يعود تاريخ الفكر التكفيري في السعودية إلى عام 1926، وغلب علىه هذه المرة التناقض في الطرح، ويمكن وصفه بالتيارات الكفرية المتباينة في الأهداف والطرح. واستطاعت الحكومة السعودية احتواء بعض تلك الأسماء وتصحيح مفاهيمها المشوشة نحو العلاقة مع الآخر، خصوصاً الولاياتالمتحدة الأميركية. نتج من تلك التيارات المتجاذبة الانفجار في مدينة الخبر عام 1996. كان يستهدف مجمع الإسكان الذي تسكنه القوات العسكرية الأميركية، وكان عدد القتلى 19 أميركياً والجرحى 386 مصاباً. سبق ذلك تفجير مقر البعثة الأميركية لتدريب الحرس الوطني في حي العليا في مدينة الرياض عام 1995. ثم توالت الأحداث من فترة لأخرى وأصبح أسلوب العنف والإرهاب اسلوباً لمعتنقي الفكر التكفيري، فتارة يستهدفون مبنى حكومياً وتارة أخرى يستهدفون مجمع إسكان وتارة مصفاة للنفط ضمن تنظيم الخلايا النشطة والنائمة والموجودة في الأحياء السكنية. توالت انتصارات الأمن السعودي في عام 2003 في عملية حي الخالدية في مكةالمكرمة، وفي منطقة صوير في الجوف، وفي بلدة غضي بالقصيم، وفي شقة سكنية في مستشفى الملك فهد في جازان، وفي عام 2004 في حي الفيحاء شرق الرياض وفي حي الصفا في مدينة جدة وفي إحدى الاستراحات في مدينة بريدة، وفي عام 2005 في محافظة الزلفي، وفي مدينة الرس في منطقة القصيم، وفي مكةالمكرمة، وفي المدينةالمنورة، وفي حي المباركية في مدينة الدمام، وفي عام 2006 في إحدى الاستراحات بحي اليرموك في مدينة الرياض... كان حصيلة القتلى من فئة التكفير والضلال في جمع هذه العمليات 74 قتيلاً وعشر معتقلين. وقامت الحكومة السعودية بتطوير أسلوبها في مكافحة أرباب الفكر التكفيري عن طريق المواجهة المسلحة والقضاء على رموزها واحتواء من يرغب في تصحيح مفاهيمه الفكرية، والحوار عبر إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وتشكيل لجنة المناصحة في وزارة الداخلية، إضافة إلى النوعية الإعلامية. وكما هو ملاحظ حقق الأمن السعودي نجاحات جيدة في التصدي لهذا الفكر الذي حظي بهزائم متتالية على الصعيد الميداني منذ عام 1926 وحتى عام 2006 في وقتنا الحاضر. وفي نظري، أهم أسباب هزائم هذا الفكر هو تمسكه بالفكر التقليدي لأطروحات التكفير واستخدامه لوسيلة العنف والإرهاب في الوصول إلى أهدافه. ولا أعلم متى يقتنع أرباب هذا الفكر بضرورة اتباع النهج الاستيعابي مع المجتمع ومع السلطة. وفي ظني لا يزال المجتمع السعودي بعيداً من مشاركة الدولة في مكافحة أتباع الفكر التكفيري، فالمطلوب من المجتمع المزيد من التعاون في هذا المجال، من جميع أفراد المجتمع متمثلاً في رب الأسرة وفي المعلم في مدرسته وبين طلابه. وربما يكون من المناسب تبني مشروع وطني يدخل المجتمع يداً بيد مع الدولة في الحفاظ على مكتسبات الوطن. ويفضل التركيز هنا على قطاع التعليم. وأذكر أن هناك مشروعاً تمت دراسته بين وزارة التربية والتعليم ولجنة المناصحة في وزارة الداخلية، بحيث يكون في المدارس والمعاهد والجامعات والكليات فصول مخصصة للعناية بمن يكتشف أن لهم ميولاً وتوجهات نحو الفكر التكفيري. ليتم تصحيح مفاهيمهم قبل أن تتلقفهم خلايا أتباع الفكر الضال. لا أعلم سبب التأخير في تنفيذ ذلك المشروع. أعتقد أن الوطن في حاجة إلى تنفيذه وتقويم نتائجه في الثلاث سنوات المقبلة، خصوصاً في ظل حقيقة الفئة العمرية لمعظم أتباع هذا الفكر. إذ أنه تتراوح أعمارهم بين 20-35 سنة. وكذلك هناك حاجة وضرورة إلى تغيير آلية عمل لجنة المناصحة، لأنه اتضح بأن من يفرج عنه من أتباع هذا الفكر يعود مرة أخرى إلى حضن الخلايا النائمة، ويشارك في تنفيذ العمليات الإرهابية ضد مكتسبات الوطن. كما تكرر استخدام أرباب الفكر الضال للاستراحات كمقر للتجمع والتصنيع والإخفاء، ومن الضروري وضع هذه الاستراحات تحت إشراف نظام رقابي صارم مشابه للنظام المستخدم في الفنادق أو الشقق المفروشة. ولفت نظري تصريح صاحب مكتب العقار الذي أجر استراحة اليرموك على الإرهابيين، حينما قال:"الإرهابي لا يحمل ختماً على جبينه". أقول هذا يدخل ضمن مشاركة المجتمع الدولة في مكافحة الإرهاب الذي أشرت إليه سابقاً. والواجب الوطني يستشعره كل مواطن صالح في هذا الوطن، عندما يقوم صاحب مكتب العقار بمتابعة العقار المؤجر سيتبين له سلوك الإرهابيين المريب والمتوجس. ولو كان صاحب مكتب العقار لديه هذا الحس الأمني لكان مشاركاً وداعماً لجهود الدولة في مكافحة الإرهاب، بدلاً من التعامل مع مستأجر الاستراحة بثقة مطلقة فيها جانب من الإهمال نحو واجب الوطن. لذلك نحن والدولة في خندق واحد. ويحتاج الوطن أن نكون أكثر يقظة وأكثر تعاوناً مع الجهات الأمنية في ظروف تختلف عن الظروف السابقة وفي زمن يتطلب الحيطة والحذر.فهل يرتفع الحس الأمني لدى أفراد المجتمع السعودي بقدر التضحيات التي يقدمها رجال الأمن؟ * باحث سعودي في"الجيوبولتيك". [email protected]