قد يظن المرء أن العراقيين قد تخلصوا من تبعات وأثار العهد البعثي، فكل ما هو نقيض لحريتهم المسلوبة في عهد صدام فانه سيصبح من أركان حرياتهم المنشودة، وسيحظى باعتباره أولوية من الأولويات في عهد ما بعد صدام. وعلى رغم ان صدام قد وزع ظلمه على الجميع الا انه قد أصبح عند بعض الأطراف مطلباً وطنياً تسير له بعض المظاهرات كما شاهدنا في ذكرى يوم ميلاده أو عند بث لقطات من محاكمته، وكل ذلك فقط استفزازاً لأطراف أخرى. ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فمثلاً طلع علينا علي السعدي في مقاله المنشور في "الحياة" بتاريخ 17 صفر 1426ه ب"استراتيجية مزعومة" للمرجع علي السيستاني، كان المقال تطبيلاً وتزميراً لا يختلف عن تطبيل التلفزيون العراقي لصدام، فالمقارنة في "استراتيجية السيستاني"، كما زعم كاتبنا لا يجوز ان تستنفد أو تحرق، وكأن قتل العراقيين على يد الجنود المرتزقة والأميركان أمر هامشي لا ينبغي الالتفات إليه، وكما حبس النساء والاعتداء عليهم في مسجد ابي غريب، كما جاء في شهادة كل من خرج هذا السجن وآخرها كهل مصري يعمل سائقاً وقد عرضت شهادته على قناة "عين الأوائل" لا تلقى آذاناً صاغية، ولعل هذه الاستراتيجية تلقى آذاناً صاغية من الحكومة العراقية الموقتة، فقد توجه وزير الصناعة والمعادن هاشم الحساني إلى المنطقة الخضراء لحضور احد الاجتماعات، لكنه فوجئ بمنعه من الدخول، وعندما احتج على ذلك لاحظوا انه احتج بالطرق السلمية لكمه جندي على وجهه، ولأن الحساني ملتزم بالاستراتيجية فانه يؤكد ذلك في قوله: "اجل لقد لكمني الجندي، وكنت لطيفاً معه، واستمررت في الحديث معه، لكنه استمر في لكمي"، إلى ان قال "ولكننا سيطرنا عليه بالحكمة "ويخيل إلي من العبارة الأخيرة انه آثر الا "يوسخ" يده بضرب الجندي فاشتكى إلى الشرطة العراقية! يالها من حكمة، وما أجمل هذا التطبيل! ومن مخلفات العهد البعثي، ما نراه على فضائية العراقية في برنامجها الشهير "الإرهاب في قبضة العدالة" فكل المعتقلين نادمون على أفعالهم، وكل المعتقلين لهم النمط نفسه في الإجابة التي تشبه المتلقين والتسميع، وكلهم قد اغتصبوا وقتلوا أبرياء وشربوا الخمر، والمشكلة لا تقف عند هذا الحد، لكن الأطرف انهم فعلوا ذلك أي الاغتصاب والقتل بدافع الجهاد في سبيل الله، ولا يوجد أي دافع لأحدهم لكونه مجرماً منحرفاً، بل كلهم أراد الجهاد" ويبدو ان سجونهم خالية من أي شخص اختار المقاومة وحصر أهدافه في الأميركان ومن ناصرهم، ولم يقتل أي مدني، وهذا يجعلني أتساءل: هل الحكومة العراقية المؤقتة "بعثية بلا صدام"؟! أنس بن محمد زيدان - الرياض