الذهب يسجل رقما قياسيا ب 2796 دولارا للأوقية    أمير منطقة جازان يزور مركز تطوير البن السعودي    ترمب: «لا ناجين» من كارثة الطائرة والمروحية في واشنطن    وزير الإعلام: العلاقات بين السعودية والبحرين تاريخية    حرس الحدود بنجران يحبط تهريب 41 كجم "حشيش" ويقبض على مهربيها ومستقبليها    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على العروبة    الدحيل القطري يعلن تعاقده مع النجم المغربي حكيم زياش    رسميًا.. الشهري يقود الاتفاق حتى نهاية الموسم    المملكة تشارك بالاجتماع الخامس لكبار المسؤولين الإنسانيين حول أوكرانيا    بعد تدخل الوسطاء.. إسرائيل تتراجع وتحدد موعد إطلاق الأسرى الفلسطينيين    تكرّيم 30 منشأة بجائزة العمل في دورتها الرابعة    الأمير خالد بن سلطان يتخلى عن مسؤولياته ويشارك في سباق الأساطير    عندك تذاكر!    النصر توصل لاتفاق رسمي لضم جون دوران    أمريكا: نمو الاقتصاد يتباطأ بأكثر من المتوقع    «تاسي» يودع يناير مرتفعاً 3.15%.. كاسباً 379 نقطة    شراكات جديدة بين هيئة العلا ومؤسسات إيطالية رائدة    القيادة تهنئ أحمد الشرع برئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية    الأمين العام لمجلس الشورى رئيسًا بالتزكية لجمعية الأمناء العامّين للبرلمانات العربية    تتيح لهم حضور الجلسات القضائية بالصوت والصورة.. «العدل» تُطلق مبادرة خدمات السجناء    ليندو السعودية تحصل على 690 مليون دولار أمريكي من جيه بي مورغان    استشاري طب نفسي: 10% من مشاهر شبكات التواصل مصابين بالانفصام    بعد ساعات من تنصيب الشرع.. أمير قطر في دمشق    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    أمانة القصيم تستعرض إنجازاتها لعام 2024 بإبرام عقود استثمارية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    ترامب يأمر بإعداد منشأة في قاعدة غوانتانامو لاحتجاز 30 ألف مهاجر غير شرعي    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    وزارة الشؤون الإسلامية تقيم يومًا مفتوحًا للمستضافين في برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة    الأرصاد: سحب رعدية ممطرة على مرتفعات مكة والجنوب وأمطار خفيفة بالرياض والشرقية    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    سيراً على الأقدام .. المستكشفة «موريسون» تصل العلا    لأول مرة.. إطلاق التقويم المدرسي برياض الأطفال والطفولة المبكرة والتربية الخاصة    مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»    البهكلي والغامدي يزفان "مصعب" لعش الزوجية    عشر سنبلات خضر زاهيات    إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2025    المملكة تؤكد دعمها لاستقرار وتنمية اليمن    وسط حضور فنانين وإعلاميين .. الصيرفي يحتفل بزواج نجله عبدالعزيز    «بينالي الفنون» يُثري زواره بكنوز الحضارة الإسلامية    مختبر تاريخنا الوطني    غداً.. محمد عبده يُجسد فلسفة الخلود الفني على مسرحه في الرياض    المسلسل مستمر    حرب الذكاء الاصطناعي.. من ينتصر؟!    أمير حائل يناقش خطط القيادات الأمنية    شخصية الصرصور    إطلاق حملة للتبرع بالدم في الكورنيش الشمالي بجازان    خطورة الاستهانة بالقليل    الإرجاف فِكْر بغيض    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    وزير الموارد البشرية يكرّم 30 منشأة فائزة بجائزة العمل في نسختها الرابعة    «السياحة الثقافية».. عندما تصبح الفنون جواز السفر    الشيخوخة إرث وحكمة    انطلاق مؤتمر السكري والسمنة في جدة «5 فبراير»    قبائل الريث تعزي الأمير عبدالعزيز بن فهد في وفاة الأمير محمد بن فهد    أهالي الشرقية ينعون الأمير محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلد أصرت باكراً على أن تصل يوماً إلى "دولة المؤسسات الحديثة" . الملك عبدالله وولي العهد يواصلان النهج السعودي في "الهيكلة" و "التنظيم"
نشر في الحياة يوم 15 - 08 - 2005

يقطف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ثمار مشروع تنظيمي وإداري، بدأه الملك المؤسس الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وشارك فيه أبناؤه الملوك الخمسة.
وليس مبالغة أو مديحاً القول إن السعودية بلد أصرت باكراً على أن تصل يوماً ما إلى"دولة المؤسسات الحديثة"، ونجحت في هذا إلى حد كبير وسط تحديات كبرى. ويتفق المؤرخون على أن مشروع الملك عبد العزيز في توحيد البلاد كان بمثابة معجزة بكل المقاييس. عسكرياً تطلب الأمر كفاحاً مريراً ومتواصلاً، وتنموياً واجه الملك المؤسس الفقر والجهل والمرض كخصوم شرسين، اعترضوا طريقه لبناء دولته. أما إدارياً وتنظيمياً، فلم يكن في يد الدولة الجديدة أي منهج إداري أو تنظيمي يستطيع أن يساعد على التخفيف من أعبائها، أو يسهم في الأخذ بأسباب نموها، لم يكن هناك أيضاً جهاز إداري واضح الملامح يدير الأقاليم التي توحدت للتو، عدا شخصية الملك عبد العزيز نفسه، إذ كان المحور الذي تدور حوله وتنطلق منه التعليمات أو التوجيهات المسيرة للكيان الجديد.
كانت رحلة صعبة بكل المقاييس، وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز، شركاء فيها وشهود عيان. فماذا حدث بالضبط، وكيف استطاعت دولة توصف بأنها نامية أن تتحول إلى واحدة من أكثر الدول"التقدمية"في العالم؟
باستثناء منطقة الحجاز لم يكن في نجد أو الأحساء سوى نمط واحد من أنماط الإدارة، يمتمثل في أمير المنطقة أو حاكمها، ثم وجود أمير في كل مدينة أو ديوان صغير يختص بتسلّم المعاملات، ويوجد أيضاً قاض ومأمور مال، أما في الحجاز، فعندما دخلها الملك عبد العزيز عام 1343ه 1924، كانت أنماط إدارية متداولة ولكنها قليلة ومتواضعة، مثل: الصحة، والبلدية، والأوقاف، والقضاء.
واستمرت تلك الإدارات في أداء مهامها، وأضاف إليها الملك عبد العزيز المجلس الأعلى لإدارة شؤون مكة المكرمة، وهو مجلس يتكون من 15 عضواً يمثلون العلماء والأعيان والتجار، وهو مجلس اختص بأمور تنظيمية وتنفيذية، وهذا المجلس كان نواة مجلس الشورى.
وفي 1344ه 1925، أمر الملك عبد العزيز بإنشاء هيئة استشارية مكونة من ثلاثة عشر عضواً، كما أمر بانتخاب مجالس استشارية في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف وينبع، ووضعت الهيئة المذكورة التعليمات الأساسية للحكم والإدارة، وهي التعليمات التي وافق عليها الملك عبد العزيز في 1345ه 1926. وقسمت هذه التعليمات إلى تسعة أقسام: يختص الأول منها بشكل الدولة وعاصمتها ولغتها، والقسم الثاني والثالث يختصان بشؤون الحكم والإدارة والنيابة، كما قسمت أمور البلاد إلى شؤون شرعية وداخلية وخارجية ومالية وعسكرية ومعارف عامة. ويتعلق القسم الرابع من تلك التعليمات بالمجالس الاستشارية، وهي مجلس الشورى، ومجالس الإدارة، ومجالس النواحي، ومجالس القرى، ومجالس القبائل، ومجلس الوكلاء الذي أنشئ في 1350ه 1931، بحسب توصية من لجنة التفتيش والإصلاح التي شكلت في 1346ه 1927 لدرس الجهاز الإداري في البلاد.
أما الأمور العسكرية والخارجية في الدولة فاحتفظ بها الملك عبد العزيز لنفسه، فدواعي المرحلة كانت تتطلب ذلك، أما أقسام التعليمات الأخرى فهي تتعلق بأمور تنظيمية وإدارية أخرى.
وفي 1351ه 1932، أخذت ملامح الدولة الجديدة تتحدد بوضوح أكثر، نتيجة حتمية لبعض الأحداث، وهي:
إطلاق مسمى"المملكة العربية السعودية"على الدولة الموحدة، وكان ذلك بمثابة التأكيد على اكتمال مشروع الوحدة، وأصبحت الدولة الجديدة منذ ذلك التاريخ مهيأة للانطلاق في ترتيب أوضاعها الداخلية والخارجية من الناحيتين السياسية والتنموية.
اختيار وحسم ولاية العهد، وهي نقطة مهمة كانت في البنية التنظيمية والإدارية، وتم ذلك بعد سنة واحدة من إعلان المملكة العربية السعودية في 1352ه 1933.
وأثرت زيادة الصادرات النفطية بعد اكتشافه وإنتاجه، إذ انعكست المداخيل على تحسين الخدمات وتطورها في جميع مناطق البلاد الجديدة، مثل: المستشفيات والمدارس ومرافق البريد والهاتف والطرق. هذا التطور الذي شهده قطاع الخدمات أدى بطبيعة الحال إلى استحداث إدارات جديدة، أي بعبارة أخرى إلى تطور التنظيم الإداري نفسه.
حتمية التطور
كل تلك المقدمة التاريخية، كانت محاولة لإثبات وجود علاقة كبيرة، إن لم تكن تتخذ الشكل الطردي، بين حجم الدولة والظروف الداخلية والخارجية وحجم مداخليها والخدمات التي تقدمها، والتنظيم الإداري والهيكلي لها للقيام بمهامها. وما الهيكلة والتنظيم الإداري الأخير الذي ترأس فريق عمله وأشرف على أدق تفاصيله ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلا نتيجة حتمية.
وربما يقال: إن هذا الطرح غير جديد، لكن الجواب يأتي في الحديث عن الهيكلة والتنظيم الجديد من الناحية النظرية أولاً، والهيكلة والتنظيم الجديد في الواقع العملي لها والمأمول منها.
وقبل ذلك، يخلص مما سبق أن الدولة، من الناحية القانونية والعرف والممارسة، تتكون من ثلاث سلطات هي: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية.
ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن الملك عبد العزيز، وهو يتفرغ للنهوض بدولته بعدما أغمد سيفه، لم تكن تتوافر لديه سوى أجهزة إدارية قليلة ومتواضعة تضطلع ببعض المهام، لكن إجمالاً فإنها كانت تغطي بعض الجوانب التنفيذية والتنظيمية والقضائية في بنية الدولة، إذ أخذت تلك السلطات في تطوير تكويناتها المحددة والمستقلة.
مجلس الوزراء
كانت المدة الزمنية بين إعلان مسمى الدولة الذي أعقبه تعيين ولي العهد، وإنشاء أول مجلس للوزراء، 20 عاماً تقريباً، إذ تشكل أول مجلس للوزراء في 1373ه 1953 برئاسة ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبد العزيز، وعضوية وزراء الدولة الموجودين فعلاً وقت صدور المرسوم الملكي، فقبل تشكيل ذلك المجلس كان هناك عدد من الوزارات، مثل: الخارجية، والمال، والدفاع، والداخلية، والصحة، والمعارف، والزراعة، والتجارة، والمواصلات، إضافة إلى بعض المديريات التي تحولت في أوقات لاحقة إلى وزارات، منها: مديرية الزيت والمعادن، ومديرية العمل والعمال.
كان إنشاء مجلس الوزراء نقطة انطلاق حيوية، انعكست إيجاباً على وتيرة التنمية والتنظيم الإداري، ويمكن القول إنها مثلت نقطة التحول في تاريخ السعودية الإداري، إذ انتقل من نظام إداري متعدد بعدد الأقاليم والنشاطات التي تمارسها الوزارات والأجهزة الحكومية المستقلة، إلى نظام إداري موحد تشرف عليه سلطة عليا متمثلة في مجلس الوزراء.
وأوجد هذا التحول"وحدة تنظيمية"، تعد شرطاً أساسياً في التعبير عن وحدة الدولة وأجهزتها ومسؤولياتها وسلطاتها، فالوحدة هنا، كما يؤكد خبراء الإدارة، الشرط الأساسي والقاعدة الأولى للانطلاق نحو التكامل الوظيفي والبنائي لأي جهاز إداري.
استمرار التطور
وبعد أن انتقل الملك عبد العزيز إلى جوار ربه، أخذ الزمام من بعده أبناؤه الملوك: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد. ويعتبر"عهد الفهد"ومن أهم المحطات في تاريخ البلاد من الناحية التنظيمية الإدارية، ونعني به هنا: الأنظمة الثلاثة: الحكم ومجلس الوزراء، والمناطق، ومجلس الشورى.
وفي عهد الملوك الثلاثة: سعود، وفيصل، وخالد رحمهم الله، استمر التطور والتحديث في عدد من الأجهزة والهيئات التي كان من أبرز مهامها التطوير الإداري. وتم التعاقد مثلاً لغرض التطوير مع مؤسسات أجنبية متخصصة ذات خبرة في مجال التطوير الإداري، مثل: بعثة البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومؤسسة فورد الأميركية التي أسهمت في تنظيم الجهاز الإداري في السعودية. ومن الإدارات التي استحدثت في هذا الجانب لغرض التطوير الإداري على سبيل المثال لا الحصر: معهد الإدارة العامة في 1380ه 1960، واللجنة العليا للإصلاح الإداري في 1383ه 1963، والإدارة المركزية للتنظيم الإداري في 1384ه 1964. كما صدر في تلك الفترة عدد من الأنظمة منها على سبيل المثال لا الحصر أيضاً: نظام الموظفين العام، ونظام المستخدمين، ونظام تأديب الموظفين، ونظام ديوان الموظفين العام.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل لحق التطوير والتحديث بمجلس الوزراء السلطة التنفيذية، فكان أن نشأت واستمرت حتى وقتنا الحاضر، وهي
أولاً: ديوان مجلس الوزراء: يمثل حلقة الوصل بين رئيس المجلس وأجهزة الدولة المختلفة.
ثانياً: الأمانة العامة لمجلس الوزراء: جهاز سكرتارية لمجلس الوزراء، ومن مهامها إعداد أعمال مجلس الوزراء وترتيب أعمال اللجنة العامة لمجلس الوزراء، وإعداد قرارات المجلس.
ثالثاً: هيئة الخبراء: تختص بدرس المعاملات المحالة إليها من رئيس مجلس الوزراء أو من نوابه أو من لجان المجلس، ومراجعة مشاريع الأنظمة واللوائح المعدة من الأجهزة الحكومية، واقتراح الصيغ المناسبة لقرارات مجلس الوزراء التي تتضمن قواعد عامة.
انقلاب وزاري
لم يمض عامان على صدور أنظمة الحكم الثلاثة، ومن بينها نظام مجلس الوزراء، إلا أصدر الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، قراره التاريخي في 7 ربيع الأول 1416ه 3 أغسطس 1995 بحل مجلس الوزراء وإعادة تشكيله، ليكون التغيير والتطور الأول من نوعه منذ نحو 20 عاماً.
وأسفرت الخبرة الإدارية الثرية لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد في القيادة السياسية والتنموية، عن تيار تنظيمي لجيل قابل للتفاعل مع التغيير، عبر سلسلة من الأنظمة التي طرحها بعد طول معالجة ودرس وروية.
هذا التطور التاريخي والخطوات التي تلته بعد ذلك، إنما يعكسان الديناميكية والواقعية في التشريع والإدارة والتنظيم، ويجسدان ملامح عهد جديد، يعتبر التغيير إحدى سماته، بحيث يهيئ البلاد أخيراً للتعامل مع المتغيرات برؤى جديدة تواكب متطلبات المرحلة.
وكانت خطوة الملك فهد بن عبد العزيز"جريئة وواثقة"بكل المقاييس، لا يجسدها فقط حل مجلس الوزراء وتشكيله من جديد تطبيقاً لما نص عليه نظام مجلس الوزراء، بل أيضاً في التقاء الرغبة المشتركة في ضخ دماء جديدة للسلطة التنفيذية، ولا شك في أن النمو الواضح في الكفاءات والقدرات المهيأة من أبناء الشعب الذي حظي به أول تشكيل في 1416ه 1995.
وكان من أهم ملامح التشكيل الجديد في وزارة 1416ه 1995 شمول التغيير جميع القطاعات الاقتصادية للدولة، وهي: المال والاقتصاد، والتجارة، والصناعة، والبرق والبريد والهاتف، والزراعة، والعمل، والصحة، والنفط، والمواصلات. وشهدت تلك الوزارة دخول مجموعة من التكنوقراط، الذي أصبح مطلباً عصرياً، في مراكز اتخاذ القرار والقائمين على برامج التنمية، وما كان يتسق مع مضامين خطط التنمية، مدعومين بوزراء ذوي خبرات تراكمية قدموا من رحم تلك الوزارات، حتى يصبح المجلس متناغماً ومتجانساً، ويبتعد عن صبغة الأكاديمية.
ومضت الأعوام الأربعة من الفترة التي حددها نظام مجلس الوزراء، وجاءت وزارة العام 1420ه 1998 وحدث تغيير بسيط في الحقائب منها: التخطيط، والحج، والعمل، والشؤون الإسلامية، علماً بأن وزارة المال والاقتصاد الوطني شهدت تغيراً قبل ذلك التاريخ.
واستمرت عجلة التطور والتحديث، ومن هنا جاء إنشاء وزارة الخدمة المدنية لتتولى أهم ملف ألا وهو"السعودة"، كما جاءت وزارة المياه لتتولى ملفاً من أخطر الملفات وهي موارد المياه.
التغيير النظري
تشكيل مجلس الوزراء الحالي أو وزارة العام 1424ه 2003، تزامن مع ظهور أول ملامح مشروع إعادة مؤسسات الدولة، التي تسلم ملفها الأمير سلطان بن عبد العزيز تقريباً منذ تشكيل وزارة عام 1420ه 1998.
والواضح أن خطة الهيكلة لم تنته بعد، فاللجنة الوزارية أنهت القسم الخاص ذا العلاقة المباشرة بالتشكيل الوزاري، أي التي لها علاقة بعدد الوزارات ومهامها ومسمياتها. ولا يزال لدى اللجنة العديد من القضايا، فالفريق المكلف بالتنظيم الإداري سيصدر قرارات لاحقة تختص بالآلية الفنية للتغيرات الهيكلية الجديدة، وتتناول القوى البشرية والوظائف الشاغرة والمشغولة والممتلكات، والجوانب المالية ومنها المخصصات الواردة في الموازنات العامة. كما يتوقع أن يكون تقليص العمالة في القطاع العام واحداً من القضايا محل الدرس، علماً بأن الدولة حريصة على عدم الإضرار بالموظفين، ولكن يمكن أن يتم مثلاً إحداث تنقلات واسعة بين الموظفين من وزارة إلى أخرى بحسب الحاجة، أو أن يتم مثلاً إلغاء بعض الوظائف التي تقاعد شاغروها. ويبقى أيضاً ملف الرقابة مفتوحاً أمام اللجنة الوزارية، بما فيها ديوان المراقبة وجميع الأجهزة المركزية ذات العلاقة.
وتبعاً لذلك، يمكن القول من الناحية النظرية، ان الهيكلة والتنظيم الإداري وإعادة تشكيل مجلس الوزراء جاءت في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة السعودية هيكلة اقتصادية شاملة تتواءم مع ما يحدث في العالم من تغيرات تفرض نفسها على جميع اقتصادات الدول، وليس السعودية فحسب.
ولذلك، جاءت التغييرات في التشكيلة الجديدة، في وزارات كانت تحتاج بالفعل إلى إعادة هيكلة في النواحي الإدارية والاستراتيجية ذات التأثير الكبير في النمو الاقتصادي.
وليس الأمر في حاجة إلى الإطالة والإسهاب هنا، إذ تناول العديد من الكتاب والمحللين أهمية التغيير، فتغيير مسمى وزارة المواصلات إلى وزارة النقل، ودمج عدد من المؤسسات تحت هذا الاسم الجديد، يعتبر هيكلة مناسبة تستغل من خلالها الموارد المختلفة بطريقة فعالة. وهو أمر يعد بلا شك توجهاً جوهرياً في سياسات الهيكلة الاقتصادية التي تواكب التطلعات المحلية والتغيرات العالمية. وطاولت الهيكلة إلغاء وزارات وضم أعمالها إلى وزارات أخرى، إذ ألغيت وزارة الأشغال العامة والإسكان، ووزارة الصناعة التي ضمت إلى التجارة.
والاتفاق بين معظم المتخصصين في الدمج بين المؤسسات والوزارات الحكومي، أن الدمج يعتبر نمطاً مألوفاً وسائداً للتعامل مع البيئات الإدارية المختلفة، التي تحكمها في كثير من الأحيان العوامل الخارجية التي تفرض عليك بل تجبرك على التكيف معها. وبذلك، فإن الاندماج، يعتبر عملية تنموية مهمة للتأقلم، بحيث أصبح وسيلة دفاعية وهجومية إن صح التعبير، بل ويعتبره خبراء الاستراتيجيات"تكتيكاً"وخطة هجومية للتقليل من كلفة التغييرات البيئية الإدارية الشائكة في عصر العولمة.
وإجمالاً يمكن القول، من الناحية النظرية، إن الدمج بين الوزارات والقطاعات سيحقق فوائد اقتصادية عدة، هي:
أولاً: تعزيز القدرات الإنتاجية.
ثانياً: تحقيق التكامل الاقتصادي.
ثالثاً: تقليص المصروفات في النشاطات المتكررة.
رابعاً: المساعدة على حصاد الاستثمارات الناجحة قبل دخول المنافسين السوق.
خامساً: تطوير وتقوية قنوات الإنتاج والتوزيع والتسويق.
سادساً: توجيه الطاقات نحو تقديم أفضل الخدمات.
سابعاً: التقليل من الهدر الاقتصادي في وظائف وزارات لا تقبل الازدواجية.
التغيير العملي
على أرض الواقع يجب أن نتحدث عن التغيير الهيكلي وإعادة التشكيل، وهنا نحن أمام جانبين مهمين:
الأول: يتعلق بتأثيرات التغير في أعمال الوزارات المندمجة، ونعني بها آثار الاستغلال الأمثل.
والثاني: يتعلق بآثارها في المتلقي النهائي، ونعني به المواطن من رب أسرة، ومعلم، وطالب، وتاجر، وصانع.
ففي الأول، يتوقع الجميع أن تحقق الهيكلة الإدارية الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمالية، إضافة إلى القضاء على ازدواجية بعض الأجهزة الحكومية، فعلى سبيل المثال، يمثل التشكيل الوزاري الأخير تخفيضاً لعدد أعضاء مجلس الوزراء بواقع أربعة أعضاء، إذ
خرج من المجلس تسعة أعضاء ودخله خمسة أعضاء جدد. وهذا بطبيعة الحال يمثل ترشيداً في الإنفاق، كما أن إلغاء وزارتي الأشغال العامة والإسكان والصناعة والكهرباء، سينتج منه ترشيد في الإنفاق المالي، وفي الموارد البشرية، على الأقل في الوحدات الإدارية الاستشارية والمساعدة مثل: التخطيط، والتطوير، والشؤون المالية والإدارية، والمتابعة، والعلاقات العامة.
وواقع الحال يقول:"إن الوحدات الأساسية في الوزارتين ستستفيدان في تحقيق التجانس والتنسيق بين النشاطات, فليس الهدف النهائي هو الإلغاء، فالكهرباء انتقلت إلى وزارة المياه، ووحدات الإسكان الشعبي انتقلت إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ووحدات الأشغال العامة انتقلت إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية".
وبطبيعة الحال، فإنه من المتوقع أيضاً أن تكون لهذه التغييرات انعكاسات إيجابية على استثمار القدرات البشرية في الأجهزة الحكومية. فعلى سبيل المثال، فإن وزارة الأشغال العامة والإسكان لديها العديد من المهندسين والفنيين الذين يمكن استغلالهم بشكل أفضل في وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي هي بحكم مسؤوليتها ونشاطها في حاجة ماسة إلى هذه الكوادر. كما أن وزارة المياه والكهرباء يمكن أن تستفيد من كوادر وكالة الكهرباء في وزارة الصناعة سابقاً، خصوصاً في الوظائف الاستشارية والمساعدة، على اعتبار أن وزارة المياه والكهرباء هي وزارة حديثة نسبياًَ. والأمر مثلاًً ينطبق على تجميع النشاطات الثقافية التي كانت متناثرة هنا وهناك في أجهزة متعددة وتركيزها في وزارة الإعلام والثقافة. والشيء نفسه في وزارة التعليم والتربية.
المسؤولية والانسجام... محك التغيير
إن المحك في كل ما سبق، هو أن تحقق الهيكلة عملياً وحدة المسؤولية والانسجام والتنسيق بين النشاطات ذات العلاقة.
ونعني بها آثار التغيير في المتلقي النهائي، ونعني به المواطن من رب أسرة، ومعلم، وطالب، وتاجر، وصانع، فهؤلاء بكل بساطة لا يهتمون بآراء المنظرين من خبراء الهيكلة الإدارية والاستراتيجيات. فالمواطن العادي يحلم بأن ينعكس الأمر كله في قضاء معاملاته اليومية وأن تختفي عبارة"راجعنا غداً"ويزول عصر"المكتب الفارغ"من الموظف الحكومي، بسبب انصرافه المبكر لقضاء حاجاته الخاصة.
يحلم ذلك المواطن بأن لا يضطر إلى استخدام"الواسطة"لتسريع معاملته بدلاً من الوقوع في مستنقع الروتين والبيروقراطية.
إن ذلك، المواطن لن يهتم بالمسميات أبداً في الوزارات، ولن يهتم بالدمج والإلغاء، طالما أن الحال سيبقى على ما عليه.
أما التاجر والمستثمر، فذلك أمر اشد حساسية، فرجل الأعمال السعودي وحتى الأجنبي، أصبح شخصاً"مدللاً"من جميع الدول، تمتد إليه أذرع هيئات ووزارات وفرق عمل، مهمتها ليس فقط"جذبه"بل"تدليله"بينما نحن نعمل على"تنفيره".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.