قليل من الحكام من أحبتهم شعوبهم حباً صادقاً غير مصنوع ولا متكلف فيه، وبعض الحب منشؤه الخداع والكذب والتضليل والوعود الكاذبة مثل حب الغوغاء لحكامهم المستبدين، وندر من الحكام من يتفق في حبه كل طوائف شعبه ومختلف طبقاته وفئاته، فإذا استطاع حاكم"دكتاتور"أن يدس صنائعه ورجال مخابراته بين الجماهير لينطلق منهم الهتاف باسم الزعيم كما رأينا في بعض البلدان العربية والإسلامية حكاماً مستبدين ظلمة فجاراً، تهتف لهم شعوبهم هتافاً مصطنعاً. والجماهير كالأطفال تتبع كل ناعق، وليس هتاف الجماهير باسم حاكم دليل حب وإخلاص، وشهدت جماهير في بلدان عربية تهتف باسم حكامها هتافاً تتمزق منه الحناجر، فإذا خلوت إلى بعضهم بعد شفائه من عدوى الغوغاء ظهر لك السخط الذي يتدفق من العلماء، وأساطين الأدب والثقافة. فالشعب بكل طبقاته وفئاته لا يتفق على حب الحكام الظلمة المستبدين، وإن اهتزت الأرض بالجماهير الهاتفة بأسمائهم، لأن الظلمة مكروهون، فالهتاف بأسمائهم برهان على سيادة الظلم والباطل التي تجبر كلمة الحق على الاختفاء، ريثما تجد الحرية فتبرز قوية مدوية. ويندر - أشد النُّدرة - وجود حاكم محبوب عند كل أفراد شعبه على اختلاف الطبقة والفئة، وأشد منه ندرة أن يكون حاكم محبوباً عند غير شعبه، ويكاد يكون متعذراً وجود حاكم محبوب عند شعبه وعند شعوب أخرى، وما أكاد أستثني حاكماً في عصرنا غير الحكام من آل سعود في دولتهم الحديثة التي أنشأها الملك العبقري الصالح عبدالعزيز الذي كان محبوباً عند شعبه الذي أخذ عدده يكثر، وأرضه تتسع حتى جمعت المملكة العربية السعودية أقطاراً معدودات هن: الحجاز ونجد والأحساء وعسير، وشعوب هذه الأقطار، وجعله الملك عبدالعزيز شعباً واحداً يحب أفراده حاكمهم حباً صادقاً. ومتى يحب الشعب حاكمه؟ ولماذا؟ يحبه عندما يكون نظيف القلب واليد واللسان، وعادلاً متمسكاً بالحق قولاً وفعلاً، وسراً وجهراً، لا يمنعه قرب قريب من أن يعدل بينه وبين خصمه الذي يكون أقرب منه ما دام صاحب الحق، وقريبه أبعد ما يكون حتى يأخذ منه الحق. والملك عبدالعزيز هذا الحاكم النظيف ذو الخلق الفاضل الذي ساوى بين من يحكمهم لم يميز ولده أو ذا قربى في الخصومات، وانتصف من أولاده لعامة من الناس، بل الويل لولده المعتدي، يشتد في عقابه أكثر مما يقرره شرع الله، فإن كان ولده معتدى عليه عفا عن المعتدي إذا كان ولده قاصراً، فإن كان كبيراً حسن له العفو حتى يصدر منه غير مكره فيه من والده. إن أعدى أعداء الملك عبدالعزيز لم يذكروا له عيباً يجرح عدالته، بل ذكروه بالحمد، وما ذكره الذاكرون بغير الثناء الطيب إلا الذين كفروا وفسقوا وأفسدوا وكذبوا على الحق. وأولاده الذي ملكوا وحكموا وانتقلوا إلى رحمة الله كانوا في أنفسهم صالحين هداة لم يظلموا، بل التزموا الحق والعدل في حكم الرعية، ويجوز عليهم أن يخطئوا، ولكن لا يوصف أحد منهم بالظلم الذي تحروا النجاة منه. ولما كانت صلتي بالملك فيصل - رحمه الله - أوثق من صلتي بإخوته، وكان أقرب آل سعود إلى أهل الحجاز لأنه كان حاكمهم المباشر نائب أبيه الملك عبدالعزيز في الحجاز، ولهذا القرب أستطيع أن أصفه. فقد كان قريباً منا، فعندما كنت طالباً بالمعهد العلمي السعودي في مكةالمكرمة - حرسها الله - سنة 1351ه كان الملك فيصل عوّد المعهد أن يزوره كل عام مرة، فيحتفل به الطلاب وأساتيذهم، وكنت من بضعة النفر الذي يمثلون الطلبة الذين ينتخبونني للخطابة، كما كان أساتذتي ينتخبونني للتحدث في الفصل عندما يدخله زائر متفقداً مختبراً. وكنا نراه في المسجد الحرام طائفاً قبيل صلاة الفجر، وكان بين الحرم والبيت الذي يسكنه مسافة ثلاث دقائق يقطعها مشياً من دون أن يصحبه أحد، وكان يطوف مثل غيره من عامة الناس، وكان يحضر إلى الحرم لصلاة الفجر في الصيف بثوبه الأبيض الخفيف وعلى رأسه"كفية"عليها صماد مسدل على كتفيه يطوق عنقه، وما كان يرتدي العباءة صيفاً كما لا يضع عقاله المقصب على صماده. وامتدت صلتي به منذ سنة 1351ه حتى كتب الله له الشهادة يوم الثلاثاء الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1396ه فما وقفت له على عيب قط، كان سمحاً متواضعاً عادلاً رحيماً ذا مكارم ومحامد كثيرة. وما أسعد جواره، فقد كان باراً بجيرانه، حتى إن أسرة تجاوره سافر النساء إلى الخارج إلى أحدهم، ولما علم الملك فيصل أمر طباخه بإرسال الغداء له كل يوم ما دام في مكةالمكرمة - حرسها الله. وما نهر طفلاً قط، مع أن ابنه الأكبر عبدالله الفيصل كان طفلاً، وما أكثر ما ضربه الأطفال، ويعلم أحياناً فلا يسخط ولا يغضب لابنه الذي لا يجرؤ أن يشكو إلى أبيه أن طفلاً ضربه، لأن ابنه يعرف أن أباه لا يصدقه، إذ ليس من المعقول أن طفلاً من العامة يجرؤ على ضرب ابن الحاكم فيصل. وعندما زار فيصل نائب الملك في الحجاز الأردن بدعوة من الملك عبدالله - رحمه الله ورحم فيصلاً ووالديهما - شعر الملك عبدالله بارتياح حتى ان العداء الشديد لآل سعود وبخاصة الملك عبدالعزيز زال من قلب الملك عبدالله بفضل الله ثم بفضل فيصل، وصار محباً لآل سعود، وأوصى الملك عبدالعزيز على ابنه الملك طلال وعرش الأردن. والمسلمون في الأقطار العربية والإسلامية منذ مبايعة الملك فهد من قبل شعبه في الحادي والعشرين من شعبان سنة 1402ه يتابعون أعمال جلالته ويشهدون جهاده الصادق في سبيل الله من أجلهم. للمرة الأولى في تاريخنا المعاصر نرى شعوب الأمة العربية وشعوب الأمة الإسلامية تتفق هذه الشعوب وحكامها في الإعجاب بالملك فهد، وبين هؤلاء الحكام مسيحيون كالرئيس أمين الجميل رئيس لبنان يعجبون بالملك فهد أشد الإعجاب، ويحبونه أصدق الحب لخلائقه الإنسانية الفاضلة التي يتفق في الإعجاب بها كل الناس على السواء، لأن الخلائق الإنسانية الفاضلة هي الحصة المشتركة بين بني الإنسان. وكثير من الشعوب المسلمة وحكامها يرشحون الملك فهداً للخلافة الإسلامية ويتمنون أن يبايعوه طواعية واختياراً، ويقدرون أنه الحاكم المسلم الفريد الوحيد الصالح لأن يكون خليفة المسلمين وأمير المؤمنين. ويكفى برهاناً على حب الشعوب الإسلامية وأكثر حكامها للملك فهد اتخاذهم إياه قدوة لهم، فها هو ذا الرئيس جعفر النميري رئيس السودان قد أعلن تحكيم الشريعة الإسلامية وتطبيقها في السودان وجعل نظام الحكم إسلامياً أسوة بالمملكة العربية السعودية، وكذلك الرئيس ضياء الحق رئيس باكستان. ولو أراد الملك فهد أو لو رضي بأن يكون خليفة المسلمين لوجد مئات الملايين من المسلمين يبايعونه بإخلاص، ولكن جلالته المطبوع على فعل الخير، والحريص على عصمة دماء المسلمين، وعلى سلامتهم من الفتن والخلاف والصراع في ما بينهم لا يرضى بالخلافة لنفسه لكيلا يكون سبباً في نزاع يحاربه هو نفسه. وإن شعوب الأمة الإسلامية العربية وأكثر حكامها يحبون الملك فهداً حباً عميقاً صادقاً ويَقْدُرونه أعظم قَدْر، لان الملك فهداً يحبهم ويقدرهم حق القدر، وهو أسرع الناس بالتهنئة والمشاركة لهم في أفراحهم مشاركة تضاعفها، وهو أسرع إلى المواساة بالكلم الطيب والعطاء السخي فهم حريون أن يحبوه ويسمعوا له ويطيعوا. والملك فهد أسرع الحكام مبادرة إلى كل شعب عربي ومسلم يكون في حاجة إلى عون فيقدمه في صمت بعيداً عن الصخب والدعاية، لأن الأخ الكريم عندما يعطي أخاه المحتاج لا يعلن ولا يمن، ولقد رأينا مبادراته التي لا تحصى لكثرتها لنجدة الشعوب التي تصيبها الكوارث الطبيعية كما صنع مع شعوب البنغال وباكستان وتركيا ولبنان. ولا تقتصر نجدته ومعونته على المسلمين وحسب، ففي لبنان طوائف كثيرة من مسيحيين وغيرهم، وقد وسعهم بر جلالته وإنسانيته التي لا تضيق بمحتاج. وإذ كانت شعوب الأمة الإسلامية تحب الملك فهداً، لأنه سيد المسلمين وقائد حركة الإسلام فان هناك شعوباً غير مسلمة تعجب بخلائقه الإنسانية الفاضلة. وإن شعوباً عربية وإسلامية تتمنى لو كانت من رعيته، وكان حاكمها لتنعم بالعدل والأمن والنبل والعزة والكرامة والطمأنينة والحياة الرغدة والسعة التي يتمتع بها شعبه العظيم. ويتمنى كل أناس منتمين إلى صناعة أو حرفة أو أي عمل أن يكونوا من رعاياه ليتمتعوا بحكم فهد وخلائقه الإنسانية وحبه لشعبه، وذات مرة كنت مدعواً لدى ضابط كبير في بلد عربي وحضر الدعوة زملاء كبار من أمثاله، وكان الحديث عن الضباط السعوديين في الحرس الوطني والدفاع والطيران والأمن العام، وقد رأوهم وتحدثوا إليهم، ورأوا ما هم فيه من نعم، فتمنوا أن لو كانوا من رعايا فهد الذي وفر لهم كل أسباب القوة والكرامة والنعيم. وكل شعوب العالم بما فيها شعوب الدول الكبرى تتمنى الأمن الذي تتفرد به السعودية المتقلبة في نعيم هذا الأمن الذي لا مثيل له في العالم كله من دون استثناء شعب أو دولة. وفي الوقت الذي يتقلب فيه كل فرد سعودي في نعيم الأمن من الخوف ومن الجوع ومن المرض ومن الجهل نرى الشعوب الأخرى تتلظى في جحيم المخافة التي لم ينج منها الملوك والرؤساء. وقد برهن حكام السعودية على خلائقهم الإنسانية دائماً، فقد وسعوا إخوانهم بفضلهم وهم أحوج ما يكونون إليه، ومنذ ظهور آل سعود على مسرح السياسة والحكم وهم يشاركون إخوانهم في كل نعمة وهبهم الله إياها. جاء في كتابنا:"ابن سعود وقضية فلسطين"في مقدمته، ما نصه:"وما تزال السعودية حتى اليوم تؤثر شقيقاتها على نفسها فتقدم مئات الملايين من الريالات لها، كما تشارك بتقديم الملايين للشعوب العربية والإسلامية كلما أصيبت بكارثة من كوارث الطبيعة، وتقدم الملايين للجمعيات وإنشاء المساجد والمدارس، وتعمير ما خرب منها". ولم يقدم شعب من الشعوب لقضية فلسطين من المعونات المالية وغيرها مثل ما قدم الشعب السعودي، ولا يبلغ عشر معشاره". قلت هذا من عشر سنوات، أما بعد صدور مؤلفنا"ابن سعود وقضية فلسطين"فقد تدفقت بلايين الدولارات من السعودية إلى شقيقاتها العربيات والمسلمات، وما زالت تتدفق بغزارة لا توصف ولا تحصى. فعندما اعتدت إسرائيل وضربت المفاعل الذري في العراق بجميع محط منشآته التابعة له بادرت السعودية بتعويض شقيقتها العراق، ودفع قيمة كل المفاعل الذري ومنشآته ومؤسساته التي تبلغ أكثر من ألفي مليون دولار، وقد دفعت ذلك في أريحية وطيب نفس". ودفعت السعودية لكل من بنغلاديشوباكستان ومجاهدي أفغانستان وأوغندا في عهد الرئيس عيدي أمين واليمن الشمالية وتركيا ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية وغيرها ما يبلغ مجموعه أكثر من عشرين بليوناً من الدولارات خلال بضع السنوات الماضيات". وفي رمضان المبارك سنة 1402ه أعلن الملك فهد انه يهدي كل موظفي الدولة السعوديين في داخلها وخارجها وعشرات الآلاف من السعوديين من أصحاب المخصصات والمنح والقواعد وعشرات الآلاف ممن يحصلون على منح شهرية من الضمان الاجتماعي راتب شهر. وحقاً تسلم كل فرد من هؤلاء جميعاً راتب شهر هدية فهد التي جعلت أواخر شهر رمضان وعيداً الفطر المبارك اسعد الأيام والأعياد، تسلموا هديته شاكرين داعين وهو أبو الشعب الأبر وقائدهم الأعظم، وهم أبناؤه المخلصون وجنوده الذين يفدونه حق الفداء. وفي السعودية أكثر من 100 ألف متعاقد من أقطار العروبة والإسلام يعملون في السعودية طمعوا في كرم عاهل العرب الأكبر وأمام المسلمين طراً وخادم الحرمين الشريفين، طمعوا في كرم فهد أن يسعهم كما وسع شعبه، وذكروا بأنهم هم أيضاً شعبه وان كانوا ينتمون إلى غير السعودية، فاستجاب لهم ومنح كل متعاقد راتب شهر، وهو مبلغ عظيم. ولما أمطرت سحائب الملك فهد على أبناء شعبه ثم أصاب وابلها كل المتعاقدين من عرب ومسلمين، بقى بضعة آلاف متعاقد من غير العرب والمسلمين لم يحرموا من هدية فهد فنالهم غدقه. وفي السعودية آلاف المؤسسات والشركات يحتشد فيها آلاف من الأجانب يعملون بها، وقد أعطوا راتب شهر أسوة بموظفي الدولة والمتعاقدين فكان عيد الفطر المبارك من تلك السنة عيداً عم فرحه كل ارض السعودية، وفاض منها على أقطار من نالهم ذلك الفيض الغزير، فاض على أقطار كل القارات. وهذا العطاء السخي من فهد الكريم المعطاء الكبير بإنسانيته ومكارم أخلاقه ثبت إنسانية الملك فهد المثلى التي يتفرد بها.