يُقدم تقرير وزارة المال السعودية لسنة 2004 الذي رافق تقديم موازنة الدولة أول من أمس، صورة شفافة عن احتمالات تحسن أداء الاقتصاد المحلي خصوصاً القطاع الخاص. وشهدت الموازنة العامة خصوصاً في بند الإيرادات فائضاً كبيراً تجاوز 193 بليون ريال 51.5 بليون دولار عما كان مقدراً في بداية العام المالي. وقال التقرير ان إيرادات العام الفعلية ستبلغ 393 بليون ريال 104.8 بليون دولار مقابل إيرادات تقديرية 200 بليون ريال 53.3 بليون دولار في مطلع العام. واستمر الفائض في ميزان المدفوعات، وارتفعت السيولة المحلية بمعدلات ملائمة لتمويل النشاطات الاقتصادية في مناخ اتسم باستقرار الأسعار المحلية وسعر صرف الريال، وواصلت المصارف المحلية تحقيق معدلات أداء جيدة من حيث الربحية والملاءة وتقديم القروض والتسهيلات للقطاعين الخاص والعام. وثمة اتفاق بأن العائدات النفطية ساهمت إلى حد كبير في النتائج التي سجلها الاقتصاد كما أن الاستمرار في تحسن الأسعار سيضيف أبعاداً جديدة لموازنة الدولة سنة 2005، خصوصاً مع زيادة وتيرة الصادرات النفطية ونمو القطاع النفطي بنسبة 28.2 في المئة بالأسعار الجارية، وبما كان له أكبر الأثر في انخفاض العجز بين الحساب الجاري وحساب الخدمات والتحويلات. وراى التقرير أن معدلات الأداء الجيدة للاقتصاد المحلي تنسجم مع الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق أهداف استراتيجيتها الشاملة للتنمية التي تتضمن تغييرات هيكلية لمختلف النواحي الاقتصادية والتنظيمية والإدارية، حيث أنشئت أجهزة متخصصة وأقر عدد من الأنظمة بهدف تهيئة المناخ الملائم لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية وإيجاد الفرص الوظيفية والاستخدام الامثل للموارد وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. وفي مجال تنويع القاعدة الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على النفط كمحرك رئيسي للتنمية تحققت إنجازات ملحوظة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات المالية وغيرها، أما فيما يتعلق بتفعيل دور القطاع الخاص فقد استمرت الحكومة بإشراك القطاع الخاص في عدد من أعمال الإنشاء والتشغيل والصيانة التي يقوم بها القطاع الحكومي. كما قدمت الحكومة قروضاً ميسرة للقطاع الخاص في مجالات الزراعة والصناعة والعقار وغيرها من خلال صناديق التنمية المختلفة، إضافة إلى تسهيل الإجراءات المالية والإدارية والتنظيمية لتشجيعه على إنشاء مشاريع مشتركة مع الشركات الأجنبية، هذا بالإضافة لنظام الاستثمار الأجنبي الذي أوجد حوافز متعددة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف القطاعات. من المتوقع أن يبلغ اجمالي الناتج المحلي، وفقاً لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة 931.8 بليون ريال 248.5 بليون دولار بالأسعار الجارية محققاً بذلك نمواً بنسبة 16.9 في المئة أما بالأسعار الثابتة فيتوقع أن يشهد نمواً بنسبة 5.3 في المئة. وكانت أسعار النفط"العصا السحرية"التي ساهمت في ذلك حيث من المتوقع أن يحقق القطاع النفطي نمواً بنسبة 28.2 في المئة بالأسعار الجارية. ويتوقع أن يشهد الناتج المحلي للقطاع الخاص نمواً حقيقياً بنسبة 6.7 في المئة بالأسعار الجارية وبنسبة 5.7 في المئة بالأسعار الثابتة، ويعكس ذلك ما حققته جميع الأنشطة الاقتصادية المكونة له من نمو ايجابي إذ يقدر أن يصل النمو الحقيقي في الصناعات التحويلية غير النفطية إلى 6.4 في المئة، وفي نشاط الاتصالات والنقل والتخزين 7.8 في المئة، وفي نشاط الكهرباء والغاز والماء 5.4 في المئة، وفي نشاط التشييد والبناء 5.7 في المئة، وفي نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق 4.9 في المئة. واعتبر تقرير وزارة المال أن للسياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة في تشجيع الاستثمار والجهود المستمرة في دعم القطاع الخاص، أثراً فعالاً في تحقيق معدلات النمو الايجابية التي يشهدها هذا القطاع وأدت إلى توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتنويعها، حيث وصلت مساهمة القطاع الخاص في اجمالي الناتج المحلي إلى 43.6 في المئة بالأسعار الثابتة و34.2 في المئة بالأسعار الجارية. واصبح القطاع الخاص مصدراً أساسياً للنمو والتوظيف. وتدل هذه المؤشرات كذلك على زيادة فعاليته وتقليص اعتماده على الإنفاق الحكومي خصوصاً نشاطي الصناعات التحويلية والخدمات اللذين يشهدان نمواً جيداً منذ سنوات. وعن تكاليف المعيشة اظهر التقرير ارتفاعاً بسيطاً في الرقم القياسي لتكاليف المعيشة خلال عام بنسبة 0.2 في المئة عما كان عليه العام الماضي. أما معامل انكماش اجمالي الناتج المحلي للقطاع غير النفطي الذي يعتبر من أهم المؤشرات الاقتصادية لقياس التضخم على مستوى الاقتصاد ككل فمن المتوقع أن يشهد ارتفاعاً بنسبة واحد في المئة. وحسب التقديرات الأولية لمؤسسة النقد العربي السعودي ساما فإن الحساب الجاري لميزان المدفوعات في العام المالي 2004 سيحقق فائضاً بنحو 193 بليون ريال 51.5 بليون دولار مقارنة بفائض 105.2 بليون ريال 28 بليون دولار وبزيادة نسبتها 83.7 في المئة. أما الصادرات غير النفطية فيُتوقع زيادتها بنسبة 23.8 في المئة لتبلغ 51 بليون ريال 13.6 بليون دولار. وهو أمر سيعزز قوة الريال السعودي الذي يتلقى دعماً كبيراً من المحافظة على استقرار صرف العملة وتكوين رصيد من العملات الأجنبية. أما التطورات النقدية فقد واصلت السياسة المالية والنقدية للدولة المحافظة على مستوى ملائم من السيولة يلبي احتياجات الاقتصاد الوطني ويحافظ على الاستقرار في الأسعار المحلية وسعر صرف الريال. وتبعاً لذلك، سجل عرض النقود بتعريفه الشامل في الشهور العشرة الأولى من سنة 2004 نمواً بنسبة 9.6 في المئة مقارنة بنمو بنسبة 4.2 في المئة خلال الفترة نفسها من العام السابق. والواضح أن من أبرز العوامل التي أدت إلى ذلك ارتفاع الودائع المصرفية وانخفاض النقد المتداول خارج المصارف. وفيما يتعلق بالقطاع المصرفي ارتفع إجمالي مطلوبات المصارف من القطاعين العام والخاص خلال الفترة نفسها بنسبة 26.3 في المئة نتيجة لنمو المطلوبات من القطاع الخاص بنسبة 12.1 في المئة، وواصلت المصارف دعم قدراتها المالية إذ ارتفع رأس مالها واحتياطاتها خلال الفترة نفسها بنسبة 12.9 في المئة. ركزت الموازنة على العمل على تلبية الحد الأدنى من متطلبات التنمية بجوانبها المتعددة مع إعطاء الأولوية للإنفاق على الخدمات التي تمس المواطن بشكل مباشر مثل الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وبعض مشاريع البنية الأساسية التي تساهم في زيادة النمو الاقتصادي. وتبعاً لذلك، قدرت الموازنة الإيرادات والنفقات العامة بنحو 280 بليون ريال 74.7 بليون دولار، لتكون بذلك أول موازنة"متوازنة"في بدء تنفيذ خطة التنمية الثامنة. علما أن ظهور الموازنة في شكلها الحالي"أي دون عجز"كان في الأعوام 1982 و1985 و2001. ومن ابرز الملامح الرئيسية للموازنة أنها اشتملت على مشاريع جديدة ومراحل إضافية لبعض المشاريع التى سبق اعتمادها تبلغ تكاليفها الإجمالية 75 بليون ريال 20 بليون دولار في قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والخدمات البلدية والمياه والصرف الصحي والنقل والمواصلات. وقدرت الموازنة المصاريف الفعلية لعام 2004 ب 295 بليون ريال 78.7 بليون دولار بزيادة 65 بليون ريال 17.32 بليون دولار عماً كان مقدراً في بداية السنة وهو 230 بليون ريال 61.3 بليون دولار، نتيجة ارتفاع في بعض المصاريف الطارئة ولتغطية الجوانب الأمنية وتشمل تكاليف شغل عدد من الوظائف والبدلات والعلاوات الإضافية نتيجة رفع الحالة الأمنية لبعض القطاعات الأمنية والعسكرية ومكافأة راتب شهرين التي أُقر صرفها للعسكريين، إضافة لزيادة المدفوع لإعانة القمح والشعير والأعلاف والإعانات الزراعية بناء على التوجيهات السامية بتصفية مستحقات المزارعين للسنوات السابقة.