بدأت كالمعتاد، أعداد الشبان الذين يرتادون المساجد لأداء الصلاة في جماعة تتزايد في الآونة الأخيرة، خصوصاً في صلاة الفجر. وألقى قرب موسم الامتحانات النهائية بظلاله على جميع مناحي الحياة، فبدأت أعداد الحريصين على قضاء نهاية الأسبوع في المتنزهات وساحات البر وأماكن الترفيه المختلفة تشهد تناقصاً ملحوظاً وصل إلى حد المقاطعة الكاملة من جانب بعض الأسر، وذلك لحصر المنهج الدراسي ولملمة ما فات منه تحصيلاً ودراسة استعداداً لأداء الامتحانات النهائية في جميع الصفوف في التعليم العام والتعليم العالي. وتحرص أعداد كبيرة من الطلاب على المحافظة على أداء صلواتها في شكل منتظم في جماعة في المساجد تقرباً لله تعالى، وطلباً للعون والمساعدة في تلك الأيام التي تمر ثقيلة ومفعمة بالقلق على معظم الطلاب أياً كان تصنيفهم، ولكل غاية ومآرب يأمل من الله أن يحققه. ولا يقتصر الأمر على أداء الصلاة المفروضة، بل يتعداها إلى الحرص على النوافل أيضاً. ويساعد على ذلك وجود الطلاب في البيوت وطول فترة الجلوس والسهر لوقت متأخر في الاستذكار والمراجعة، ما يشجع الكثير منهم على الدلوف مراراً إلى المسجد كسراً لرتابة الفترة وتنشيطاً لقدراتهم البدنية والذهنية، بما يجدد نشاطهم ويدفعهم إلى العودة على نحو أفضل فيما شرعوا فيه. ويضفي لقاء الزملاء من الصف نفسه أو من صفوف أخرى وتجاذب الحديث على نحو سريع ومقتضب نشاطاً وحماسة إضافية لدى البعض الآخر. بيد أن هناك فئة من الشبان، خصوصاً الجامعيين منهم، تلتزم في تلك الأيام طقوساً أخرى دأبت على اتباعها كل عام في محاولة من جانبها للحد من رغبتهم المتواصلة في الخروج. وأبرز هذه الطقوس حلاقة الرأس بالموس، ولو من باب التفرغ للمذاكرة بسببب ضيق الوقت عن الاهتمام بالمظهر الشخصي. يشجعهم على ذلك أجواء الحر التي بدأت زحفها في شكل سريع. وعلى النقيض من ذلك، يرى البعض في فترة الامتحانات فرصة لإطلاق الشعر واللحى، ما يضفي عليهم سمة التفرغ الكامل للمراجعة والانشغال التام حتي ليخال للمرء عند رؤية أحدهم أنه خرج للتو من المقبرة. وتنشط في تلك الفترة بعض الأعمال ذات العلاقة بشكل أو بآخر بالامتحانات. فيزداد الطلب على الوجبات السريعة من خلال الطلب عبر الهاتف هوم ديليفري، حفاظاً على الوقت الثمين الذي تفلت من قبل من دون أدنى شعور به آنذاك. ويروج عمل مكاتب خدمات الطالب، التي تسابق الزمن قبل أن يطبق عليها صيف مميت يمتد أكثر من أربعة شهور، يساعدها في ذلك حمى التصوير التي تجتاح الطلاب، خصوصاً المتوترين منهم، في محاولة يائسة أحياناً لتدارك ما ضاع، ناهيك عن طلاب آخرين فاشلين يدفعون الغالي والنفيس لتصغير بعض المذكرات لعل وعسى أن يجدوا سبيلاً لاستغلالها في شكل غير مشروع. على الجانب الآخر، تشهد أسواق الملابس والأجهزة حالاً من الركود الموقت لانشغال الأسر مع أبنائها وملازمتهم طوال الوقت لشحذ هممهم للمذاكرة. ويشحن الكتاب والصحافيون بطاريات مدافعهم ليبدأوا عقب انتهاء الامتحانات في اطلاق نيرانهم المتكررة على النظام التعليمي العقيم، وأسلوب الترشح للجامعة الذي لا يراعي رغبات الطلاب وأماكن إقامتهم، ومخرجات التعليم التي لا تفي بمتطلبات السوق، والمناهج التي تعتمد على الحفظ والتلقين ولا تركز على الفهم والابداع...، وكما يقول الشاعر:"مصائب قوم عند قوم فوائد"، هكذا هي فترة الامتحانات عاماً بعد عام، ولا يعني هذا أننا سنكف عن الكلام المباح مادام سيتكرر مرة تلو الأخرى، فما هي إلا أيام ويبدأ النقاش السنوي الممل:"كيف يستفيد أولادنا من الإجازة - عفواً - العطلة الصيفية؟".