أسفرت مداهمة نفذتها الجهات الأمنية في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس في الثقبة في الخبر، في حي يعرف ب"أفريقيا"، عن إلقاء القبض على 20 رجلاً و44 امرأة، مخالفين لأنظمة العمل والإقامة في المملكة. وتم ضبط 50 حزمة"قات"في حوزة خمس سيدات يرافقهن أطفالهن. كما تم تحرير 164 مخالفة، واحتجاز 30 سيارة مخالفة. وشاركت في عملية الدهم الدوريات الأمنية والشرطة والمرور والجوازات ومكافحة المخدرات وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة إلى قوة طوارئ، تواجدت في الموقع، تحسباً لأي حدث. في بيوت هذه المنطقة ومساجدها وأزقتها وحواريها تربى مجاهدون، حملوا السلاح في جبهات عدة، أبرزها أفغانستان والشيشان، وفي مقدمتهم سامر صالح عبدالله السويلم أو"خطاب"، ما دفع أهلها الى إطلاق اسم"مدينة الشهداء"عليها، أي أولئك الذين قضوا في ساحات الجهاد. بيد أن للثقبة وجوهاً أخرى، تبدو متناقضة مع سمعتها ك"مدينة المجاهدين"، اذ يتردد بين الناس أن فيها ممنوعات كثيرة، وهذا ما حدا بالقوى الأمنية الى دهمها وضبط الممنوعات وتوقيف المخالفين. وبدأ الاستيطان في الثقبة قبل نحو ستة عقود، من خلال بناء بيوت من الصفيح، غالبية سكانها كانوا من موظفي شركة"أرامكو"والقطاعات الحكومية الأخرى، وكانوا يشكلون نسيجاً اجتماعياً متناسقاً في عاداته وتقاليده. أما اليوم فغالبية القاطنين فيها من جنسيات مختلفة، حتى باتت الأحياء مقسمة، وتحمل أسماء شعبية تتناسب مع جنسية غالبية سكان الحي، فهناك"حي أفريقيا"، وآخر"كيرلا"، و"بومباي". وغالبية الأجانب فيها من العزاب، الذين يستأجرون المنازل الشعبية، ويدفعون مقابل ذلك إيجاراً لا يكاد يتجاوز 800 ريال للشقة أو المنزل. كثرة الوافدين لكن توافد الأجانب إلى هذه المدينة وكثرتهم أثارت حفيظة الأهالي وشكوكهم حول مخالفتهم لأنظمة العمل والإقامة. ويقول فراج البيشي:"أصبحت الثقبة مرتعاً للمتخلفين من الجنسيات الأفريقية، إضافة إلى المخالفات التي يمارسونها". ويعتقد البيشي أن"بعضاً من هؤلاء يتولون ترويج الممنوعات". ويضيف"إنهم يستعينون بأطفالهم في مراقبة مداخل الحي ومخارجه، ويتضح ذلك أثناء دخول غرباء، فالأطفال يلعبون الكرة في تقاطعات الشوارع، ما يلزم السائق تهدئة السرعة، فيتم التعرف عليه قبل دخوله الحي". ولسيارات الأجرة الليموزين وضع خاص، فعند دخولها يوقفها الأطفال ويبدأون في مضايقة السائق. وإذا كان محظوظاً سيخرج"مسلوب المال". وإذا لم يستجب"فإن مصير نوافذ سيارته التهشيم، وغير ذلك من الاعتداءات"، على حد قول البيشي. وإضافة إلى"أفريقيا"يطلق أهالي الثقبة على هذا الحي مسمى"حارة المليون طفل"، لكثرتهم وانتشارهم في الشوارع والأزقة. ويضيف البيشي"معظم المتمركزين في هذا الحي يرافقون أحد المقيمين، الذين يحملون وثائق رسمية، ويفترشون الأرصفة المقابلة لمنازلهم، لكثرة عددهم". ويقول فياض العنزي:"إن الشوارع مليئة بالحفر، والأرصفة مكسرة، والحدائق مهملة، والأوساخ في كل مكان، ولا توجد في الثقبة حديقة مناسبة للأهالي، فهي مطوقة بسياج حديدي، وتستخدم لتجميع النفايات". وللمفحطين مواقعهم ويقول محمد الشمري:"كان البعض في شارع"العصارات" يشكلون عصابات لترويج ممنوعات، بيد أن الضربات الأمنية المتلاحقة قلصت من وجودهم". وتحول الشارع حالياً إلى ساحة لممارسة التفحيط وإجراء السباقات ومكان لتجمعات مشبوهة لشبان من الحي وخارجه، حيث تنشب المشاجرات في ما بينهم أمام البوفيهات. وهناك أسماء أطلقت على بعض"حواري"الثقبة، عبارة عن جملة، تشير إلى واقع الحي، فهناك حارة"مر ولا تزمر"وأخرى"لن نخسر، وإن خسرنا فسوف نموت". مشكلات العزاب لا تنتهي وأجبرت أوضاع الثقبة وما آلت إليه، معظم سكانها الأوائل إلى هجران منازلهم، والانتقال إلى أماكن أخرى، مثل الظهرانوالخبروالدمام، بعد قيامهم بتأجير منازلهم التي تقع وسط مساكن العوائل إلى عمال وعزاب. ووصف الشمري الثقبة ب"مدينة العزاب"، لكثرتهم. وقال:"إنهم يفضلونها لكثرة المطاعم ومغاسل الملابس وصالونات الحلاقة وغيرها من المحلات، إضافة لكثرة المباني التي تم تحويلها لشقق مفروشة، لا يسكنها إلا العزاب". ويقع منزل عبدالله القحطاني قرب شقق مفروشة يسكنها عزاب. ويقول:"أيام الأربعاء والخميس والجمعة لا أجد موقفاً لسيارتي بعد خروجي للتسوق، أو زيارة احد الأقارب والأصدقاء، إضافة للإزعاج الذي يحدثونه، نتيجة استخدامهم أبواق سياراتهم، وتجمعاتهم وتجولهم على الأرصفة أمام المنازل"، مشيراً إلى مساكن عمال المقاولين وسط الأحياء السكنية،"ما يسبب مضايقة الأهالي، وحداً من تحرك الأسر، خوفاً من المضايقات". وحيثما جال البصر هناك سيارة تالفة أو قديمة تتوزع على الأحياء، وأصبحت علامةً تميز الثقبة. ويشبهها علي الزهراني ب"مرتع للنفايات"، إضافة إلى وقوف الشاحنات والمعدات في الأراضي الفضاء داخل الأحياء السكنية. وطالب الزهراني مرور الخبر ب"وضع آلية للحد من هذه الظاهرة". "حريم بلازا"وروائح الدجاج ولا تقتصر الفوضى والعشوائية على الأحياء السكنية، فالوضع في منطقة السوق لا يختلف كثيراً. كما يرى فهد الشمري صاحب أحد المحلات. ويقول:"سوق الثقبة من أنشط الأسواق التجارية في الشرقية، بسبب رخص الأسعار وتنوع البضائع وكثرة مرتاديه من داخل الشرقية وخارجها". ويشير الشمري إلى ان وجود الشقق المفروشة وسط منطقة السوق ساهم في سهولة الوصول إلى المنطقة التجارية. واشتهرت الثقبة ب"سوق الكويت"، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من عقدين، وتم تحديثه أخيراً. ولم يغفل الشمري السوق النسائي الشعبي، الذي يُطلق عليه"حريم بلازا"، المكون من"بسطات". ويضم عدداً من المستلزمات النسائية ومواد"العطارة"، بيد ان هذا السوق يعاني ملاصقته لمحلات بيع الدجاج الحي، ما أدى إلى وصول الروائح الكريهة إلى السوق. وأبدى عدد من المواطنين تذمرهم من"الطريقة العشوائية، التي يتم استخدام الشوارع بها، وطرق الوقوف الخاطئة المسببة للاختناقات المرورية، وغياب المرور عن هذه المنطقة، إضافة إلى إهمال البلدية شوارع السوق وأرصفته". "التمبول الهندي"وعصابات النشل وفي سوق الخضار تلفت محلات بيع"التمبول الهندي"، نظر المارة، وهذه المادة يتم مضغها والتخلص منها من طريق"البصق". ويقول محمد الشمراني، وهو يمتلك أحد تلك المحلات:"تسكن معظم العمالة الوافدة في منطقة السوق والمناطق المجاورة لها. وهم يتجمعون في محلات بيع"التمبول الهندي"، بدليل وجود إعلانات عنها باللغة الهندية والأردو على واجهات المحلات". ويشير الشمراني إلى ان"هذه التجمعات تشكل عصابات لنشل مرتادي السوق والمصلين في المساجد المجاورة للسوق". أما شارع مكة فيشتهر في محلات بيع زينة السيارات، وتكثر فيه عمليات السرقة والنشل، التي تتم بواسطة أشخاص مترجلين أو يركبون دراجات نارية. ويقول حمد الزعبي، أحد أهالي الثقبة:"يحضر معظم اللصوص إلى هذا الشارع، لكثرة المتسوقين فيه، وصغر مساحة الأرصفة والأزقة، التي يتسلل من خلالها اللصوص بعد نشلهم المتسوقين أثناء سيرهم". وتتقاسم 10 مطاعم أحد شوارع المدينة، حتى أطلق عليه"شارع المطاعم". وتكتظ بالمرتادين، خصوصاً خلال فترتي الغداء والعشاء. ويفسر مصطفى أحمد، بائع في إحدى المطاعم، أسباب الزحام"لكثرة العزاب الذين يقطنون المنطقة". ويقول:"إن الأرباح التي يحققها مطعمنا في الثقبة توازي دخل المطاعم الخمسة الموزعة على باقي المحافظات". الشرطة : الحي مراقب ولا وجود للمخدرات والخمور أكد مصدر في شرطة المنطقة الشرقية ل"الحياة"أن"حي الثقبة يخضع لرقابة أمنية مشددة". وقال:"لم تغفل عنه الجهات الأمنية، وغالباً ما يكون وراء المشكلات والجرائم في الحي عمالة وافدة وغير نظامية، خصوصاً العمالة الأفريقية، وكان للوجود الأمني فيه دور في الحد من تزايد المشكلات". وأضاف المصدر"شهد الحي في فترة سابقة عدداً من الحوادث الجنائية، تمثلت في تكسير سيارات مواطنين، وسرقتها، إضافة إلى سرقة منازل. وتمكنت شرطة محافظة الخبر من القبض على مرتكبيها في وقت زمني قصير، وغالباً ما يكون وراء هذه الحوادث صغار في السن". ونفى المصدر ما يشاع عن انتشار واسع للمواد المخدرة والخمور في غالبية شوارع الحي، أو أنها وصلت إلى درجة الظاهرة. واستشهد في هذا الصدد بالحملات والمداهمات التي تقوم بها الجهات الأمنية في بعض المواقع. وقال:"لم تسفر عن شيء من هذه الأمور". دراسة تؤكد تميز موقع الثقبة... وتنبه إلى الأخطاء أثبتت دراسة أجريت في جامعة الملك فيصل، تميز موقع حي الثقبة. فهو يربط بين جسر الملك فهد المؤدي إلى البحرينوالخبروالدمام. كما أنه طريق للعابرين من الرياض والجبيل والقطيف إلى البحرين. فيما يتميز بوجود مراكز حكومية، مثل الشرطة والمرور والبلدية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومبرة الإحسان الخيرية ومركز صحي، ونحو 36 مدرسة للبنات والبنين. وتكمن أهميته في عدد سكانه، حيث يشكل ما نسبته 15 في المئة، من عدد سكان حاضرة الدمام. وأكد آخر تعداد سكاني أن عدد سكان الثقبة وصل إلى ما يقارب 251 ألف نسمة من مواطن ومقيم. كما أشارت الدراسة إلى أخطاء في تركيبة الثقبة، حيث تتداخل فيها المستودعات ومساكن العزاب والعوائل، وانتشار المباني الآيلة للسقوط والشوارع غير النظيفة، التي تعاني تصدعات وتشققات وتجمعاً لمياه الأمطار، إضافة إلى ارتفاع نسبة المباني الرديئة، واختلال توزيع استعمالات الأراضي ونقص في الخدمات والمرافق العامة، كماً ونوعاً. ونبهت الدراسة إلى بروز ظاهرة النزوح والإحلال، نظراً إلى استمرار تدهور الأوضاع العمرانية من خلال نزوح عدد من سكان الحي إلى أحياء جديدة، ما يؤدي إلى إحلال سكان أجانب من ذوي الدخل المحدود. ورصدت"الحياة"في الثقبة مباني كثيرة آيلة للسقوط وأخرى مهجورة تمتلئ بالأوساخ، وشوارع تعاني تصدعات كبيرة، إضافة إلى وجود حدائق غير مستغلة. ويطالب السكان ب"فك الازدحام في الشوارع من خلال جعل شارع مكة مساراً واحداً ليصبح مخرجاً على غرار شارع الملك سعود في الدمام، وجعل شارع الرياض مدخلاً إلى الحي، ما يساهم في فك الازدحام". وتعد الثقبة إحدى مدن محافظة الخبر، ويحدها من الغرب طريق الملك فهد الجزائر المؤدي إلى العزيزية والبحرين، وشرقاً طريق مكة وحي"البايونية"في الخبر، وشمالاً شارع الظهران، وجنوباً المنطقة الصناعية ومنطقة الإسكان.