الإسلامية المعنية، بينما لم يتحمل المسلمين النقد وقاموا بمعاقبة الدنمارك كدولة ديبلوماسياً واقتصادياً عقاباً على ما فعله عدد محدود من الأفراد الدنماركيين. يتهمنا الغرب الآن وإعلامه بعدم تحمل الرأي الآخر أو النقد، وبأن الرسم الكاريكاتيري الموحي بالعنف هو بالفعل ما أثبتته عنف ردود الأفعال العربية والإسلامية... وبعيداً من الجدل الدائر، لا يوجد هناك أي سبب للسخرية من الأديان أو رموزها، سواء لدى المسلمين أو غيرهم. أما ما حدث من ردود أفعال وتهديدات عنيفة فيمكن إعادتها لظروف الظلم والاستغلال التي تعرضت لها وما زالت شعوبنا الإسلامية، وأيضاً لتجاهل المسؤولين في الدنمارك محاولات المسلمين في البداية للحوار السلمي وعرض وجهات النظر، ولكن تبرز أزمة الرسوم - و التي لا يوجد أي سبب للاعتقاد بأنها لن تتكرر في المستقبل ? حاجتنا إلى نقد أنفسنا وتأمل الصورة التي يرانا بها العالم، فلا يوجد مبرر للاعتقاد بأن مواطنين من الدنمارك قد يحاولون الإساءة لنا عمداً، ويبدو الاحتمال الأقرب للتصديق في هذه الواقعة هو مدى جهل الغرب بالإسلام رسالة ونبياً ومكانة عند المسلمين، وتعاملهم مع هذا الأمر بسطحية واستخفاف مبالغ فيها، فهل هناك خلل ما في تصور العالم لنا وللرسالة الإسلامية؟ وهل أسهمنا ولو تحت أي مبرر في خلق صورة خاطئة أو تشجيع تصور سيئ للغرب عنا كمسلمين؟ وماذا نستطيع أن نفعل لرد اعتبار الإسلام الآن في أعيننا أولاً قبل عيون الآخرين؟ كيف نحقق قيم السلام و احترام كرامة وحقوق الإنسان رجلاً أو امرأة مسلماً أو غير مسلم كما كفلها الإسلام حتى يراها فينا الغرب كواقع يتم ممارسته، وليس فقط نصوصاً مكتوبة وغير ظاهرة في حياتنا وتعاملاتنا؟ وأخيراً هل يعرفنا الغرب، وهل نعرفه قبل أن نبدأ بإطلاق الأحكام على بعضنا، أم أننا أقمنا حولنا سدود الحماية خوفاً من الغزو الفكري حتى غبنا وغاب عنا الآخرون؟ وإذا كانت هناك أي رسالة في الرسوم المنشورة فهي ليست فقط مقدار جهل الغرب وأفراده بنا كثقافة ودين ولكن أيضاً مقدار جهلنا بالغرب وطرق التواصل معه، نعم للمظاهرات السلمية و الحوار الإعلامي البناء، نعم لإيصال صوتك لمن خالفك وتوضيح وجهة نظرك ورفضك لكل ما يسيء لك، ولا للغة العنف والتهديد كوسيلة للرد. * كاتبة سعودية