من المصطلحات الجميلة التي تمت استعارتها من الثقافة الغربية، مصطلح"أزمة منتصف العمر"، ويمكن تعريفه بحال عدم الاستقرار التي يواجهها الفرد في منتصف العمر تقريباً، والناتجة عن سلسلة من التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ خلال هذه الفترة، والتي تفرض على الفرد القيام بمهمة إعادة التكيف مع نفسه ومع ما حوله، لا شك أن أعراض هذه الأزمة تختلف من مجتمع لآخر، وكذلك طرق وأساليب إعادة التكيف المصاحبة لها، لذلك نجد من الصعوبة التعرف على أعراض هذه المرحلة في مجتمعنا، لقلة الحديث عنها من جهة ولعدم وجود علامات جسدية مصاحبة لها من جهة أخرى، فعلى سبيل المثال مرحلة البلوغ مرحلة يدركها الفرد لحظة بلحظة ولا يستطيع إخفاءها عن الآخرين، أما مرحلة منتصف العمر فالتعرف عليها أكثر صعوبة، فهي في كثير من الأحيان مخادعة وتجيد التنكر. بداية، أعتقد أن المؤشر الأول الذي يدل على اقترابك من هذه المرحلة هو ملاحظة أن كثيرين من أبناء الأقارب بدأوا يقبلون رأسك عند السلام، وهذا مؤشر من الصعوبة تجاهله، خصوصاً إذا كان هؤلاء الأبناء في مرحلة المراهقة أو أكبر، المفارقة هنا أن هؤلاء الأبناء يعتقدون وهم يقبلون رأسك أنهم يمنحونك التقدير الذي تستحقه، بينما هم في الواقع يقتلعونك من مرحلة أنت سعيد بها، ويلقون بك في مرحلة أخرى قد لا تكون مستعداً لها. سمعت أن الشباب يتطلعون للمستقبل والكبار ينظرون للماضي، أما من هم في منتصف العمر فنظراتهم فقط يبدو عليها التعب. من الأعراض المؤكدة لهذه المرحلة، هي عندما تجد نفسك تأكل كل ما هو مفيد لك وليس ما تحب، وتحاول إقناع نفسك بأن ما تعاني منه هو فقط نقص في الفيتامينات ليس أكثر. التحولات في السلوك داخل المنزل تعكس، في كثير من الأحيان، أزمة منتصف العمر، مثلاً الموافقة غير المشروطة على خروج أفراد الأسرة لأي مكان، مادمت لن توصلهم بنفسك فهذا مؤشر خطر، كذلك عندما يرن الهاتف وتتمنى ألا يكون الاتصال لك فيجب عليك الانتباه، عندما تختار أيها فهذا دليل دامغ على دخولك هذه الأزمة من أوسع أبوابها، أما أوضح دليل على دخولك هذه المرحلة، فهو عندما تكتشف أن الإضاءة الخافتة بدأت تروق لك لأسباب اقتصادية وليس لأسباب رومانسية. ماذا نفعل عندما نجد أنفسنا في دوامة هذه الأزمة؟ هل هناك استراتيجيات مجربة للتكيف؟ من ملاحظاتي البسيطة اكتشفت أن هناك طريقتين للمقاومة، إحداهما سلبية والأخرى إيجابية"السلبية يقوم بها البعض من خلال مضايقة من حوله بشتى الوسائل، لعل وعسى أن تنتقل لهم هذه الأزمة، ولكنها بلا شك طريقة خاطئة، أما الطريقة الإيجابية فتتضمن مجموعة كبيرة من الحلول المبتكرة، مثلاً لاحظت أن أحد الأصدقاء استطاع تجاوز هذه الأزمة إلى حد كبير من خلال التوجه الكامل لغرس النخيل فأصبح شغله الشاغل اختيار الأنواع الجيدة والعناية بها، ومتابعة آخر التطورات في وسائل الري والتسميد وغير ذلك، شغلته هذه الهواية عن أزمته، ولا أعلم ما السر المتعلق بالنخيل، ولكن الشيء المؤكد أن هذه الهواية فجرت طاقات كبيرة داخله لم تكن مستغلة من قبل. قد يكون نضوب طاقات أخرى ساعد بطريقة غير مباشرة على تفجير هذه الطاقات البديلة. هناك آخرون توجهوا للعناية بالأغنام أو الإبل، كل بحسب إمكاناته المادية، فتجد من يضع مجموعة من الأغنام في أحد الوديان مع راعٍ وخيمة وخزان ماء ويمضي وقته في التردد عليها، وهذا الحل مجرب ويعطي نتائج مشجعة، خصوصاً إذا كان الراعي مهملاً ويخلق لك من المشكلات ما يكفي لإشغالك عن مشكلتك، آخرون يقاومون أعراض هذه المرحلة من خلال اكتشاف الحياة البرية من جديد، تستميلهم الرحلات البرية في البداية، وتتطور هذه الميول لتصبح هواية جارفة وكأنهم لم يعرفوا أن هناك براً من قبل، ويتغير ذوقهم للسيارات فيبدأ الاهتمام بالدفع الرباعي وتجهيزات الرحلات وأنظمة الملاحة وغير ذلك، وليس مهماً على الإطلاق من أين تأتي المتعة هل هي من القرب من الحياة البرية، أم فقط بمجرد الابتعاد عن الحياة المدنية، المهم أن هناك فضاءً كبيراً لاكتشاف الطاقات البديلة. أخيراً، هناك فئة كسولة ليس لديها صبر على الزراعة ولا تملك الجَلَد على الرحلات البرية الشاقة، هؤلاء تجد استراتيجية المقاومة الوحيدة التي يقومون بها هي التفكير في الزواج مرة أخرى، لذلك نشأت ثقافة الاستراحات التي تدور حول مواضيع الزواج وأخباره، فتجدهم يتابعون أخبار الذين تزوجوا مرة أخرى بشغف يفوق شغف البدوي الذي يتابع أخبار المطر. [email protected]