ظل الصعاليك وظل شعرهم منارات مضيئة، وحديقة للضمير، وعنواناً لنمط من الحياة والتفكير، قلما يوجد ما يماثله في الأماكن الأخرى. لكن الأغنياء لا يمتلكون المال وحده، بل يملكون معه ومن خلاله القوة والنفوذ، وبالتالي القدرة على إعادة صياغة القيم والمفاهيم، وهكذا دفعوا إلى الخلف وحجزوا وراء ظل كثيف، الصعلكة كقيمة ومفهوم، ثم طاردوا الصعاليك واصطادوهم واحداً واحداً، أو أخرسوهم فكادت تتلاشى الصعلكة وكاد يندثر الصعاليك. في العصر الحديث، بعد منتصف الخمسينات، انتبه عدد من المثقفين إلى بعض ما يزخر به التاريخ العربي من أفكار وحركات وقيم، وكان بين ما استخرجوه من هذا التاريخ، الصعلكة شعراً وموقفاً وسلوكاً، فنفضوا طبقات الغبار السميكة وأزالوا الصدأ عن هؤلاء الشعراء ومواقفهم، وأعادوا لهم الاعتبار وعاد شعرهم للتداول وأصبحت أسماء بعضهم كالشهب.