من الغريب أن تبقى حدود ما يعرف بالكيان الصهيوني حتى اليوم مبهمة، على رغم ما يحظى به من عضوية وشرعية دولية، وعلى رأسها الأممالمتحدة ومجلس الأمن؟! فلا توجد لإسرائيل حتى اليوم مرجعية قانونية ولا تاريخية - غير أساطير توراتية - تثبت أن لها حقاً في احتلال فلسطين وتهجير أهلها. ولا توجد سابقة واحدة تحتفظ بها ذاكرة المجتمع الدولي أن قراراً أممياً واحداً التزمت به إسرائيل، أو استطاعت الشرعية الدولية أن تفرضه عليها! ومع ذلك، فإسرائيل نفسها تحميها قوات"اليونيفيل"بقرار دولي في جنوبلبنان. ومع غياب العدالة الدولية التي تضفي عليها الدول العربية شرعية"الضعف والهوان"، تشن منظمة التحرير حملتها الضارية على"حماس"لإجبارها على الاعتراف بدولة لم تعترف بنفسها؟ وهذا منطق تنتهجه"فتح"اليوم مع المقاومة والحكومة الفلسطينيتين، تسعى من ورائه إلى التسويق لشعار المرحلة المقبلة، وهو"لا للجوع مع المقاومة ومرحباً برغيف الخبز مع رموز الفساد"، فلا تزال ملفات الفساد التي سقطت بسببها"فتح"في الانتخابات الفلسطينية الديموقراطية الأولى والأخيرة مغلقة، وها هم رموز الفساد يخرجون ألسنتهم للشعب الفلسطيني. فبالأمس سرقوا اللقمة من فمه، واليوم يشاركون في حصاره لإسقاط حكومة حماس؟ وها هو أبو مازن المستقيل من حكومة ياسر عرفات احتجاجاً على سياسة أبي عمار التي كانت تحتكر كل السلطة والصلاحيات، هو نفسه اليوم يسلم"حماس"حكومة بلا صلاحيات، كما سلمها خزانة بلا أموال! وهو الرجل الذي سوق لنفسه والتزم بمنهج يهاجم عسكرة الانتفاضة، وعليه اختير أميركياً وأزيح من أمامه ياسر عرفات باغتيال مأسوي، هو نفسه اليوم يعسكر السياسة، ويصوب بنصيحة كوندي ونبيل أبو ردينة - من وراء الستار - البندقية الفلسطينية إلى صدر شعبه. ومع أن أبا مازن انتخب رئيساً على أساس التزامه بما كان يعرف بالخط العرفاتي، وهو الالتزام بالثوابت الوطنية للحقوق الأصلية للشعب الفلسطيني، فإنه يسحب هذا التفويض تحت غطاء"لن نقبل بتجويع شعبنا لنرفع شعارات عفا عليها الزمن". من يعرف قادة"فتح"يعلم أنهم لن يطيقوا فراق الكراسي والسلطة، فهي التي تحميهم من طائلة القانون، ومن حساب الشعب الفلسطيني ومن ورائه الأمة كلها. واليوم سقطت الأقنعة، وأصبح الرهان على السلطة في مقابل الثوابت، اليوم الثمن القضية التي طالما تكسبوا على موائدها! وفي الحقيقية أن نزاهة"حماس"وحكومتها وكفاءتها ونضجها السياسي وحسها الوطني وتضحياتها وشهداءها وتاريخها - مع الأسف - كل ذلك ليس كافياً اليوم في مواجهة"فتح"التي باتت تتقوى بمحور إسرائيل وأميركا، وهذا ما يثير القلق والخوف من أن تضطر"حماس"إلى الدخول في محاور لا تزال متحفظة عليها، كما جاء على لسان رئيس وزرائها. ولكن هل تترك سياسة الإدارة الأميركية أمام"حماس"خياراً آخر؟ إن صراع التصفية الذي تمارسه أميركا اليوم لإنهاء القضية الفلسطينية، وفق رؤية"صهيو أميركية"ل"دولة قابلة للبقاء"، يفرض على"حماس"الخيار الصعب بالانتحار السياسي والميداني! فلا نضع رؤوسنا في الرمل. وكما يبدو أن الإدارة الأميركية استوعبت درس لبنان، وتتعامل مع"حماس"التي لا تزال تحظى بدعم وتأييد من الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني المجاهد بنتائج التجربة؟ فلا تريد أن تكرر هزيمة مؤلمة جديدة في المنطقة؟ وتعلم انه لن يستطيع أقوى جيش في العالم أن ينزع سلاح المقاومة الفلسطينية، ما دامت تحظى بتأييد الشعب الفلسطيني واحتضانه، ولن تستطيع إسرائيل بكل ترسانتها العسكرية أن تجبرها على التنازل أو التراجع عن مواقفها المبدئية. كما أن السياسة لم تفسد"حماس"، ولا حملتها السلطة على تغيير جلدها! لذلك فالرهان اليوم يقتضي أن تلقي إسرائيل وأميركا بكل ثقلهما وراء رأس الحربة، وهو أبو مازن وكل رموز فتح الفاسدين. فعامل الوقت مهم، وكل يوم يمر تكسب حكومة حماس تعاطفاً أكثر، وتأييداً محلياً ودولياً، والخوف من ألا يتم الإجهاز على القضية الفلسطينية قبل أن تفيق هذه الأمة! هيثم صوان - مكةالمكرمة [email protected]