"لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، تحت هذا الشعار استضاف الملتقى الثقافي النسائي في جدة نائب السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتورة ثريا عبيد التي تحدثت عن الفقر وأنواعه كظاهرة عالمية، خصوصاً مع تزايد معدلاته سنوياً، إذ أوضحت في بداية حديثها"أن الفقر قضية عالمية مرتبطة بنواحٍ مختلفة وليس فقط الفقر المالي، ولكن الفقر بأنواعه، ففي حياتي التقيت بالفقر، وواجهته في أشكال كثيرة خلال فترة عملي في الأممالمتحدة، حيث عاصرت الحرب اللبنانية في السبعينات، وكذلك الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات، تعايشنا للحروب علمنا كيفية تأمين الطعام لأيام عدة، ومشاهدتنا للقتلى والضحايا يومياً، تلك السنوات علمتني الكثير عن الآثار السلبية للحروب وما يصاحبها من فقر ودمار". وحددت عبيد أنواع الفقر من خلال زيارتها لعدد كبير من الدول الفقيرة في العالم، منها الفقر الاجتماعي والثقافي إلى جانب الفقر المالي، ولعل أبرز أنواع الفقر التي واجهتها عبيد هو الفقر في الناحية الصحية والناجم عن الجهل ونقص الموارد المالية. وتقول"خلال سفري أذهب إلى الدول الغنية للحصول على مساعدات ومعونات للدول الفقيرة، منها دولة نيجيريا حيث افتتحنا مركزاً للأمومة والطفولة في إحدى الولايات المسلمة، وعند زيارتنا للمركز الذي يعد صغيراً وبسيطاً جداً، وجدت سيدة تلد تحدثت معها حتى وضعت مولودها وكانت أنثى، وعلمت في ما بعد أن المولودة الصغيرة توفيت بسبب إصابتها بمرض الإيدز الذي انتقل إليها من والدتها التي توفيت كذلك بعد مولودتها الصغيرة لإصابتها بالمرض نفسه، والذي تسبب الزوج في نقله للأم". وأشارت عبيد إلى أن جزءاً كبيراً من المشكلات المرتبطة بالفقر هي"قضايا العنف الأسري"، خصوصاً ما هو موجه بالدرجة الأولى إلى الزوجة. وتقول"إن العنف ضد المرأة أبرز القضايا التي تعاني منها المجتمعات كافة، ولعل السبب الرئيس في ظهور العنف هو الفقر الذي يولد شعوراً بالقهر، فالفقير يشعر دائماً أنه مهمش في المجتمع، خصوصاً وأنه لا يلقى الدعم مثل بقية أفراد المجتمع، فلا أحد يسأل ذلك الفقير عن رأيه أو معرفة حاجاته، بل على العكس من ذلك تنفذ المشاريع ويفرض على الفقير تقبلها والتعامل معها، ومن الممكن أن يكون له رأي مختلف تماماً عما فرض عليه". وأرجعت أسباب زيادة معدلات العنف في المجتمعات الفقيرة، إلى شعور الفقير بالانعزالية عن المجتمع، كونه يعيش في حي فقير يعاني من نقص في الخدمات العامة معزول عن الأحياء الأخرى، ما يزيد من الشعور بالقهر والإحساس بالاضطهاد، مع ما ينجم عنهما من سلوك سلبي يظهر في العنف الأسري. واستطردت عبيد في عرض الآثار الاجتماعية السلبية الناجمة عن تفشي الفقر في المجتمعات الإنسانية، منوهة عن آخر احصاءات الأممالمتحدة عن نسبة الفقر في العالم، والتي أظهرت أن 25 في المئة من إجمالي عدد سكان العالم يعيشون بدولار واحد يومياً، أي أن 1.2 بليون نسمة يمثلون سدس سكان العالم. وتقول"الغريب في الأمر، أنه خلال الثلاثين عاماً الماضية حدث تزايد كبير في أعداد الفقراء، وتوسعت كذلك دائرة الفقر في مناطق مختلفة من العالم". وعن السبب في توسع دائرة الفقر عالمياً تقول عبيد"إن السبب الرئيس في توسع نطاق الفقر في مناطق مختلفة من العالم هو العولمة، إذ عملت العولمة على زيادة معدلات الثراء للأغنياء، وفي المقابل زيادة الفقراء فقراً، مشيرة إلى أن أكثر منطقة بدأ الفقر فيها بالانحسار بدرجة ما هي شرق آسيا، مرجعة ذلك إلى تأثير نمو الصين الاقتصادي على المنطقة، في الوقت نفسه الذي تتزايد فيه معدلات الفقر بشكل كبير في أوروبا الشرقية وآسيا الصغرى". وأكدت أن الجانب الأهم من مشكلة الفقر هو انعدام الفرص التعليمية والصحية لدى الفقراء، وتقول"إذا ذهبنا إلى مدارس الفقراء الرسمية سنجد أنها الأسوأ نوعية، وكذلك الأمر بالنسبة لعياداتهم، ليس ذلك فقط بل إن موظفي تلك العيادات والمدارس يعاملون الفقراء بعدم احترام وازدراء شديد، فيزداد الشعور عند الفقير بالاضطهاد والشعور بأنه فقير من كل شيء". وأضافت،"أن الفقر الاجتماعي له ارتباط وثيق بالفقر الصحي، ففي العديد من المجتمعات النائية تزوج الفتاة وعمرها 12 عاماً، وتحمل أطفالاً على الفور، والنتيجة تعرضها لعسر وضع، خصوصاً وأن الفتيات يسكن قرى نائية تفتقد وجود المراكز الصحية والمستشفيات، وفي الغالب تصاب الفتيات أثناء عملية الوضع بمرض يطلق عليه"النصور"، إضافة إلى وفاة الطفل، وفي العادة يتخلى الزوج عنها ويتركها في بيت أهلها، كما يتخلى أهلها عنها ويتركونها في خيمة صغيرة أو كوخ، ولا يهتمون بها وتعيش على هذا الوضع حتى تموت". وأكدت عبيد أنه وفي كل دقيقة تموت سيدة في مكان ما من العالم بسبب الحمل والوضع، نتيجة غياب الخدمات الصحية، والكوادر البشرية المدربة التي تساعد في عملية الولادة، إضافة إلى وجود عادات وتقاليد تمنع خروج السيدة من المنزل والولادة في مركز صحي، وقالت:"إن هذا الأمر يعد مثالاً للعديد من القضايا المرتبطة بالأمومة والتي يطلق عليها"الأمومة الآمنة"، وهي جزء مهم من عملية محاربة الفقر، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً من الفقر مرتبط بالفقر الصحي". وكشفت أن دراسة أجرتها الأممالمتحدة أطلق عليها"صوت الفقراء"، ووجهت من خلالها أسئلة عدة للفقراء، أوضحت مفهومهم للفقر بأنه يعني أوضاع المعيشة الفقيرة، وغياب الخدمات الصحية، وغياب الحماية الاجتماعية، ما يعني انعدام الرواتب والدعم المالي، إضافة إلى تفشي العنف بين الأجيال، من خلال محاربة جيل لآخر، وأخيراً معاناتهم من الاستغلال. وقالت عبيد، إن من أهم أنواع ذلك الاستغلال ما يعرف"بالاستغلال الجنسي"، خصوصاً بعدما تفشت ظاهرة العبودية ولكن بمنظور جديد، تعرف بالرقيق الأبيض الجديد، وجزء كبير من هذه الظاهرة موجود في أوروبا، إذ تسافر الفتيات من أوروبا الشرقية إلى بلدان أوروبا الغربية وآسيا، بهدف العمل في تلك الدول، إلا أنها تجبر على التورط في أعمال لا أخلاقية، والغالبية منهن يدمنّ المخدرات ومنهن من يصبن بمرض الإيدز". وأشارت إلى أن السبب الرئيس الذي يدفع الفتيات للعمل اللاأخلاقي هو عدم امتلاكهن للمهارات المطلوبة لمزاولة الأعمال الشريفة، إضافة إلى احتياجهن للمال للإنفاق على أسرهن التي تعيش في فقر مدقع. وتؤكد عبيد أن قضية أولئك الفتيات تعد من أبرز القضايا الناجمة عن تفشي الفقر، مشيرة إلى أن الأممالمتحدة تعمل على الحد من انتشارها، إلى جانب معالجة الفتيات من خلال تعليمهن لمهن حرفية لإخراجهن من هذا الوضع، إلى جانب معالجتهن نفسياً لأنهن محطمات من هذا الجانب نتيجة الظروف القاسية التي عشنها، بهدف البدء في حياة جديدة. وتضيف"كذلك عندما سألنا الجماعات الفقيرة عن حاجاتهم، تحدثوا عن فقدان الطعام والشراب النظيفين، والمسكن اللائق والخدمات العامة، علاوة على الموارد المالية". وتقول"في الغالب تعيش الأسر الفقيرة في غرفة واحدة، ما يعرض أفرادها لأنواع من التحرش الجنسي من قبل الآخرين، أو من عائل الأسرة". ولفتت عبيد إلى أن مشكلة الفقر تعد من المشكلات الاجتماعية المعقدة في كل دول العالم، وهي عبارة عن مزج بين الفقر الاقتصادي والاجتماعي وتصل إلى مراحل مخيفة، خصوصاً أن مشكلة الفقر مرتبطة بشكل كبير مع زيادة عدد الأطفال لدى الأسر الفقيرة، وهذا في العادة ناجم عن قلة الثقافة والوعي، وعدم وجود نوع من التوجيه لما يعرف بتنظيم الأسرة. ... تحديد سبل مواجهة الفقر ترى نائب السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتورة ثريا عبيد أن تفشي الفقر في المجتمعات الإنسانية يتطلب التدخل السريع لمواجهته كظاهرة والقضاء عليها. وقالت إن أول تدخل مطلوب هو التدخل الحكومي، إذ لابد أن تهتم الدول بتوجيه البرامج التوعوية للفقراء قبل توجيهها إلى الأغنياء، والاهتمام بتعليم أبناء الفقراء والحرص على دخولهم المدارس، وتوفير الوجبات الغذائية فيها خصوصاً في المناطق الفقيرة، إضافة إلى الاهتمام بوجود الخدمات الصحية للأطفال والأمهات، وخصوصاً في مراحل الإنجاب في المناطق الفقيرة". وأضافت أن التدخل الحكومي ليس هو الحل الوحيد للنهوض بتلك المجتمعات الفقيرة، فهنالك اهتمام القطاع الخاص ورجال الأعمال، إذ بدأ هذا القطاع في الكثير من الدول ومنها السعودية الاهتمام برعاية الفقراء، وتوفير مراكز تدريب لهم وتأهيلهم وخلق فرص عمل، وهذا ينتج منه رزمة من البرامج المدمجة مع بعضها لتحقيق الهدف المنشود منها. وتقول"يوجد الآن التزام جديد التزمت به العديد من الدول ومنها السعودية، وأطلق عليه"الأهداف التنموية الألفية"للألفية الثالثة، وهي ثمانية أهداف منها: خفض حدة الفقر بحلول عام 2015م، وصحة الأم، وصحة الطفل، والوقاية والعلاج من الايدز. وتضيف"نحن نركز على الشبان، ونحاول افتتاح أندية تعليمية ترفيهية وصحية، تعطي المشورة التي تخص الشبان، في محاولة تنمية تلك المجتمعات الفقيرة من طريق تدريب الشبان لحماية أنفسهم فيما بعد". وبحث قضية غوانتنامو مع "حقوق الإنسان" زارت الدكتورة عبيد مساء أمس مقر جمعية حقوق الإنسان في جدة والتقت برئيس الجمعية الدكتور بندر حجار، وعدد من مسؤوليها. وأوضحت رئيسة لجنة الأسرة في الجمعية الجوهرة العنقري ل"الحياة"، أن الاجتماع تناول بحث قضية المعتقلين في غوانتنامو، والتشاور مع الدكتورة عبيد في هذا الصدد، كما تناول أوجه التعاون المشترك بين الجانبين وتبادل الخبرات في المجالات الحقوقية والاجتماعية. وأشارت العنقري إلى أن الجمعية تقدمت إلى السفارة الأميركية في السعودية بطلبين لزيارة المعتقلين السعوديين في غوانتنامو، إلا أنها لم ترد على أي منهما.