قلما تشهد الساحة الاقتصادية السعودية عمليات اندماج او إعادة هيكلة لمنشآت تعمل في القطاع ذاته، بل ان عمليات الاندماج نادرة جداً في تاريخ المنشآت السعودية التي سجلت اندماجين شهيرين ربما خلال عقدين من الزمن، الأول تبنته الحكومة وكان لدمج شركات الكهرباء العشر في المناطق في شركة واحدة ولم تحدث خلاله أي مشكلات تذكر، والآخر كان عملية دمج على مرحلتين حين دمج"بنك القاهرة السعودي"مع"البنك السعودي التجاري المتحد"تحت اسم الاخير، ثم دمج البنك الناتج مع"البنك السعودي الاميركي"المعروف حالياً باسم"سامبا"وهي العملية التي شهدت في خطواتها الاولى بعض المشكلات الصغيرة للموظفين والتي تمت تسويتها بسرعة وفاعلية. واليوم تشهد السعودية عملية دمج من الحجم الكبير بين ثمان من المؤسسات المصرفية التي قررت الحكومة ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي ساما تحويلها الى مصرف واحد بعد مخاض طويل ما زالت آثاره ملموسة إلى اليوم على رغم تأسيس المصرف وتداول اسهمه في السوق. ولعل قضية انتقال او"اعادة توظيف"منسوبي المؤسسات الثماني في المصرف الجديد هي الاكثر شهرة هذه الايام مع وجود خلاف بين بعض المؤسسين وإدارة المصرف على من يدفع مستحقات الموظفين عن سنوات عملهم السابقة... المصرف الجديد ام المؤسسة القديمة؟ المنطق الاجتماعي يرى ان تصفي المؤسسات القديمة مستحقات موظفيها على اعتبار انها كانت المستفيد من خدماتهم طيلة فترة عملهم السابقة، بينما منطق السوق يعتبر ان المصرف الجديد سيستفيد من خبراتهم وتجاربهم، فضلاً عن انه يتحمل في شكل او في آخر تبعات الاندماج حتى لو اعطي طابع التأسيس"نظرياً"فهو"عملياً"اعطى لهؤلاء المؤسسين حصصهم في مقابل اخراجهم من السوق، والحصول على عملائهم، وأرصدتهم وموظفيهم اصحاب الخبرة والدربة. خلافات المؤسسين مع ادارة المصرف فتحت من جديد ملف ضعف ثقافة الاندماج في الوسط الاقتصادي السعودي، وضعف الالمام بمعايير ومقاييس اعادة الهيكلة، وهذه الاخيرة تعانيها اكثر من شركة في اكثر من قطاع، إذ يتيح لها القانون التخلص من العمالة الزائدة عند اعادة الهيكلة، بينما يرفض المجتمع والاعلام هذا التصرف على اعتبار المثل الدارج"قطع الاعناق ولا قطع الارزاق". ويعتقد بعض القانونيين السعوديين ان خلاف"البلاد"الاخير مع مؤسسة الراجحي التجارية يعود في المقام الاول الى عدم وضوح نصوص قرار التأسيس الذي فرض انضمام الموظفين الى"الكيان الجديد"لكنه لم يحدد لفظياً كيفية احتساب مستحقاتهم عن سنوات الخدمة الماضية، ومَن سيتحملها من الطرفين. ويجيب محام معروف في العاصمة الرياض عن سؤال"الحياة": لماذا برزت وتصاعدت هذه المشكلة خصوصاً مع مؤسسة الراجحي من دون بقية الشركاء؟ بقوله:"السبب يعود - من وجهة نظري - الى كبر حجم المؤسسة وارتفاع عدد موظفيها، الامر الذي يجعل مستحقاتهم تصل الى ملايين الريالات، بينما معظم الشركاء الآخرين لا يملكون فروعاً كثيرة وبالتالي فإن اعداد موظفيهم صغيرة جداً قياساً ب"الراجحي"ولذا أمكنت تسوية أوضاعهم بسهولة ومرونة من الجانبين. ويزيد المحامي الذي طلب عدم ذكر اسمه ان القضية ستنتهي قريباً"وأتوقع ان تفصل مؤسسة النقد قريباً في الامر بالتشاور مع وزارة العمل وأن يصبح قرارها ملزماً لجميع الاطراف". ويبدو ان اجتماعات سرية ومكوكية تدور بين المؤسسة والمصرف وراء الكواليس، اذ تعتبر المصادر المصرفية الخلاف متوقعاً، وتؤكد في الوقت ذاته ان بنك"البلاد"لن يباشر اعماله المصرفية للجمهور قبل ان يقفل جميع الملفات العالقة، ومنها ملف الموظفين السابقين في المؤسسات المندمجة، وربما توصل الاطراف الثلاثة الراجحي والبلاد والموظفين الى"تسويات خاصة"لبعض الحالات التي يحتاج إليها الكيان الجديد، وتسوية عامة لبقية الموظفين ترضي جميع الاطراف. ولعل الفائدة التي يجنيها الاقتصاد السعودي من هذا الخلاف هي التأسيس لثقافة جديدة في ما يخص الاندماج بين الشركات إذ ان السعودية مقبلة على منافسة شديدة يؤكد معظم المراقبين انها ستفضي الى اندماجات كثيرة سعياً إلى ولادة منشآت عملاقة تنافس القادمين إلى الساحة المحلية عبر بوابة منظمة التجارة العالمية.