هكذا كان ... وهكذا سيكون ... يحمل داخل نفسه معاني التواضع والإنسانية والثقة لتجسيد خطوات الحاكم الحقيقي المفعم بالعطاءات الوطنية. وتلك العبارات التي قالها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أول من أمس خلال جلسة الاستقبال لوفود من الداخل والخارج، لم يكن وقعها عادياً على آذان الحاضرين والمشاهدين في ما بعد، خصوصاً وهو يقول:"إخواني، بهذه المناسبة، في خاطري شيء أحب أن أخبركم به، إخواني... ان تقبيل اليد أمر دخيل على قيمنا واخلاقنا ولا تقبله النفس الحرة الشريفة، إلى جانب انه يؤدي إلى الانحناء، وهو أمر مخالف لشرع الله، والمؤمن لا ينحني لغير الله الواحد الأحد. لذلك أعلن من مكاني هذا عن رفضي القاطع لهذا الأمر، وأسأل الجميع ان يعملوا ذلك ويمتنعوا عن تقبيل اليد إلا للوالدين براً بهما". كيف لا تكون تلك الكلمات قوية وهي تجسد حقيقة نفس القائد الحيوية الاجتماعية المفعمة بروح الأبوة وحب الآخرين وحسن المعاملة؟ كم هي نبيلة عزة النفس في حكام يسدون العزة لشعوبهم، على عكس حكام آخرين، يدمرون شعوبهم ويبطشون بها، ويبحثون عن تشريعات للإذلال والإخضاع ولتقبيل الرجلين قبل اليدين! عبارات الملك عبدالله الرافضة للانحناء وتقبيل اليدين، سواء أكان الشخص قادماً للسلام أم متوسلاً لعمل ما، كم كانت ذات وقع ايجابي كبير في الغائبين قبل الحاضرين تنعش نفوسهم وتؤكد كراماتهم، انها نصيحة إنسانية صادقة من ولي أمر لم يعرف عنه سوى الصدق والصراحة والوضوح في زمن متلون. انها روعة القيادة وقمتها في شخصية العاهل السعودي الذي يجيد التعامل مع الآخر بالحلم والعفو عند المقدرة، فقبل شهر عفا عمن أرادوا اغتياله، وصفح عن آخرين، ثم أمر بزيادة الرواتب والضمانات الاجتماعية لكل موظفي الدولة، ثم يعلن في مجلسه الرفض القاطع لتقبيل اليدين أو الانحناء لغير الله، قاصداً من ذلك إشعار المواطن والمقيم بمبدأ المساواة في المعاملة، وانه لا فرق إلا في العمل. انها الإرادة الحقيقية في نفس الملك عبدالله المبنية على حب الآخرين قبل حب الذات... نعم، ان تقبيل اليدين لغير الوالدين مذلة، وإن كان ولاة الأمر هم أيضاً في مقام الوالدين، وطاعتهم أمر"واجب"في النصوص الدينية. عندما قال الملك عبدالله:"أسأل الجميع العمل بعدم تقبيل اليدين إلا للوالدين براً بهما"، فقد لفت إلى أهمية بر وطاعة الإنسان لوالديه. انها شخصية الملك عبدالله المبنية على الصراحة والشفافية وحب الآخرين، بعيداً عن"الماكياج السياسي"الذي يتعاطاه بعض قادة وزعماء العالم لتلميع صورهم أمام شعوبهم، وتحقيق المكاسب الدنيوية ولو عبر تقبيل أيديهم والانحناء لهم. هكذا كانت القيادة السعودية، وهكذا ستظل، يحمل حكامها همّ الوطن والمواطن، وتعنيهم الهموم الصغرى مثل الكبرى على الأصعدة كافة، فمثلما يسهرون على الملفات السياسية والاقتصادية لضمان استقرار أمن وأمان العباد والبلاد، تعنيهم أهمية الاستقرار الاجتماعي لتبقى روح المجتمع الإنسانية متفوقة لا يشبهها مجتمع آخر.