نظم نادي الرياض الأدبي مساء الإثنين المنصرم، أمسية شعرية شارك فيها الشاعران سعد الهمزاني ومحمدعابس. بدت الأمسية من أول وهلة مغايرة لجملة الفاعليات الأدبية، بما فيها الأمسيات الشعرية التي سبق للنادي تنظيمها خلال السنتين الأخيرتين، الأمر الذي طرح تساؤلاً حول توجه النادي للانفتاح أكثر على التجارب الجديدة من شعر وقصة ورواية. ولعل ذلك ما أكده سكرتير النادي صالح المحمود الذي أدار الأمسية. بعد تقديم مدير الأمسية الشاعرين، تناوب الهمزاني وعابس إلقاء نصوصهما، لوقت غير قصير. وفي حين بدا صاحب"جد سابع للصمت"وفياً لقصيدة النثر وحدها من خلال النصوص التي ألقاها، تجول صاحب"الجمر ومفارش الروح"في أنواع شعرية مختلفة من عامودي إلى تفعيلة وانتهاء بقصيدة النثر. طبعت الصور الشعرية المركبة التي تستدعي غرائبية الصورة السيريالية من دون أن تكونها نصوص الهمزاني، إلى جانب طرحه لهموم شديدة الوطأة على روحه، التي ما برحت تعتبر الشعر ملاذاً أخيراً من قسوة الواقع. كما جاءت نصوصه بعيدة من الغنائية، حتى في أكثر أشكالها تماسكاً وانشداداً وشفافية، لا لأنه يكتب قصيدة نثر، إنما لأن الرؤية الشعرية التي ينطلق منها، تتطلب هذا الحضور لتلك الشعرية التي لم يتجاوب معها الحضور، باستثناء بضعة أشخاص. فيما جاءت نصوص عابس، في اختلاف أنماطها، أقرب إلى القصيدة التي تجهد في مد جسور مع المتلقي، سواء بشفافية النص وعدم ذهاب الصورة الشعرية لديه إلى التعقيد المفرط، أو بتنوع الحالات التي تعبر عنها قصائده، وكذلك المناخات المكانية والزمانية التي تحضر في نصه في شكل واضح. بدا عابس أكثر احتفالاً بالشعر وبالحضور، أكثر احتفالاً من الحضور نفسه بالشعر، كان مبتهجاً يطلق تعليقاته اللطيفة، قبل كل قصيدة يقرأها. لم تتميز الأمسية بحضور كبير، إذ كان الحضور القليل نفسه في كل فاعلية، عدا مجموعة من الإعلاميين، التلفزيونيين خصوصاً... وجاسر الجاسر، الذي بدا واضحاً أنه لم يدخل بوابة النادي، إلا لتحية الشاعرين، وبعكس الإعلاميين الذين انصرفوا تباعاً خلال الأمسية، بقي الجاسر يستمع إلى الهمزاني وعابس حتى لحظة انتهائهما، إضافة إلى بعض الأدباء الذين يمكن رؤيتهم في أمسيات النادي وندواته، مثل الروائي إبراهيم الناصر والقاص حسين على حسين، وسواهما. مختارات من نصوص الأمسية "لم جعلتني أركض يا أبتي ركض المرأة/ كلما فر منها العقل/ تمهلت ألف ميل/ حتى أنني من الشاهقات/ فأنبو عن الأرض/ قبل أن تفلتني زفرتك/ كأنني سيف/ وأنت قتيل/... القوس هموز/ وأنت تقيد السفح براحة السيف/ وتطلق نحري لباطن أمرك/ وإذا يتواتر ظهري إلى العصر/ يبطل النبل/ ويتمطى الحبل"."كنت سأعتذر إلى الصيف/ ولولا أني دسست النار/ في البرقع/ لأجفلت/ وهي تعدو/ تساقطت في باطن الطيف/ مناديلها الحجرية/ وكما الدواء تحب الظهيرة في السيارة الموصدة/ أن تخرج/ لكن الخلاء دخان أعرج اللون/ خطواته إلى حاسة المساء خطأ/ يصيب العين/ كنت سأعتذر إلى الصيف/ فمن الجدار ينحت صباحه/ ومن الفراغ يحترق جلده/ ومن باب خلفي تخرج السياحة/ لا إلى بلد تحيض أقماره/ أو بحيرة لأنها سطعت في جمجمتي/ يذرفها طائر/ بل إلى القميص تعيد إليه جثة البائع...". مقطعان من قصيدة"ركظى المرآة"و"تلتئم كنافذة"للهمزاني. "العشق في مدينتي أنشودة الضياء/ والعشق في مدينتي أكذوبة النساء/ وفي مدينتي تغرد الصور/ تدوزن المساء والقمر/ تصيح بالقريب، متنح الغريب/ تماطل الطيور والحبور/ وترسم الوعود نجمة تدور... ولا سماء/ الوقت في مدينتي تزفه الدفوف/ وتلتقي في قتله سلالة الكفوف/ وفي مدينتي يسافر الخضوع/ وألف بسمة تجوع/ وطفلة لا تفقه الكلام/ تعلم الكتابة الحمام". "الوقت لا يشتهي صلحي ورضواني/ أتيته باحثاً عن سر عدواني/ عن الدواعي لغزو القهر شطآني/ أتيته والعنا في نبض ألحاني/ وفي فؤادي لهيب زاد إيماني". مختارات من قصيدة"مدينتي الجديدة"و"الوقت"لعابس.