"كل النساء جميلات إلا زوجتي"، طبعاً لست أنا من صاغ هذه"الهرطقة". وأمامكم أقسم لزوجتي على ذلك، وأعلم يقيناً أنني لو قلتها"لا سمح الله"لما كنت أكتب لكم الآن. وحقيقة لم أبحث كثيراً عن القائل"الستر زين"، لكنني أثق انه في عداد الموتى. وحتى لو لم يمت فهو سيلاقي حتفه، إن لم يكن على يدي زوجته فلن يرد الله دعوات زوجات يعشن معاناة تلك المقولة. قضيتنا أن كثيراً منا، حتى وإن لم يسمعوا تلك المقولة يمارسونها، بقصد أو من دونه، يقع المحظور. شخصياً قد أتعاطف لبرهة مع الذين"يبققون"أعينهم في الفضائيات"فلا يعقل ان تكون أولئك نساء من لدينا أيضا نساء"، لكن لا يمكن التعاطف مع رجل كبير في السن ورب أسرة، يترك عمله ومسؤولياته ويرميها خلف ظهره ويفرغ نفسه للتسكع في الأسواق"متزكرت"، وزوجته تقوم عوضاً عنه بواجباته تجاه منزله بكل إخلاص وأمانة. تقارير ذكرت ان الشعب الايطالي اكثر الشعوب تحرشاً بالنساء. واعتقد أن مُعد التقرير لم يتسن له الحصول على تأشيرة لدخول البلاد، والا لاكتشف ان رؤيته تلك يجانبها الصواب. فنحن - وللأسف - لدينا التحرش لا يقف عند سن معينة، وأيضا لا يقف عند حد معين. فلولا ان سخر الله لنا البعض ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، لوجدنا العجب العجاب في الأسواق والشوارع. وما نشاهده يومياً من تجاوزات يعد مخزياً بكل معنى الكلمة. فزيارة لأحد المجمعات التجارية كفيلة باعطاء انطباع ان الموجودين كافة لا هم لهم سوى التحرش. وإذا اتفقنا على أن"الجيل الثالث"طبعاً لا اقصد الهاتف الجوال، بل المراهقين، لديهم من الطيش الشيء الكثير بسبب حداثة سنهم وعدم إدراكهم لمخاطر ما يقومون به. فما العذر الذي سنجده لكبار السن؟ لا يمكن ان نجد لهم أي عذر سوى انه ينطبق عليهم المثل"يوم شاب ودوه الكتاب". وهؤلاء يشبهون إلى حد كبير خدمة الجيل الأول من الهاتف النقال، الذي اقتصر آنذاك على الإرسال والاستقبال من دون أي مميزات اخرى. فمعظمهم صُلع، تقودهم كروشهم وفوق ذلك إذا تحدث"يقطع". يحكى أن واحداً من هذا الجيل، وبينما هو يتسكع في أحد المجمعات التجارية، صادف فتاة، ومن سوء طالعها انها كانت تتبسم مع عجوز كانت في رفقتها، وصادف ان تلاقت عيناها مع عيني ذلك الرجل المتأنق. لتبدأ بعد ذلك فصول المطاردة من محل إلى آخر، ومن جهة إلى أخرى، ولتمتد فصولها إلى السيارة ومن شارع إلى آخر وهكذا، إلى ان تمكن سائق الفتاة ومرافقتها من إنهاء فصول المطاردة إثر الدخول في أزقة وشوارع فرعية. طبعاً صاحبنا العاشق الولهان أصيب بخيبة أمل، لكنه لم ييأس، بل استمر في الذهاب إلى المجمع ذاته في شكل يومي، عله يرى تلك الفتاة، التي لم يُشاهد منها سوى عينيها. وقال فيها ما لم يقله الشاعر جرير في"أم عمرو". وشاءت الأقدار ان تأتي الفتاة إلى المجمع بعد نحو شهر مرت على شايبنا وكأنها دهر. وعندما رآها خفق قلبه وقفز من بين الضلوع ليستقر عند أقدام تلك الفتاة. وكان قد حزم امره فهو يريد الاستحواذ عليها، حتى لو اضطر إلى الزواج منها. طبعاً لم يفكر في أبنائه ولا في زوجته، كان تفكيره منصباً على تلك التي"أحبته"من النظرة الأولى وبادلته الابتسامة. وتجددت فصول المطاردة وعرف صاحبنا منزل الفتاة. لكن المفاجأة التي كادت تودي به انه من خلال مراقبة الفتاة علم انها مصابة بمرض عقلي. يعني الفتاة"ما هنا عقل". هكذا نقلت الرواية، ولكن من جهتي اعتقد ان العاشق الولهان هو من لم يكن يملك عقلاً، أليس كذلك؟. سعود الريس [email protected]