منذ عام 2003 وبفعل"العصا السحرية"لإيرادات النفط، أصبح في الإمكان القول إن الاقتصاد السعودي تجاوز إلى حد كبير دائرة الضغوط التضخمية وشح السيولة، في ظل سياسات وإصلاحات هيكلية متقألماً بذلك مع المتغيرات الدولية، ما انعكس بالمزيد من الخطوات الإيجابية التي ترجمها ارتفاع نصيب القطاع غير النفطي إلى نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب التقارير الدولية والمحلية فإن ثمة توقعات أن يواصل الاقتصاد السعودي نمواً في العام الحالي بنسبة تفوق التي حققها عام 2004، مدعوماً بمؤشرات، أبرزها: استمرار انتعاش أسعار النفط، وضخ القطاع الخاص مزيداً من الأموال والاستثمارات، والتوسع في قطاع البتروكيماويات، ونمو وتيرة الصادرات. في حين تشير التوقعات إلى أن فائض الإيرادات السعودية عام 2005 سيتجاوز سقف ال 200 بليون ريال، خصص الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمس 30 بليون ريال 8 بلايين دولار للتوسع في مشاريع تخص البنية التحتية وتطوير الخدمات، فيما خصص نحو 25 بليون ريال 10 بلايين دولار لرفع مخصصات صناديق التنمية، و15 بليون ريال 4 بلايين دولار لدعم الصادرات. تشير التوقعات إلى أن فائض الإيرادات السعودية عام 2005 سيتجاوز سقف ال 200 بليون ريال، خصص الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمس 30 بليون ريال 8 بلايين دولار للتوسع في مشاريع تخص البنية التحتية وتطوير الخدمات، فيما خصص نحو 25 بليون ريال 10 بلايين دولار لرفع مخصصات صناديق التنمية، و15 بليون ريال 4 بلايين دولار لدعم الصادرات. ويشير تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي ساما إلى أن الإيرادات الحكومية الفعلية عام 2004 يتوقع لها أن تبلغ خلال العام 393 بليون ريال 104.8 بليون دولار مقارنة بإيرادات تقديرية تبلغ 200 بليون ريال 53.3 بليون دولار في حين ارتفعت المصروفات الفعلية إلى 295 بليون ريال 78.7 بليون دولار مقارنة بمصروفات تقديرية تبلغ 230 بليون ريال 61.3 بليون دولار، أي بزيادة قدرها 65 بليون ريال 17.32 بليون دولار. وكانعكاس طبيعي سجل ميزان المدفوعات تحسناًَ كبيراً، حيث يوضح التقرير أن التقديرات تشير إلى تحقيق فائض في الحساب الجاري لميزان المدفوعات بقيمة 193.2 بليون ريال مقارنة بفائض 105.2 بليون ريال العام السابق، وهو أمر سيعزز قوة الريال السعودي الذي يتلقى دعماً كبيراً للمحافظة على استقرار سعر صرفه وتكوين رصيد من العملات الأجنبية. وأكدت السعودية في خطة التنمية السابعة 2000- 2004 التي انتهت العام الماضي عزمها تحسين رصيد الحساب الجاري في ميزان المدفوعات وتحويله من عجز يمثل 3 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي في سنة الأساس إلى فائض يمثل نحو 6.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الخطة. كما كشفت عن طموحها خفض نسبة عجز الموازنة العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي من نحو 10.8 في المئة في سنة الأساس إلى ما يقارب الصفر في نهاية الخطة، عبر زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية وترشيد الإنفاق. وبحسب التقرير نما الناتج المحلي بالأسعار الجارية بمعدل 16.9 في المائة بالغاً 931.8 بليون دولار في حين يتوقع أن يسجل الناتج المحلي للقطاع الخاص معدل نمو نسبته 6.7 في المئة. أما الصادرات غير النفطية فبلغت قيمتها 51 بليون ريال تمثل 3 في المئة من إجمالي الصادرات السلعية. وثمة اتفاق على أن العوائد النفطية أسهمت إلى حد كبير في النتائج التي سجلها الاقتصاد السعودي، كما أن الاستمرار في تحسن الأسعار سيضيف أبعاداً جديدة لفائض إيرادات الدولة، بخاصة مع زيادة وتيرة الصادرات النفطية باستثناء زيت وقود السفن ونمو القطاع النفطي بنسبة 28.2 في المئة بالأسعار الجارية، ما كان له أكبر الأثر في انخفاض العجز بين الحساب الجاري وحساب الخدمات والتحويلات. ويلفت التقرير النظر إلى مؤشر مهم وهو عدم وجود غلاء في المعيشة، إذ ارتفع متوسط المؤشر العام لتكلفة المعيشة في جميع المدن بنسبة 0.4 في المئة. وتعني هذه المستويات أن النمو الاقتصادي ألجم ارتفاع معدلات التضخم. وفي المقابل أيضاً فإن النمو في العرض النقدي بلغ 9.6 في المئة خلال الأشهر العشرة الأولى، وهو أمر يعد مؤشراً إيجابياً على استمرار النمو فهو يدل على انخفاض مستويات الاقتراض الحكومي و نمو الأسعار بمعدلات متناقصة، ما يعني أخيراً وفي شكل عملي تلاشي مخاوف الضغوط التضخمية. الموازنة وفائضها ركزت الموازنة السعودية عام 2005 على العمل على تلبية الحد الأدنى من متطلبات التنمية بجوانبها المتعددة مع إعطاء الأولوية للإنفاق على الخدمات التي تمس المواطن في شكل مباشر، مثل الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وبعض مشاريع البنية الأساسية التي تسهم في زيادة النمو الاقتصادي. وتبعاً لذلك، قدرت الموازنة الإيرادات والنفقات العامة بمبلغ 280 بليون ريال 74.7 بليون دولار، لتكون بذلك أول موازنة"متوازنة"في بدء تنفيذ خطة التنمية الثامنة. علمًا بأن ظهور الموازنة السعودية في شكلها الحالي"أي دون عجز"كان في الأعوام 1982 و1985 و2001. ومن أبرز الملامح الرئيسة للموازنة أنها اشتملت على مشاريع جديدة ومراحل إضافية لبعض المشاريع التي سبق اعتمادها وتبلغ تكاليفها الإجمالية 75 بليون ريال 20 بليون دولار في قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والخدمات البلدية والمياه والصرف الصحي والنقل والمواصلات. وقدرت الموازنة المصروفات الفعلية لعام 2004 ب 295 بليون ريال 78.7 بليون دولار بزيادة مقدارها 65 بليون ريال 17.32 بليون دولار عما كان مقدراً في بداية العام وهو 230 بليون ريال 61.3 بليون دولار، نتيجة ارتفاع بعض المصروفات الطارئة ولتغطية الجوانب الأمنية، وتشمل كلفة شغل عدد من الوظائف والبدلات والعلاوات الإضافية نتيجة رفع الحال الأمنية لبعض القطاعات الأمنية والعسكرية ومكافأة راتب شهرين التي أُقر صرفها للعسكريين، إضافة إلى زيادة المدفوع لإعانة القمح والشعير والأعلاف والإعانات الزراعية بناءً على التوجيهات بتصفية مستحقات المزارعين للسنوات السابقة. وسيتم تخصيص ما تبقى من إيرادات السنة المالية الحالية لتسديد جزء من أصل الدين العام بعد اقتطاع 41 بليون ريال 10.9 بليون دولار للصرف على المشاريع التي صدرت التوجيهات بتمويلها من فائض الموازنة وزيادة رأسمال كل من صندوق التنمية العقارية وبنك التسليف السعودي. وجاء الأمر الملكي ليضيف بعداً آخر للصناديق التنموية، فزاد مخصص صندوق التنمية العقاري بتسعة بلايين ريال تزامناً مع النمو السكاني وتقليص قائمة الانتظار، كما حصل الصناعيون على دعم بزيادة مخصصات صندوق التنمية ب13 بليون ريال، وبنك التسليف بثلاثة بلايين ريال. الدين العام كان لا بد أن ينال الدين العام الذي لقي ضجيجاً كبيراً في المرحلة الماضية، قسطاً من مخصصات فائض الإيرادات. وبحسب تقديرات رسمية لمؤسسة النقد العربي السعودي، فإن مستواه عام 2004 سيصل إلى حدود 600 بليون ريال، وفي حال توجيه جزء من الفائض وهو في حدود 40 بليون ريال، فإن العجز سيصل إلى حدود 550 بليون ريال. ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن ضرورة معالجة الدين العام شكلت في الفترة الماضية ما يشبه"الرأي العام"خصوصاً بعد توقعات زيادة الإيرادات. والحديث عن"الدين العام"وآثاره سيقوده حتماً إلى البحث والتقصي عن الأسباب الرئيسة لحدوثه، ونعني بذلك عجز الموازنة، وما الدين العام إلا سياسة مالية لمعالجة ذلك العجز، ولا بد هنا من عدم إهمال أمرين: الأول وجوب التفريق بين خزانة الدولة الإيرادات والنفقات التي تعاني عجزاً، وبين مجمل الاقتصاد كنشاط وربحية، إذ تقدر قيمة الهامش الذي حققته أنشطة الاقتصاد المحلي غير النفطية لعام 2001 بنحو 100 بليون ريال، وأن إجمالي إيرادات الأنشطة الاقتصادية ما عدا النفط تقدر بنحو 600 بليون لعام 2001. وحققت الأنشطة غير النفطية نمواً جوهرياً وتمارس نشاطاً محلياً محورياً، حيث نمت القطاعات غير النفطية في شكل ملحوظ عام 2001، تجاوز 9 في المئة في الصناعة التحويلية والاتصالات والمواصلات، كما أن لتلك القطاعات أهمية اقتصادية لا يجب الاستهانة بها، ففي مقابل كل ريال ينفقه القطاع النفطي في صورة رواتب للموظفين تدفع القطاعات الأخرى 6 ريالات. مهمة ليست سهلة ربما يكون الأمر نظرياً ونحن نطالب وزارة المال بترشيد إنفاق وتنمية إيرادات الدولة، فما حدث على أرض الواقع عكس التيار، فما زال الإنفاق الحكومي يلعب دوراً أساسياً في النشاط الاقتصادي، وما زالت الإيرادات ترتبط بأسعار النفط, ونمت بنسبة 1.2 في المئة. الحديث عن الإنفاق الحكومي لا يعني بأي حال من الأحوال أن الاقتصاد السعودي هو"اقتصاد موجه"، إذ إن الإنفاق الحكومي لا يزال يلعب دوراً أساسياً في النشاط الاقتصادي في شكل عام. ولعل أقرب مثال على ذلك مشاريع البنية التحتية والتجهيزات الأساسية الذي أنفقت عليها الدولة في الخطط الأولى نحو تريليون دولار. كما أن النمو السكاني فرض ضرورة توظيف المزيد من العمالة حيث تزايد بند الأجور والرواتب الذي يشكل الحصة الكبرى من النفقات الحكومية حيث استحوذ بند الموارد البشرية على 216 بليون ريال في خطة التنمية السادسة، كما أن خطة التنمية السابعة وضعت هذا البند عند 276.9 بليون ريال. وتشير إحصاءات خطة التنمية السادسة إلى أن معدل نمو الإنفاق الحكومي بلغ خلال سنوات الخطة 4 في المئة بزيادة قدرها 23.3 في المئة عن خطة التنمية الخامسة، فيما قدر الإنفاق في خطة التنمية السابعة ب 488 بليون ريال. إن الحكومة السعودية أخذت على عاتقها أن تجعل من مسألة توازن الإيرادات والنفقات هدفاً استراتيجياً منذ خطة التنمية الخامسة، واتخذت بالفعل خطوات جريئة في هذا الجانب مثل إعادة تقويم رسوم الخدمات للتخفيف من دعم الدولة المنشآت، كما أنها عقدت العزم على التخلص من عجز الموازنة واضعة الجميع بذلك في قمة المسؤولية. إن وثيقتي خطتي التنمية السادسة والسابعة تركزان على أولويات محددة، فهما تدعوان إلى ترشيد الإنفاق وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص وإلى إيجاد الحلول التي تؤدي أخيراً إلى توسع مستمر في التجهيزات الأساسية. وما دامت مشاركة القطاع الخاص مطلوبة، فإن المطلوب هنا تحقيق آماله وتطلعاته بخاصة حينما يتعلق الأمر بالتخصيص. 10 سنوات "محك" في قرارات اقتصادية منذ عام 1995 وجد الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن بلاده تعيش وسط مشهد دولي محلي لا يخرج عن التحديات التالية: أولاً: التذبذب في أسعار النفط وخطورة الاعتماد عليه مصدراً وحيداً للدخل. ثانياً: استمرار عبء الإنفاق الحكومي وما يتركه من آثار على ارتفاع الدين العام والعجز في الموازنة. ثالثاً: استمرار ضعف إسهام قطاعات البنية التحتية والخدمات في الناتج المحلي. رابعاً: النمو البطيء لبعض القطاعات. خامساً: تصاعد وتيرة النمو السكاني وزيادة معدلات الخريجين. سادساً: تقادم العمر الزمني لأنظمة وتشريعات الاستثمار. سابعاً: سيطرة تعقيد الروتين والبيروقراطية في بعض الإجراءات. ثامناً: اختلال تركيبة الأنشطة والقطاعات الاقتصادية بما ينعكس على ارتفاع كلفة الحصول على التقنية. تاسعاً: زيادة المنافسة في سوق جذب الموارد المحلية. عاشراً: زيادة الارتباط بالاقتصاد العالمي. حادي عشر: الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وبدت هذه التحديات متشابكة إلى حد كبير، بل يمكن القول إن بعضاً منها قاد إلى الآخر كنتيجة حتمية، فارتباط أسعار النفط هبوطاً أصاب الإنفاق الحكومي بالتذبذب، وهذا الإنفاق كما هو معروف يعتبر لاعباً رئيساً في تحريك الطلب داخل السوق المحلية، ولا يزال على رغم خفضه وترشيده يشكل ما نسبته 40 في المئة من إجمالي الطلب المحلي، باستثناء تكوين رأس المال الثابت والتغير في المخزون، ونتيجة لذلك العبء تذبذب إسهام قطاعات البنية التحتية في الناتج المحلي الإجمالي عام 1993 نتيجة هبوط الإنفاق على مشاريع الكهرباء والماء وبلغ إسهام هذا القطاع 3.7 في المئة، وحينما زاد الإنفاق عام 1996 ارتفع إسهامه إلى 6.5 في المئة.