اتفق المؤرخون على أن مشروع الملك عبدالعزيز، رحمه الله في توحيد البلاد، كان بمثابة معجزة بكل المقاييس. أولاً: عسكرياً: تطلب الأمر كفاحاً مريراً ومتواصلاً إلى أن تم توحيد البلاد وهدأت الفتن المحيطة بها. ثانياً: تنموياً واجتماعياً: دفعت أوضاع الجزيرة العربية المتردية في ذلك الوقت بخصوم آخرين شرسين، أعترضوا طريق الملك الموحد، ونعني بالخصوم الآخرين هنا الفقر والجهل والمرض. ثالثاً: إدارياً وتنظيمياً: لم يكن في يد الدولة الجديدة أي منهج إداري أو تنظيمي يستطيع أن يساعد على التخفيف من أعبائها أو يسهم في الأخذ بأسباب نموها، ولم يكن هناك أيضاً جهاز إداري واضح الملامح يدير الاقاليم التي توحدت للتو عدا شخصية الملك عبدالعزيز نفسه فقد كان هو المحور الذي تدور حوله وتنطلق منه التعليمات أو التوجيهات المسيرة للكيان الجديد. فباستثناء منطقة الحجاز لم يكن في نجد أو الأحساء سوى نمط واحد من الإدارة والمتمثل في أمير المنطقة أو حاكمها، وكان يوجد في كل مدينة أمير أو ديوان صغير يختص باستلام المعاملات وقاض ومأمور مالي. أما في الحجاز فعندما دخلها الملك عبدالعزيز العام 1343ه 1924 كانت هناك أنماط أدارية متداولة ولكنها قليلة ومتواضعة مثل الصحة والبلدية والأوقاف والقضاء. وأستمرت تلك الإدارات في أداء مهامها وأضاف إليها الملك عبدالعزيز "المجلس الأعلى لإدارة شؤون مكةالمكرمة" وهو مجلس يتكون من خمسة عشر عضواً يمثلون العلماء والأعيان والتجار، وكان اختص بأمور تنظيمية وتنفيذية، وهذا المجلس كان النواة الأولى لمجلس الشورى. ففي العام 1344ه 1925م أمر الملك عبدالعزيز بإنشاء هيئة استشارية مكونة من ثلاثة عشر عضواً كما أمر بانتخاب مجالس إستشارية في مكةالمكرمة والمدينة المنورةوجدة والطائف وينبع. وقامت الهيئة المذكورة بوضع التعليمات الأساسية للحكم والإدارة، وهي التعليمات التي وافق عليها الملك عبدالعزيز في العام 1345ه 1926م. وقد قسمت هذه التعليمات إلى تسعة أقسام: يختص الاول منها بشكل الدولة وعاصمتها ولغتها، والقسمان الثاني والثالث بشؤون الحكم والإدارة والنيابة، كما قسمت أمور البلاد إلى شؤون شرعية وداخلية وخارجية ومالية وعسكرية ومعارف عامة. ويتعلق القسم الرابع من تلك التعليمات بالمجالس الاستشارية، وهي مجلس الشورى، ومجالس الإدارة، ومجالس النواحي، ومجالس القرى، ومجالس القبائل، ومجلس الوكلاء الذي انشئ في العام 1350ه 1931م، بحسب توصية من لجنة التفتيش والإصلاح التي شكلت العام 1346ه 1927م لدراسة الجهاز الإداري في البلاد. أما الأمور العسكرية والخارجية للدولة فقد احتفظ بها الملك عبدالعزيز لنفسه، فدواعي المرحلة كانت تتطلب ذلك. أما أقسام التعليمات الأخرى فهي تتعلق بأمور تنظيمية وإدارية أخرى ليست محل بحثنا هنا. محطة تغيير في العام 1351ه 1932م، أخذت ملامح الدولة الجديدة تتحدد بوضوح أكثر وذلك كنتيجة حتمية لبعض الأحداث، وهي: إطلاق مسمى "المملكة العربية السعودية" على الدولة الموحدة، وكان ذلك بمثابة التأكيد على إكتمال مشروع الوحدة، وأصبحت الدولة الجديدة منذ ذلك التاريخ مهيأة للإنطلاق في ترتيب أوضاعها الداخلية والخارجية من النواحي السياسية والتنموية. ثم إختيار وحسم ولاية العهد، وهي نقطة مهمة كانت في البنية التنظيمية والإدارية وقد تم ذلك بعد سنة واحدة من إعلان المملكة العربية السعودية في العام 1352ه 1933م. وأثرت زيادة صادرات النفط، بعد اكتشافه وإنتاجه، حيث أنعكست المداخيل على تحسين الخدمات وتطورها في جميع مناطق المملكة الجديدة ومرافقها الحديثة مثل المستشفيات والمدارس والبريد والهاتف والطرق. إن هذا التطور الذي شهده قطاع الخدمات أدى بطبيعة الحال إلى استحداث إدارات جديدة، أي بعبارة أخرى إلى تطور التنظيم الإداري نفسه. حتمية التطور إن كل تلك المقدمة التاريخية كانت محاولة لإثبات وجود علاقة كبيرة إن لم تكن تأخذ الشكل الطردي بين حجم الدولة والظروف الداخلية والخارجية وحجم مداخيلها والخدمات التي تقدمها، والتنظيم الإداري والهيكلي لها للقيام بمهامها، وما الهيكلة والتنظيم الإداري الأخير إلا نتيجة حتمية. إن الدولة من الناحية القانونية والعرف والممارسة تتكون من ثلاث سلطات هي: التنفيذية، والتنظيمية أو التشريعية والسلطة القضائية. لقد كان الملك عبدالعزيز وهو يتفرغ للنهوض بدولته تتوافر لديه أجهزة إدارية قليلة ومتواضعة تضطلع ببعض المهام، لكنها كانت تغطي بعض الجوانب التنفيذية والتنظيمية والقضائية في بنية الدولة، وقد أخذت تلك السلطات في تطوير تكويناتها المحددة والمستقلة كلما شعر الملك عبدالعزيز بأن حان وقتها. مجلس الوزراء السلطة التنفيذية ونعني بها مجلس الوزراء، فقد كانت المدة الزمنية بين إعلان مسمى الدولة والذي أعقبه تعيين ولي العهد وبين انشاء أول مجلس للوزراء عشرين عاماً تقريباً. فقد تشكل أول مجلس للوزراء في العام 1373ه 1953م برئاسة ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبدالعزيز وعضوية وزراء الدولة الموجودين فعلاً وقت صدور المرسوم الملكي. فقبل قيام ذلك المجلس كان هناك عدد من الوزارات مثل: الخارجية، والمالية، والدفاع، والداخلية، والصحة، والمعارف، والزراعة، والتجارة، والمواصلات، إضافة إلى بعض المديريات التي تحولت في أوقات لاحقة إلى وزارات منها: مديرية الزيت والمعادن، ومديرية العمل والعمال. وكان إنشاء مجلس الوزراء نقطة انطلاق حيوية انعكست إيجاباً على وتيرة التنمية والتنظيم الإداري. ويمكن القول بأنها مثلت نقطة التحول في تاريخ السعودية الإداري، حيث تم الانتقال من نظام إداري متعدد بحسب عدد الأقاليم والنشاطات التي تمارسها الوزارات والأجهزة الحكومية المستقلة إلى نظام إداري موحد تشرف عليه سلطة عليا متمثلة في مجلس الوزراء. وأوجد هذا التحول "وحدة تنظيمية" وهي التي تعد شرطاً أساسياً في التعبير عن وحدة الدولة وأجهزتها ومسؤولياتها وسلطاتها. فالوحدة هنا، كما يؤكد خبراء الإدارة، هي الشرط الأساس والقاعدة الأولى للانطلاق نحو التكامل الوظيفي والبنائي لأي جهاز إداري. استمرار التطور وأنتقل الملك عبدالعزيز إلى جوار ربه وهو مطمئن على دولته التي بناها ورتب بيتها من الداخل، توحيداً وتنظيماً وتنمية. فأخذ الزمام من بعده أبناؤه الملوك رحمهم الله، سعود، وفيصل، وخالد، أما عهد الملك فهد فسيتم الحديث عنه لاحقاً باعتباره واحداً من أهم المحطات في تاريخ البلاد من الناحية التنظيمية الإدارية، ونعني به هنا: الأنظمة الثلاثة، وهي: الحكم ومجلس الوزراء، والمناطق، ومجلس الشورى. وفي عهد الملوك الثلاثة سعود، وفيصل، وخالد رحمهم الله استمر التطور والتحديث في عدد من الأجهزة والهيئات التي كان من أبرز مهامها التطوير الإداري. فقد تم التعاقد مثلاً - لغرض التطوير - مع مؤسسات أجنبية متخصصة وذات خبرة في مجال المساهمة في التطوير الإداري، مثل: بعثة البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومؤسسة فورد الأميركية التي ساهمت في تنظيم الجهاز الإداري في السعودية. ومن الإدارات التي استحدثت في هذا الجانب لغرض التطوير الإداري على سبيل المثال لا الحصر: معهد الإدارة العامة في العام 1380ه 1960م واللجنة العليا للإصلاح الإداري في العام 1383ه 1963م والإدارة المركزية للتنظيم الإداري في العام 1384ه 1964م. كما صدر في تلك الفترة عدد من الأنظمة منها على سبيل المثال لا الحصر: نظام الموظفين العام، ونظام المستخدمين، ونظام تأديب الموظفين، ونظام ديوان الموظفين العام. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل لحق التطوير والتحديث بمجلس الوزراء السلطة التنفيذية فكان أن نشأت وأستمرت حتى وقتنا الحاضر: ديوان مجلس الوزراء: وهو يمثل حلقة الوصل بين رئيس المجلس وأجهزة الدولة المختلفة. الأمانة العامة لمجلس الوزراء: وهي جهاز سكرتارية لمجلس الوزراء، ومن مهماتها إعداد أعمال مجلس الوزراء وترتيب أعمال اللجنة العامة لمجلس الوزراء، وإعداد قرارات المجلس. شعبة الخبراء هيئة الخبراء: وهي تختص بدراسة المعاملات المحالة إليها من رئيس مجلس الوزراء أو من نوابه أو من لجان المجلس، ومراجعة مشاريع الانظمة واللوائح المعدة من قبل الأجهزة الحكومية، وإقتراح الصيغ المناسبة لقرارات مجلس الوزراء التي تتضمن قواعد عامة. إنقلاب وزاري لم يمض عامان على صدور أنظمة الحكم الثلاثة، ومن بينها نظام مجلس الوزراء، إلا وأصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز قراره التاريخي في 7 ربيع الأول 1416ه آب/ أغسطس 1995م بحل مجلس الوزراء وإعادة تشكيله، ليكون التغيير والتطور الأول من نوعه منذ نحو 20 عاماً. وقد أسفرت الخبرة الإدارية الثرية لخادم الحرمين الشريفين في القيادة السياسية والتنموية عن تيار تنظيمي لجيل قابل للتفاعل مع التغيير، عبر سلسلة من الأنظمة التي طرحت بعد طول معالجة ودراسة وروية. هذا التطور التاريخي والخطوات التي تلته بعد ذلك إنما يعكسان الديناميكية والواقعية في التشريع والإدارة والتنظيم، ويجسدان ملامح عهد جديد يعتبر التغيير إحدى سماته، بحيث يهيئ البلاد أخيراً للتعامل مع المتغيرات برؤى جديدة تواكب متطلبات المرحلة. وكانت خطوة الملك فهد بن عبدالعزيز "جريئة وواثقة" بكل المقاييس، لا يجسدها فقط حل مجلس الوزراء وتشكيل جديد تطبيقاً لما نص عليه نظام مجلس الوزراء، بل أيضاً في التقاء الرغبة المشتركة في ضخ دماء جديدة للسلطة التنفيذية. ولا شك في أن النمو الواضح في الكفاءات والقدرات المهيأة من أبناء الشعب بدا واضحاً في ذلك التشكيل الجديد والذي كان من أهم ملامحه شمول التغيير جميع القطاعات الاقتصادية للدولة وهي: المالية والاقتصاد الوطني، والتجارة، والصناعة والبرق والبريد والهاتف، والزراعة، والعمل، والصحة، والنفط، والمواصلات. وشهدت تلك الوزارة دخول جيل جديد من التكنوقراط في مراكز اتخاذ القرار يتولى الاشراف على برامج التنمية بما يتسق ومضامين خطط التنمية، مدعوماً بوزراء ذوي خبرات تراكمية قدموا من رحم تلك الوزارات، وذلك حتى يصبح المجلس متناغماً ومتجانساً، ويبتعد عن الصبغة الأكاديمية. ومضت الأعوام الأربعة من الفترة التي حددها نظام مجلس الوزراء، وجاءت وزارة العام 1420ه 1998 وحدث تغيير بسيط في الحقائب منها: التخطيط، والحج، والعمل، والشؤون الإسلامية، علماً بأن وزارة المالية والاقتصاد الوطني شهدت تغييراً قبل ذلك التاريخ. وأستمرت عجلة التطور والتحديث، ومن هنا جاء إنشاء وزارة الخدمة المدنية لتتولى أهم ملف ألا وهو "السعودة". كما جاءت وزارة المياه لتتولى ملف واحد من أخطر الملفات وهي موارد المياه. التغيير من الناحية النظرية وكما جرت الإشارة سابقاً، فسيتم طرح موضوع التغيير والتنظيم والهيكلة الإدارية التي أعلنت بالتزامن مع إعادة تشكيل مجلس الوزراء في وزارة العام 1424ه 2003م. وبطبيعة الحال لم يكن الأمر مصادفة في ذلك التزامن، فالأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام استلم هذا الملف تقريباً منذ تشكيل وزارة العام 1420ه 1998م. ويعلم الجميع أن خطة الهيكلة لم تنته بعد، إذ يبدو واضحاً ومن خلال المعلومات المتوافرة أن هذه اللجنة الوزارية أنهت القسم الخاص ذا العلاقة المباشرة بالتشكيل الوزاري، أي التي لها علاقة بعدد الوزارات ومهماتها ومسمياتها. ولا يزال لدى اللجنة الكثير من الموضوعات، فالفريق المكلف بالتنظيم الإداري سيصدر قرارات لاحقة تختص بالآلية الفنية للتغييرات الهيكلية الجديدة، وتتناول القوى البشرية والوظائف الشاغرة والمشغولة، والممتلكات والجوانب المالية ومنها المخصصات الواردة في موازنة العام الجاري. كما يتوقع أن يكون تقليص العمالة في القطاع العام في تقديري الشخصي واحدة من القضايا محل الدراسة، علماً بأن الدولة حريصة على عدم الاضرار بالموظفين، ولكن يمكن أن يتم مثلاً إحداث تنقلات واسعة بين الموظفين من وزارة إلى أخرى بحسب الحاجة، أو أن يتم مثلاً إلغاء بعض الوظائف التي تقاعد شاغروها. ويبقى كذلك ملف الرقابة مفتوحاً أمام اللجنة الوزارية بما فيها ديوان المراقبة وجميع الأجهزة ذات العلاقة. وتبعاً لذلك، يمكن القول من الناحية النظرية، أن الهيكلة والتنظيم الإداري وإعادة تشكيل مجلس الوزراء جاءت في الوقت الذي بدأت الحكومة السعودية هيكلة اقتصادية شاملة تتواءم مع ما يحدث في العالم من تغيرات تفرض نفسها على جميع اقتصادات الدول، وليس السعودية فحسب. ولذلك، جاءت التغييرات في التشكيلة الجديدة في وزارات كانت تحتاج بالفعل إلى إعادة هيكلة في النواحي الإدارية والاستراتيجية ذات التأثير الكبير في النمو الاقتصادي. وليس الأمر في حاجة إلى الإطالة والإسهاب هنا، فقد تناول الكثير من الكتاب والمحللين أهمية التغيير، ونحن نقول مثلاً أن تغيير مسمى وزارة المواصلات إلى وزارة النقل ودمج عدد من المؤسسات تحت هذا الاسم الجديد يعتبر هيكلة مناسبة تستغل من خلالها الموارد المختلفة بطريقة فاعلة. وهو أمر بلا شك يعد توجهاً جوهرياً في سياسات الهيكلة الاقتصادية التي تواكب التطلعات المحلية والتغيرات العالمية. ونرى حمى الهيكلة في جانب آخر في إلغاء وزارات وضم أعمالها إلى وزارات أخرى، فقد الغيت وزارة الاشغال العامة والاسكان، والغيت الصناعة وضمت إلى التجارة. والاتفاق السائد حالياً بين معظم المتخصصين في فلسفة الدمج بين المؤسسات والوزارات الحكومية، أن الدمج يعتبر نمطاً مألوفاً وسائداً للتعامل مع البيئات الإدارية المختلفة التي تحكمها في كثير من الأحيان العوامل الخارجية والتي تفرض بل وتجبر على التكيف معها. وبذلك فإن الاندماج يعتبر عملية تنموية مهمة للتأقلم بحيث أصبح وسيلة دفاعية وهجومية إن صح التعبير، بل ويعتبره خبراء الاستراتيجيات تكتيكاً وخطة هجومية للتقليل من تكلفة التغييرات البيئية الإدارية الشائكة في عصر العولمة. وإجمالاً يمكن القول، أنه من الناحية النظرية، فإن الدمج بين الوزارات والقطاعات سيحقق فوائد اقتصادية عديدة هي: 1- تعزيز القدرات الإنتاجية. 2- تحقيق التكامل الاقتصادي. 3- تقليص المصروفات في النشاطات المتكررة. 4- المساعدة على حصاد الاستثمارات الناجحة قبل دخول المنافسين السوق. 5- تطوير وتقوية قنوات الإنتاج والتوزيع والتسويق. 6- توجيه الطاقات نحو تقديم أفضل الخدمات. 7- التقليل من الهدر الاقتصادي في وظائف وزارات لا تقبل الازدواجية. التغيير من الناحية العملية على أرض الواقع يجب أن نتحدث عن التغيير الهيكلي وإعادة التشكيل، وهنا نقف أمام جانبين مهمين: الأول، يتعلق بتأثيرات التغيير على أعمال الوزارات المندمجة ونعني بها آثار الاستغلال الامثل. أما الثاني، فيتعلق بآثارها على المتلقي النهائي ونعني به المواطن من رب أسرة، ومعلم، وطالب، وتاجر، وصانع. ففي الأول، يتوقع الجميع أن تحقق الهيكلة الإدارية الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمالية، إضافة إلى القضاء على إزدواجية بعض الاجهزة الحكومية. فعلى سبيل المثال، يمثل التشكيل الوزاري الجديد تخفيضاً لعدد أعضاء مجلس الوزراء بواقع أربعة أعضاء حيث خرج من المجلس تسعة أعضاء ودخله خمسة أعضاء جدد. وهذا بطبيعة الحال يمثل ترشيداً في الانفاق، كما أن إلغاء وزارتي الاشغال العامة والاسكان والصناعة والكهرباء، سينتج عنه ترشيد في الانفاق المالي وفي الموارد البشرية على الأقل في الوحدات الإدارية الاستشارية والمساعدة مثل: التخطيط، والتطوير، والشوؤن المالية والإدارية، والمتابعة، والعلاقات العامة. وواقع الحال يقول: إن الوحدات الأساسية في الوزارتين ستستفيد في تحقيق التجانس والتنسيق بين النشاطات، فليس الهدف النهائي هو الإلغاء، فالكهرباء ستنتقل إلى وزارة المياه، ووحدات الاسكان الشعبي ستنتقل إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ووحدات الاشغال العامة ستنتقل إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية. وبطبيعة الحال فإن من المتوقع أن تكون لهذه التغييرات انعكاسات إيجابية أيضاً على استثمار القدرات البشرية في الاجهزة الحكومية. فعلى سبيل المثال فإن وزارة الاشغال العامة والاسكان لديها الكثير من المهندسين والفنيين الذين يمكن استغلالهم في شكل أفضل في وزارة الشؤون البلدية والقروية التي بحكم مسؤوليتها ونشاطها في حاجة ماسة إلى هذه الكوادر. كما وأن وزارة المياه والكهرباء يمكن أن تستفيد من كوادر وكالة الكهرباء في وزارة الصناعة سابقاً، خصوصاً في الوظائف الاستشارية والمساعدة، على إعتبار أن وزارة المياه والكهرباء هي وزارة حديثة نسبياً. والأمر مثلاً ينطبق على تجميع النشاطات الثقافية التي كانت متناثرة هنا وهناك في عدة أجهزة وتركيزها في وزارة الإعلام والثقافة. والشيء نفسه في وزارة التعليم والتربية. لكن، وفوق ذلك كله، فإن المحك في كل ما سبق هو في أن تحقق الهيكلة عملياً وحدة المسؤولية والانسجام والتنسيق بين النشاطات ذات العلاقة. وكذلك تلمس آثار التغيير على المتلقي النهائي ونعني به المواطن من رب أسرة، ومعلم، وطالب، وتاجر، وصانع، فهؤلاء بكل بساطة شديدة لا يهتمون بآراء المنظرين من خبراء الهيكلة الإدارية والاستراتيجيات. ختاماً تحتفل اليوم الدولة حكومة وشعباً بيومها الوطني وسط تحديات كبيرة تواجهها المنطقة وإنجازات كبيرة حققتها المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حول مختلف القضايا الاقتصادية والثقافية والتربوية والتنموية، خصوصاً أن التنمية الشاملة التي تعيشها المملكة اليوم تكمن في العمل على ترسية دعائم شريعة الله والعمل بها في جميع شؤونها وبذل كل جهد لرفع مستوى المعيشة لتمكين المواطنين في جميع أرجاء البلاد من العيش برخاء وطمأنينة التي تنطلق من ركائز تنهض على التوحيد وشريعة الاسلام ونصرة الدعوة الاسلامية وإيجاد بيئة صالحة تعين الناس على الاستقامة وتحقيق الوحدة الإيمانية التي هي أساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافية والأخذ بأسباب التقدم وتحقيق النهضة الشاملة التي أمر الاسلام بها. ويجب علينا الوقوف بقوة في مهمة تصحيح المفاهيم الخاطئة والصور غير الدقيقة عن دور السعودية العادل في مواجهة الغزو ضد عقيدتنا وثقافتنا وفي الرد على الافتراءات والأراجيف ضد سياستها تجاه القضايا الاسلامية ومساعدتها اللامحدودة للشعب الفلسطيني في مواجهته للاحتلال الاسرائيلي ومحاولة أميركا تغيير قيادته بحجة إجراء إصلاحات شاملة في السلطة الفلسطينية. * مستشار قانوني.