السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    866 % نمو الامتياز التجاري خلال 3 سنوات.. والسياحة والمطاعم تتصدر الأنشطة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    تحت رعاية ولي العهد.. انطلاق أعمال المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار في الرياض    مدير المنتخب السعودي يستقيل من منصبه    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    مسرحية كبسة وكمونيه .. مواقف كوميدية تعكس العلاقة الطيبة بين السعودية والسودان    بحضور وزير الثقافة.. روائع الأوركسترا السعودية تتألق في طوكيو    وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    الأرصاد: انخفاض ملموس في درجات الحرارة على أجزاء من شمال ووسط المملكة    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    نهاية الطفرة الصينية !    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وكيل جامعة الملك سعود السابق رئيس برنامج رعاية الموهوبين الدكتور عبدالله النافع : الأهواء والاستعجال والتسلط والبيروقراطية قتلت برنامج الموهوبين
نشر في الحياة يوم 14 - 07 - 2005

الدكتور عبدالله النافع أحد عقولنا التي نفتخر بها... من يتتبع مسيرته العلمية والعملية لابد من أن يقف احتراماً له. هو من ذاك الجيل الذي أسهم في بناء مملكتنا الحبيبة, من خلال المجال التربوي في أشياء كثيرة... تطوير جامعة الملك سعود, وإنشاء برنامج لرعاية الموهوبين وتنمية الفكر بين أفراد المجتمع. مارس رسالته بعد أن تقاعد من العمل الجامعي، ومنح الميدان التربوي كل جديد ومبتكر.
التقت"الحياة"بهذا الهرم التربوي الكبير لتقف معه على جوانب عملية التربية والتعليم في السعودية ومكامن الخلل والتفوق فيها على حد سواء، الصراحة والوضوح كانا عنوان اللقاء عملاً بالحكمة القائلة:"خير الناس من صدقك لا من صدقك".
ماذا يسكن ذاكرتك من مراحل طفولتك؟
- ولدت في عام 1357ه في المدينة المنورة مع بداية تأسيس المملكة بعد توحيدها، وفي ذلك الوقت لم يكن النفط اكتشف بعد وكانت الأحوال الاقتصادية صعبة جداً. اتسمت طفولتي بالكفاح والجمع بين التعليم والعمل طلباً للرزق منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية. ومن أبرز الذكريات الآتي: توفيت والدتي وأنا عمري ست سنوات، وما هي إلا أيام حتى حضر خالي ومعه ابنته وعزى والدي في وفاة زوجته، وقال له:"أنا أحضرت ابنتي زوجة لك عوضاً عن أختي"، وتزوجها والدي بهذه البساطة بمهر رمزي من دون قصر ولا مهرجان أفراح، وعندما سألت والدي لماذا زوجك ابنته وهي صغيرة، قال إنه حرص ألا تأتي إمرأة غريبة فتسيء تربيتك.وما زلت أذكر أن معظم المنتجات المصنوعة في المدينة كانت صناعة وطنية، أي أنه كان هناك اعتماد ذاتي. فمثلاً، كان فرش بيتنا من السياج التي تغزلها والدتي ثم"خالتي"من بعد ذلك من أصواف الغنم والضأن والخصف من سعف النخل، والحب يطحن ويخبز في المنزل، والدجاج والأغنام تربى في الدار، فكل شيء كان متوفراً داخل البيت! الملابس تفصل وتخاط في المنزل، وحتى البيوت كانت تبنى من الحجر والطين بسواعد العمال السعوديين، بل إن التوسعة الأولى للحرم النبوي في المدينة المنورة كان العمال فيها سعوديون ومعظمهم من البادية، وكنا كأطفال نعمل"صبياناً"في كثير من الحرف، حتى أبناء الميسورين كانوا يعملون مثلنا تقديراً لقيمة العمل، وحينما كنت في المدرسة الابتدائية عملت"صبياً"عند صائغ لنفخ الكير لإذابة الذهب وتشكليه، كما عملت صبياً لدى بقال إلى أن تجمع لدي قدر من المال وساعدني والدي بمبلغ آخر افتتحت به بقالة للعمل فيها بعد المدرسة وخلال الإجازات المدرسية. وكنت مع ذلك أجد الوقت للعب مع الأقران والاستمتاع بلهو الطفولة البريء.
كذلك أتذكر طرق التعليم في"الكتاب"وهي متقدمة عن الطرق التي ندعي الآن أنها الطرق الحديثة في التربية، فقد كنا نمارس في الكتاب التعليم التعاوني، إذ يقسم الطلاب إلى مجموعات يتعلمون من بعضهم البعض، كل مجموعة من خمسة إلى ستة طلاب، عليهم عريف هو الأشطر والأقوى شخصية.
وكان الطلاب المتفوقون والموهوبون يميزون بمنهج وبرنامج خاص يختلف عن الطلاب الآخرين، ويكّرمون بالقراءة للحجاج، ويجلبون للكتاب تبرعات، ويعطى لهم جزء من ذلك، أليس هذا هو البرنامج الإثرائي لتعليم الموهوبين الذي ندعمه الآن؟
وهذا يؤكد لي أنه حصل لدينا انفصام في تطورنا التعليمي، فبدلاً من أن نطور هذه الممارسات بالأسلوب الحديث، أنكرناها ونسيناها ولجأنا إلى الغرب، وذهبنا إليه لنأتي بعد ذلك نحن المستغربون لنتحدث بها بمصطلحات إنكليزية على أنها التربية الحديثة التي نريد أن نطور بها تعليمنا.
ومن ذكريات الطفولة أيضاً عرفت أن الأرض كروية وأنها تدور، قبل أن أتعلم ذلك في كتاب الجغرافيا في المدرسة المتوسطة. ومن الأمور التي لا أنساها أنني عندما أنهيت المرحلة الابتدائية وأردت أن أدخل المدرسة المتوسطة، استشار والدي آنذاك أحد المشايخ، الذي أنكر عليه كيف يسمح لي بدخول المدرسة التي تقول إن الأرض كروية وإنها تدور وتعلم اللغة الإنكليزية لغة الكفار، وأشار إليه بإلحاقي بالمعهد العلمي السعودي الذي لا يعلم هذه الأشياء، ودخلت المعهد إلى أن تخرجت فيه في نهاية المرحلة الثانوية.
التعليم متعة
مارست التدريس في التعليم العام وفي التعليم الجامعي... أيهما كان أكثر متعة؟
- تجربتي في التدريس في التعليم العام محدودة، فقد عملت مدرساً للغة العربية بعد تخرجي في الجامعة لمدة عامين فقط، ثم رقيت مفتشاً فنياً وهو ما يسمى الآن مشرفاً تربوياً، وأتاح لي ذلك السفر إلى معظم مناطق المملكة والتعرف على نماذج عدة من المعلمين منهم المبدع والمنتج، ومنهم من يؤدي الحد الأدنى، وكانت تلك الفترة ممتعة ومفيدة لي وقد سجلت ذلك في مذكراتي التي أنوي إن شاء الله نشرها.
وبعد حصولي على الدكتوراه، مارست التعليم الجامعي في جامعة الملك سعود لسبعة وعشرين عاماً تراوحت بين التفرغ للتدريس أحياناً، والانشغال بالعمل الإداري أحياناً أخرى, وأعتقد أن التدريس في التعليم العام أكثر متعة لأن المعلم فيه يمارس التربية فهو نموذج وقدوة، وإذا مارس هذا الدور على حقيقته فسيشعر بالمتعة. أما التدريس في الجامعة فدور الأستاذ أكبر في تنمية العلم والمعرفة.
ما الفرق بين تعليم ما قبل الطفرة وتعليم ما بعد الطفرة؟
- الطفرة أفرزت فئتين في المجتمع"فئة استفادت من الطفرة استفادة مادية وكونت ثروة كبيرة، وأفراد هذه الفئة ربما أصبح مفهومهم عن التعليم أنه لا يمثل حاجة بقدر ما يمثل مكانة اجتماعية، أما الفئة التي لم تستفد من الطفرة استفادة مادية كبيرة فهؤلاء ما زالوا ينظرون إلى التعليم على أنه ضرورة لنموهم الاقتصادي والاجتماعي، وإن كانت هذه النظرة ربما تغيرت بعد زيادة نسبة البطالة بين المتعلمين واستمرارها في هذا الوقت.
الطفرة كذلك وفرت للدولة إمكانات للتوسع في التعليم وبناء مرافقه، إلا أن معدل النمو السكاني الكبير وسوء الإدارة في ترتيب الأولويات في التعليم أوجدا في الفترة الأخيرة تدنياً في مستوى التعليم وعدم قدرة على استيعاب الطلاب، خصوصاً في المرحلة الجامعية.
تأسيس الجامعة
تأسيس جامعة الملك سعود كان لك فيه مجهود كبير... هل لك أن تطلعنا على ملامح تلك المرحلة؟
- عندما عدت من الولايات المتحدة بعد حصولي على الدكتوراه، كنت ضمن الرعيل الأول من أساتذة الجامعة السعوديين، وكنا مجموعتين"مجموعة درست في الولايات المتحدة وتأثرت بنظام التعليم الجامعي هناك، ومجموعة درست في بريطانيا وعرفت النظام البريطاني. وقد تأسست جامعة الملك سعود على غرار الجامعات المصرية، وغالبية العمداء والأساتذة كانوا من مصر، والدراسة بالنظام السنوي. وكان الطالب يختبر في آخر العام، وإذا رسب في مادة واحدة يعيد دراسة المواد كلها، وكانت نسب النجاح متدنية ولا تصل أحياناً إلى 10% وكانت نتائج الاختبارات لكل كليات الجامعة تسجل في دفاتر الرصد، وتعرض لاعتمادها من مدير الجامعة. وكانت الجامعة تزخر بكثير من الأساتذة على قدر عال من العلم والمعرفة، ولكن المشكلة كانت في النظام الدراسي المتبع.
وقد ثرنا نحن القادمون الجدد على ذلك، خصوصاً خريجي التعليم الأميركي، وأتيحت لنا الفرصة أن نتولى عمادات الكليات ونصبح أعضاء في مجلس الجامعة ما مكننا من تغيير الاختبارات إلى نظام التقويم المستمر، وحولنا نظام الدراسة إلى نظام المقررات الدراسية، وأنشأنا عمادات للقبول والتسجيل ولشؤون الطلاب للعناية بهم، وأوجدنا مساكن للطلاب وأعضاء هيئة التدريس. وأخذنا المبادرة في إصدار نظام جديد للجامعة يعطيها قدراً أكبر من الحرية، وأن تكون مناصب رؤساء الأقسام وعمداء الكليات بالانتخاب، وكذلك الطلاب يعطيهم نظام المقررات حرية اختيار المواد والأوقات التي يختارونها والأساتذة الذي يدرسون معهم. وقد أتيحت الفرصة لي في تلك الفترة لأكون في قلب هذه التغيرات كعميد لكلية التربية، التي تزعمت هذه المبادرات، ثم أصبحت الأمين العام للجامعة ووكيلاً لها بعد ذلك.
الإنجاز الآخر الذي كان لي شرف الاسهام فيه هو التخطيط لمباني الحرم الجامعي في الدرعية، فقد كانت الجامعة في الملز في مباني مدارس، وجاءت الفرصة الذهبية في أوائل التسعينات الهجرية بعد الطفرة وتوفر الإمكانات المالية، فتم استثمار ذلك بالتخطيط للحرم الجامعي في الدرعية، الذي يعتبر بحق من أجمل وأفخم المباني الجامعية في العالم.
وقد كونا في ذلك الحين لجاناً من أعضاء هيئة التدريس في التخصصات المختلفة وزرنا معظم الجامعات المشهورة في العالم، واستقدمنا خبراء في غالبية مرافق الجامعة لنقتبس تصميم الأقسام، وحددنا الحاجات والتخصصات المختلفة.
واستغرق بناء الجامعة فترة من الوقت، وأسهم فيها الكثير من القياديين في الجامعة، ولكن الفكر الأساسي للتخطيط كان في المرحلة التي كنت أتشرف فيها بوكالة الجامعة وكانت من أمتع أيام العمل في حياتي، على رغم أني كنت أعمل معظم ساعات الليل والنهار.
جامعاتنا لا تواكب الطموحات
كيف ترى وتيرة مستوى التعليم الجامعي عندنا؟ وألا تشعر أنه لا يواكب التطلعات؟
- التطورات والتغييرات التي حدثت في مجتمعنا أسرع من إمكان الاستجابة لها من الجامعات، فالأعداد الهائلة من الطلاب والطالبات الذين يتخرجون من الثانوية كل عام لا تتمكن الجامعات الموجودة من استيعابهم، وإنشاء جامعات جديدة لا يتم بالسرعة المطلوبة بسبب بعض الإجراءات التنظيمية والإدارية. وبعبارة أخرى عقليتنا التنظيمية والإدارية وطريقتنا في اتخاذ القرارات تجعلان المشكلات تستفحل!
أذكر عندما كنا نخطط لجامعة الملك سعود، قيل لنا إن عدد الطلاب في الجامعة ينبغي ألا يزيد على 15 ألف طالب وإن مرافق الجامعة ينبغي أن تخطط على هذا الأساس، فقلنا إن الأعداد ستكون أكبر من ذلك، فقيل إذا زاد العدد على ذلك تفتح جامعات أخرى. الآن جامعة الملك سعود فيها ما يزيد على 50 ألف طالب وطالبة تستخدم المرافق ذاتها مع بعض الإضافات هنا وهناك، والأمر نفسه في الجامعات الأخرى. هذا من حيث الكم، الذي من دون شك يؤثر في المستوى والنوعية.
وبالنسبة إلى التخصصات الدراسية ومواكبة تطورات التقدم التقني وحاجة العمل، أشير إلى أنه من المعروف عن الجامعات أنها بطيئة في اتخاذ القرارات، فإذا أنشئ قسم أو تخصص ثم تبين بعد ذلك أن الحاجة إليه أقل وأن ما يدرس فيه قديم، فستكتشف أن من الصعب إلغاء أو تطوير هذا القسم لأنك أوجدت مراكز قوى من أعضاء هيئة التدريس يصعب تغيير عقولهم ومناهجهم.
ما العقبات التي تعوق أداء الجامعات في السعودية؟
- هناك عقبات كثيرة، لعل من أهمها أن الجامعات تفتقر إلى الحرية والإبداع والمرونة، فهي تعامل كجهات حكومية تطبق عليها النظم الإدارية والمالية والبيروقراطية ذاتها التي تطبق في الإدارات الحكومية الأخرى. الجامعات لا يمكن أن تتطور وأن تبدع وأن تنتج فكرياً وعلمياً إذا كانت تدار بهذه الطريقة.
والغريب أن منسوبي الجامعة، خصوصاً الذين يتولون المناصب القيادية ألفوا هذه الطريقة واطمأنوا إليها واعتادوها، فهم يتلقون التعليمات والإجراءات وينفذونها، ولا يأخذون مبادرات في شرح وجهة نظر الجامعة وطبيعة عملها. تصور مثلاً أن مشاركة أي عضو من أعضاء هيئة التدريس في المؤتمرات العلمية كانت إلى وقت قريب تحتاج إلى قرار من المقام السامي للموافقة على حضوره، وكذلك استضافة أستاذ زائر في الجامعة، واستصدار مجلة علمية لتخصصات الجامعة وإنشاء الجمعيات العلمية. لكن هذه الإجراءات خففت الآن بحيث أصبح وزير التعليم العالي مفوضاً بالموافقة، وقس على ذلك كثيراً من القضايا . في السابق، كانت هناك فرصة لأعضاء هيئة التدريس للمشاركة في ترشيح رئيس القسم وعميد الكلية وكان هذا يعطيهم شيئاً من التقدير المعنوي إلا أن هذا لم يعد متاحاً الآن.
ويمكن أيضاً أن نشير إلى أن مرتبات أعضاء هيئة التدريس تعتبر متدنية مقارنة بكادر المعلمين والقضاة والجيش، ما يجعل كثيراً من المتميزين منهم يبحثون عن أعمال إضافية خارج الجامعة متى أتيحت لهم الفرصة، وهذا من دون شك يؤثر في أدائهم في التدريس والبحوث العلمية والاهتمام بمستوى التعليم في الجامعة.
الاستثمار في الفكر التربوي أصبح لكل من هبّ ودبّ. ألا يزعجك هذا الأمر؟
- لا، لا يزعجني، فالفكر مثل منجم الذهب يخرج منه التبر والتراب وعليك أن تستخلص التبر من التراب. انظر مثلاً إلى الفكر التربوي في الولايات المتحدة، فيه الغث والسمين، فيه أفضل الجامعات والمدارس في العالم وفيه أردأ وأسوأ الجامعات والمدارس في العالم، ومع ذلك المتميز يفرض نفسه.
مشكلتنا أننا ربما لا نعطى الحرية للتمييز بين الجيد والرديء، فالقرارات تفرض علينا أحياناً من أشخاص لا يستطيعون التمييز أو لا يريدون أن يتبينوا.
برنامج الموهوبين
يشيع بعضهم أن وزارة التربية خذلتك في برنامجك الطموح عن الموهوبين. ما تعليقكم؟
- ألا تعرف الأثر المشهور في تراثنا"إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"؟ برنامج الموهوبين توافرت له أهم الأسس العلمية المطبقة في الدول المتقدمة وشهد بذلك أميز المتخصصين من المحكمين العلميين من حيث معايير التعرف والكشف عن الموهوبين وبرامج رعايتهم واستراتيجيات تعليمهم، ولكن الأهواء والاستعجال والتسلط وحب الدعاية والبيروقراطية وإسناد الأمر إلى غير أهله كلها تجمعت عليه فخذلته.
لماذا الموهوب مظلوم عندنا في كل المجالات؟ وما الجهة المسؤولة عنه؟
- الموهوب ليس مظلوماً عندنا في كل المجالات, فالموهوب في الكرة والموهوب في الغناء معزز مكرَّم. الموهوب في العلم والفكر والتقنية يحتاج إلى وقت وكفاح وجهد. وما دمنا نستورد الفكر والعلم والتقنية كما نستورد البضائع والعمالة، فلن نشعر بالحاجة إلى رعاية الموهوبين في العلم والتقنية والفكر.
مؤسسة الملك عبدالعزيز للموهوبين هل حملت الراية لنصرتهم؟
- نعم، مؤسسة الملك عبدالعزيز حملت الراية، ولكنها لم تقتحم بها معركة النصر بعدُ، إذ تنقصها الاستراتيجية والقيادة الميدانية والجند. ويجب على الإعلام ألا يصور لها إحراز النصر قبل أن تحققه.
لا بدّ للطالب من الدراسة 12 سنة لدخول الجامعة. أليس هذا ظلماً وإجحافاً بحق الموهوبين؟
- ليس هذا ظلماً، فالمساواة في الظلم عدل! والموهوبون أقلية، والديموقراطية في التعليم عندنا تعني حكم الغالبية، وجامعاتنا لا تقبل الطلاب حتى يبلغوا سن الرشد!
تعليم التفكير
هل مناهجنا قادرة على تنمية التفكير في طلابنا؟
- نعم، وكتبت مقالة علمية في مجلة"المعرفة"قبل فترة برهنت فيها، من خلال البرنامج الذي طبقه مركزنا بالتعاون مع مدارس الملك فيصل على المعلمين في المدارس، على أننا لا نحتاج أن ننتظر حتى تتغير المناهج، فهذا يحتاج إلى عقود من الزمن، ولكن ما نحتاج إليه هو تدريب متقن ندرب فيه المعلم على استراتيجيات تعليم مهارات التفكير وعلى إعادة صياغة محتوى المادة الدراسية وعلى إعادة صياغة مفهومه للتعليم وتدريبه على بعض سلوكيات التعامل مع الطلاب داخل الصف، ونوعية الأسئلة وكيفية استقبال إجابات الطلاب، وتزويده ببعض الآليات الإجرائية التي تمكنه من ذلك مع إعطائه قدراً من الحرية والثقة إضافة إلى الإشراف الهادف. ولدينا برنامج متكامل أعده خبراء متخصصون لتدريب المعلمين والمشرفين التربويين على تعليم مهارات التفكير ودمجها قي المواد الدراسية.
لماذا لا يقرر منهج تعليم التفكير على كل المعلمين في المملكة؟
- وزارة التربية والتعليم نفذت ذلك بإصدار كتاب"دليل تعليم مهارات التفكير"، ووزعته على المعلمين في المملكة ليدرسوه ويعلموا الطلاب على طريقة كتاب"كيف تتعلم اللغة الإنكليزية في سبعة أيام من دون معلم؟"وكتاب"كيف تكون مبدعاً في 30 دقيقة؟".
جديدنا فاشل
التجديد التربوي هل يجد طريقه إلى مؤسساتنا التعليمية؟
- نعم، ما أكثر التجديد التربوي في أروقة وزارة التربية والتعليم. طافوا العالم وأحضروا كل ما هو جديد لكنهم نسوا المدرسة المستأجرة التي لا توجد فيها دورة مياه أو ما يكفي من طباشير أو ورق.
خرجت مشاريع التجديد في التقويم الشامل لإصلاح التعليم الكامل. هناك أفكار كثيرة: المدارس الرائدة شديدة الفائدة، ووطن الكومبيوتر والكتاب الإلكتروني، وغيرها. بعضها ذهب كما جاء وبعضها لا يزال ينتظر وربما يحتضر.
لك بحث مهمّ عن دور المرأة السعودية في التنمية. هل تشعر أنها غير قادرة على ممارسة دورها كما يجب؟ وما أبرز العوائق التي تواجهها؟
- هذه دراسة وطنية أعددتها مع زميل آخر منذ سنوات بتكليف من الأمانة العامة لمجلس القوى العاملة، ووجدنا أن أهم العوائق هو صراع الدور الذي تشعر به المرأة في التوازن بين دورها كأم وزوجة ودورها كعاملة في المجتمع، وكيف توازن بين ذلك. والصراع الذي عبرت عنه كثير من النساء العاملات هو انشغال أذهانهن وهن في العمل بأطفالهن في المنزل عند الشغالة، وكذلك مشكلة المواصلات والاعتماد على السائق أو الزوج أو الأب أو الأخ. اقترحنا عدداً من الحلول العملية ولكن يبدو أننا أكثرنا البحوث عن المرأة ومشكلاتها ولم نشركها معنا في ما يخصها، ولم نعمل الكثير لتنفيذ بعض ما أوصينا به في تلك الأبحاث.
بعد هذا المشوار الطويل في الميدان التربوي, ما الذي لم تحققه، وما الذي ندمت على عمله، وما الذي تنتظر إنجازه لتكتب آخر سطر في سيرتك التربوية؟
- هناك الكثير من الطموحات والمشاريع العلمية التي لم أتمكن بعد من تحقيقها أو نشرها. الشيء الذي ندمت عليه هو أننا عندما أنشأنا البرنامج الوطني للكشف عن الموهوبين ورعايتهم في وزارة التربية والتعليم، تعرفنا على المئات من الطلاب الذين تتوافر لديهم استعدادات الموهبة وفي حاجة إلى الرعاية ولكن لم نتمكن من رعايتهم بسبب عدم توافر المعلمين وتفريغهم من الوزارة فشعرت بالأسى والندم على أنني بدأت عملاً لم يكتمل.
أرجو أن أتمكن في ما تبقى لي من عمر من إنجاز موسوعة متكاملة عن رعاية الموهوبين تتضمن الجوانب العلمية والتطبيقية، خصوصاً أن لديّ المادة العلمية لذلك، ولكن عملاً كهذا يحتاج إلى فريق، وقد تحدثت مع بعض المتخصصين وسنبدأ - بإذن الله - قريباً.
اكتشفت خطأ نظرية أستاذي ... بسبب هتلر.!
كان يدرسنا مادة علم النفس في الكلية، كجزء من التأهيل التربوي، أستاذ من أصل جزائري، وكان يؤمن بنظرية التحليل النفسي التي تقول إن أهم غريزتين توجهان سلوك الإنسان هما الغريزة الجنسية والغريزة العدوانية، وأن هاتين الغريزتين هما سبب المصائب التي تحل بالإنسانية، ولكي يخفف الفرد من غلواء غريزة العداء عليه أن يكون نباتياً لا يأكل إلا الخضراوات ويمتنع عن أكل اللحوم، ومنطقه في ذلك أن الحيوانات المفترسة هي الحيوانات آكلة اللحوم والحيوانات الأليفة هي آكلة الخضراوات.
وللتخفيف من غريزة الجنس، على الفرد اللجوء إلى الرياضة، خصوصاً السباحة والمشي. وقد تعلمت السباحة منذ ذلك الحين وأجدتها، وأصبحت ممارسة السباحة شبه يومية، إضافة إلى المشي.
أنشأ هذا الاستاذ، في ذلك الحين، جمعية نباتية انتسبت إليها، وكان لديه طباخ يجيد طبخ الأكل النباتي الذي أعجبني فأصبحت نباتياً إلى أن وقعت يدي على إحدى المجلات التي ذكرت أن هتلر كان نباتياً لا يأكل اللحوم، فأدركت أن نظرية أستاذي كانت خاطئة، فهتلر كان أكبر عدواني في تاريخ البشرية، وعدت إلى أكل اللحم.
ولكن حبي لعلم النفس والسباحة والمشي استمر. وعندما سافرت للدراسة في الولايات المتحدة، اخترت التخصص في علم النفس التربوي.
سيرة ذاتية
الاسم: الأستاذ الدكتور عبدالله نافع آل شارع المخلفي
رئيس مكتب النافع للبحوث والاستشارات.
المؤهلات العلمية:
- بكالوريوس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، جامعة القاهرة عام 1379ه/1959.
- ماجستير في علم النفس التربوي، جامعة إنديانا - 1386ه/1966.
- دكتوراه في علم النفس التربوي والتعليم العالي، جامعة أوكلاهوما في الولايات المتحدة 1389ه/1969.
الخبرات في المناصب الأكاديمية:
- عميد كلية التربية جامعة الملك سعود 1391 - 1393ه.
- الأمين العام لجامعة الملك سعود 1392 - 1393ه/1972-1973.
- وكيل جامعة الملك سعود 1393-1396ه/ 1973-1976.
- رئيس قسم علم النفس كلية التربية - جامعة الملك سعود
لفترات عدة: 1402-1404ه، 1405-1407ه، 1410-1414ه.
- مؤسس ورئيس برنامج الكشف عن الموهوبين ورعايتهم والمشرف العلمي وزارة المعارف 1416-1420ه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.