اعتبر أحد المهتمين بدراسة مقاصد الشريعة الإسلامية الداعية السعودي السيد عبدالله فدعق أن الظروف والمتغيرات الدولية الراهنة جعلت آراء بعض فقهاء المسلمين الماضية تحتاج إلى إعادة النظر. ومع إقرار بأن العلماء المسلمين خلفوا ثروة فقهية يعتز بها سلفهم إلا أنه لفت إلى ملاحظة أن أولئك العلماء"بنوا بعض آرائهم على عرف تغير ومصالح تبدلت، فهناك ? مثلاً - معاملات تجارية لم تكن مألوفة أو معروفة، وتحتاج لحلول فقهية نستقيها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم". وفدعق يشير إلى ذلك تمهيداً إلى القول بأن"الرجوع إلى فقه مقاصد الشريعة الإسلامية واحد من أهم الآليات الكفيلة بإنقاذ الفقه من الجمود الذي يعتريه، وإحداث ثورة من التطوير والتجديد فيه". ويرى أن بنيان الفقه الإسلامي الذي تتعدد مدارسه أيضاً يجعل العودة إلى فقه المقاصد أمراً حتمياً إذا ما أريد إحداث التجديد الذي يجري الحديث عنه"فالفقه الاسلامي ينقسم إلى مذاهب مختلفة، وللفقهاء من كل مذهب طرائقهم في الاجتهاد والاستنباط، وهناك أهل الرأي وأهل الحديث، ولقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا الطريقتين في الاجتهاد، وحديث لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة، يعتبر خير مثال يوضح الفرق بين من تمسك بحرفية النص، وبين من تفهم القصد". وحول موقع المقاصد في السياسة والفقه في التاريخ الإسلامي، يعيد فدعق ذلك إلى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي وسمه ب"عميد الفقه المقاصدي"والذي تلقاه وتوارثه عنه ? كما يقول السيد عبدالله ?"فقهاء المدينة السبعة، ومنهم إلى تلاميذهم، ثم إلى الإمام مالك، ولهذا اشتهر المذهب المالكي بتمسكه بالمقاصد". أما أولئك الذين كسبوا السبق في إطلاق"المقاصد"كمصطلح مستجد فكان أولهم"الإمام الحكيم الترمذي ثم تبعه الإمام الماتريدي، ثم الإمام القفال الشافعي الذي تلاه من الشافعية أيضاً الإمام الباقلاني، فالإمام الجويني ومن بعده الإمام الغزالي، ورفع بعد ذلك المتأخرون من المالكية مثل الإمام الشاطبي راية مقاصد الشريعة والإمام ابن عاشور وغيرهما مثل الإمام الشيخ شاه ولي الله الدهلوي". وإلحاح العناية ب"فقه الشريعة"الذي يقصد به"فقه النصوص الشريعة الجزئية في ضوء مقاصد الشرع الكلية بحيث تدور الجزئيات حول محور الكليات، وترتبط الأحكام بمقاصدها الحقيقية ولا تنفصل عنها في نظر الداعية فدعق دعت إليه تطبيقات واقعية من بعض"من تعامل مع النصوص الجزئية بشكل حرفي ظاهري فتشبث بالنصوص وفهمها بمعزل عما قصد الشرع من ورائها، فأنكر تعليل الأحكام أو ربطها بأي حكمة أو مقصد، وأنكر القياس". بينما في المقابل هناك أيضاً ? كما يقول ?"من ادعى التجديد وزعم الاهتمام بروح الدين ومقاصد الشريعة ، وعطل في سبيل ذلك النصوص الجزئية للقرآن والسنة، وقال إن الدين جوهر لا شكل ، وحقيقة لا صورة ، وحرف الكلم عن مواضعه". وأضاف هاتان الدائرتان لا يخرج منهما"إلا من فقه النصوص الجزئية من دون معزل عن المقاصد الكلية، ورد الفروع إلى الأصول والجزئيات إلى الكليات والمتغيرات إلى الثوابت، واعتمد على النصوص القطعية، إذ أنه من دون المقاصد الكلية للشريعة أو المقاصد الجزئية للأحكام سيتوقف الفقه عن تلبية حاجات الناس وتحقيق مصالحهم". ولذلك فإن فدعق يرى واجباً"أن تدخل المقاصد الشرعية في تشريعات الناس اليومية، من السياسة حتى الأصغر منها، والمطلوب هو الاجتهاد المتجدد، وليس الاجتهاد الجديد، وكذلك استقلال العالم حتى يتسنى له القيام بدوره على الوجه التام، وألا يحيل من وثق به على فقه مذهب واحد، بل يقر بالصالح ويبطل الفاسد، ويسد الذرائع المذمومة وفتح الذرائع المحمودة، ويصيغ أحكامه وفق مقتضى العصر، لأن الأمر كلما ضاق اتسع، وعليه مراعاة أحوال الأمة وعدم الخروج على مقررات الشريعة الثابتة". يذكر أن مركزاً جديداً يعنى بدراسة مقاصد الشريعة الإسلامية أطلقته مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي أخيراً، ويضم في عضويته نخبة من أشهر كبار العلماء من السعودية وعدداً من البلدان الإسلامية.