سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
دراسة تحدد خط الفقر عند 2060 ريالاً ... وإحدى الجمعيات تنفق على 45 ألف أسرة . منازل متهالكة وأكوام من القمامة في أشباه الشوارع ... أبرز مظاهر الفقر في المطقة الشرقية
يصعب إيجاد بداية للحديث عن أحوال بعض المواطنين في أحياء فقيرة كثيرة في عدد من قرى المنطقة الشرقية حتى تبدو منازل كثر منهم مرتعاً للحشرات بكل أنواعها، خصوصاً أنها تتكاثر بسبب انتشار مياه الصرف الصحي في كل مكان وتحيط بمنازلهم من كل جانب، تحاصرهم كقدر محتوم، كما تتوزع أكوام القمامة في الأزقة وأشباه الشوارع. مواطنون بأعداد كبيرة يقطنون في منازل من صفائح معدنية، وهي معرضة دائماً للخطر وخصوصاً في أوقات هطول الأمطار، لأن معظم الأسلاك والتمديدات مكشوفة، ما يتسبب في نشوب حريق في أية لحظة. ويؤكد ذلك ما توصلت إليه دراسة أعدها مركز "الدراسات الإنسانية في جمعية البر الخيرية" في المنطقة الشرقية، إذ قدرت الدراسة مستوى خط الفقر لدى الأسر السعودية متوسطة العدد المكونة من 6 أفراد بنحو 2060 ريالاً شهرياً. ووفقاً للدراسة، فإن الشريحة التي أجريت عليها الدراسة تصل إلى 1371 فرداً بمعدل للأسرة يتراوح بين ثلاثة إلى ستة أفراد، ويبلغ معدل دخل الأسرة الشهري 1146 ريالاًَ، فيما يصل الحد الأدنى لمعدل الدخل في مدينة أم الساهك إلى 269 ريالاً فقط، وفي مدينة الدمام يصل إلى 1558 ريالاً. وأوضحت الدراسة أن نصف هذه الأسر تملك وحدات سكنها، فيما تستأجر 27 في المئة وحداتها. وتبين من المسح الميداني أن معظم الوحدات السكنية تتراوح حالتها بين جيدة ومتوسطة، بنسب31 في المئة و45 في المئة على التوالي. وتقل نسبة الوحدات المقبولة والسيئة عن 25 في المئة. ويقول الأمين العام لجمعية البر في المنطقة الشرقية وعضو مجلس إدارة صندوق الفقر الدكتور عبدالله بن حسين القاضي ان جمعيته تدعم أكثر من 45 ألف أسرة في المنطقة، مشيراً إلى عجز الجمعية عن دعم كل الفقراء. ويرى متابعون أن العقبة الأهم في طريق مكافحة الفقر في السعودية، تكمن في الزيادة المطردة في أعداد السكان، ما يعيق الخطط التنموية، على رغم الجهود الكبيرة للارتقاء بمستواهم المعيشي. وقامت "الحياة" بجولة في بعض المناطق والأحياء وزارت أسراً، وسجلت شعور أربابها بالسعادة عند حصولهم على بعض المواد الغذائية لإطعام أطفالهم مرة واحدة في اليوم على الأقل، يرفعون أيديهم بالتضرع إلى الله العلي القدير، والدعاء لكل محسن يمد لهم يد العون، يعيشون في هذه الأماكن جنباً إلى جنب مع أعداد وأنواع مختلفة من الحيوانات. هطول الأمطار عند المقتدرين نعمة، أما لدى تلك الفئة فحدث ولا حرج سيل من المياه تعوم فيه الأواني المنزلية، مفارش النوم مبللة، مكان الإيواء يفترشه عشرة أشخاص، ملابسهم الملقاة على الأرض لا تحتضنها رفوف أصبحت ملاذاً آمناً للحشرات.. أشياء كثيرة.. وفي الصور بالغ الأثر. للفقراء حياة لا يعرف قسوتها إلا من عايش تفاصيلها، وللفقر طعم لا يعرفه إلا الفقراء الذين يختزنون في قلوبهم حكايات عنه وعن ليالٍ قضوها من دون عشاء، فيكون النوم جوعاً ينهش عظامهم، وعن انكسارات وحسرات تتراكم كلما اشتهوا شيئاً من متع الحياة ومنعهم الفقر عنها. فدموعهم التي تسكب أو تتجمد لا فرق، تحكي في الحالين صدق معاناتهم. "لا أعرف للحياة معنى، سوى محاولة العيش ليوم جديد آخر" هكذا تبدأ أم حسين سرد قصتها. فهي تعيل خمسة أطفال بات والدهم عاجزاً عن إيجاد لقمة العيش، بسبب مرض أصابه. وتضيف "لا معين لي على إعالة أطفالي إلا الله، ثم المساعدات التي تأتينا من حين إلى آخر، من بعض أهل الخير وبعض الأقارب، لكنها غير منتظمة وغير كافية لأطفالي الذين يحتاجون إلى الكثير من ضروريات الحياة، بينما أجاهد أنا لتوفير الطعام لهم". وبين طفل التاسعة وفتاة السابعة عشرة تحتار أم حسين أيهما ترضي وأيهما تُصبِّر، فتقول: "للحياة متطلبات كثيرة غير الأكل والشرب الذي لا يرتاح قلبي قبل أن أطعمه لأطفالي، ولو كان كسرة خبز، لكنني أعجز عن توفير الكثير من الأشياء التي يحتاج إليها أطفالي من صغيرهم وحتى كبيرهم. فما يتبرع به أهل الخير من ملابس لا يكسو عراء البرد في الشتاء، ويتقاسمونها في ما بينهم ولا تكفيهم، فأحاول تصبير كبيرهم من أجل إرضاء صغيرهم". وتضيف أم حسين وسط انكسار باد على نبرات صوتها "أرقت ماء وجهي في طلب المساعدات لابنتي التي تدرس في الثانوية، ولا أملك ثمن شراء حاجاتها المدرسية، فما تبرعت به إحدى القريبات من أموال، لم يكف إلا لأخوتها الصغار، وبقيت صابرة في انتظار المساعدة التي لم تأت إلا من خلال شرح وضعي لفلان من الأقارب، وفلانة من الجيران حتى يعيلوني في توفير حاجات الدراسة". تفاصيل مرهقة كثيرة تؤرق أم حسين وتضيق عليها كل يوم وتخيفها، فالمنزل مستأجر وهو متشقق وآيل إلى السقوط، إضافة إلى أن شبكة أسلاك الكهرباء غير سليمة، أما غرفه فلا أبواب لها، بل قطع قماش رثة تعلقها مسامير صدئة، ونوافذه لا شبابيك عليها، ولم يبق منها سوى قطع زجاج يربط بعضها ببعض شريط لاصق ينذر بسقوط القطع المتبقية من الزجاج... وبقدر خوف أم حسين من وقوع مكروه لأبنائها بسبب وضع المنزل، تبذل جهداً مضاعفاً لتجنبهم أي مكروه. ففي فصل الشتاء عندما تنزل الأمطار وتتسرب مياهها إلى كل ركن في المنزل، تقوم بسد الثغرات والشقوق التي يتسرب منها الماء وتضع أواني الطبخ لاحتواء الماء المنهمر من السقف، لئلا تغرق حاجات أبنائها التي ليس لأغلبها مكان يحفظها سوى الأرض. أم حسين تعيش مع زوجها معاناة حقيقية تنتظر حلاً لها، وهي وأبناؤها مضطرون لمواصلة الحياة تحت ضغط غريزة البقاء التي تشعر الإنسان بوجوده. أسرة فككها الفقر والمرض كانت وفاة الأب نقطة فاصلة في حياة الشاب عبد الله 22 عاماً، فما إن سقط عائل الأسرة، حتى بدأت المشكلات في مواجهة الأسرة الصغيرة. دخلت الأم إلى "دار العجزة"، لتداوي أمراض شيخوختها الكثيرة، وأعقبها ابنها الأكبر الذي يعاني التخلف العقلي، وبقى عبد الله وحيداً مع شقيقه الثاني، الذي يعاني هو الآخر خللاً عقلياً. لكن الفصل الأكبر في مأساة عبد الله هو أنه يعيش من دون مصدر رزق، ويعيش هو وشقيقه في منزلهم المتواضع على مساعدات أهل الخير، التي قد لا تتجاوز 10 ريالات في اليوم. وبالطبع، لا يدرك شقيق عبد الله حجم المأساة التي يعيشانها، فهو يهيم على وجهه في الشوارع طوال اليوم، لكن عبد الله الذي حصل على الشهادة الثانوية حاول عبثاً أن يعثر على عمل مناسب يكفيه سؤال الآخرين، لكن محاولاته باءت بالفشل. وعلى رغم معاناته اليومية التي لا تنتهي، فإن أصعب اللحظات التي تمر على عبد الله هي تلك التي يتذكر فيها حال والدته في دار العجزة، ويشفق عبد الله عليها كثيراً، ويقول: "لا حول لها ولا قوة، وعانت انتكاسات عدة في حياتها، بدءاً بموت أبي وانتهاء بمرض أخوتي". ويخشى عبد الله من "كابوس فقدانها" ويتساءل عن سبب ما آلت إليه أسرته وطريقة حياته "التي لا يرضاها فأر". ويعاني عبدالله من الوحدة، بعدما رحل أشقاؤه إلى منزل شقيقتهم المتزوجة التي تعيش في مدينة أخرى، وهو رفض أن يذهب إلى بيت شقيقته، ويبرر عدم ذهابه بقوله: "كي لا أثقل على زوجها، فهو لديه ما يكفيه من مسؤوليات". ويشعر عبد الله أنه لا يطيق الاعتماد على زوج شقيقته، لأن ذلك يسبب له حرجاً كبيراً، ولا يستطيع أن يواصل الحديث عن معاناته، ويقول في صوت مختنق: "أحمد الله أنني لم أصب بالمرض الذي أصاب أشقائي، فالمجتمع يتعامل معهم بطريقة غير سليمة". الوصي القانوني يسرق ربع راتبهم على رغم حاجتها الشديدة وأولادها، فإن أم علي تفضل تقليص وجبات أطفالها على سؤال الآخرين ما يعينها على مواجهة أعباء الحياة. بدأت أولى فصول مأساتها عندما فقدت زوجها في حادث طريق قبل 11 عاماً، لدى عودته من المدينةالمنورة. قلبت الحادثة حياة الأسرة الصغيرة رأساً على عقب، فأم علي تدرك جيداً عجزها عن إعالة أطفالها وتسيير أمور حياتهم. وتبدت أول بوادرها في انتقال الأسرة إلى شقة صغيرة استأجرتها، عندما لم تجد مالاً لسداد إيجار مسكنهم القديم. تعيش أم علي على بقايا راتب زوجها الذي كان موظفاً في إحدى الشركات، إلى جانب 1900 ريال تصرفها من التأمينات الاجتماعية. لكنها لا تحصل فعلياً سوى على 600 ريال، فإيجار الشقة يلتهم 800 ريال، والوصي القانوني ينهب 500 ريال، بدعوى وصايته على الأطفال، التي لا تتجاوز حدود الأوراق الرسمية فعلياً. تفاقمت مأساة الأسرة الصغيرة عندما منع الضمان الاجتماعي عنها كامل المبلغ الذي تأخذه، لأن التأمينات الاجتماعية زادت راتب زوجها ستة ريالات فقط، فتجاوزت الحد الذي تستحق معه الضمان. وتقول أم علي: "قضت هذه الريالات الستة علينا وحرمتنا من إعانة الضمان المخصصة للأيتام". وتضيف مستنكرة "ليقل لي من اتخذ هذا القرار كيف سيذهب أولادي إلى المدرسة، وكيف ألبي حاجات ابنتي التي تدرس في المرحلة الثانوية، وهل ستجد طريقها إلى الجامعة؟". لم تعد أم علي قادرة على تحمل المسؤولية الكبيرة التي ألقيت على كاهلها، بسبب كثرة الضغوط وتخلي الأعمام والوصي عنها، ولا يساعدها سوى قلة من المتبرعين، وهي تقول في مرارة: "أعمام الأطفال لا يسألون عنا، والوصي منهمك في نهبنا، ولا يرى فينا أكثر من مصدر ل 500 ريال يُحصلها شهرياً". وعلى رغم رفضها سؤال الناس، إلا أنها تقبل المساعدات التي تأتيها بين حين وآخر، فهي لا تحب أن تصبح حجر عثرة في طريق إيصال الخير إلى ولديها وابنتها. رز من دون لحوم ترجل صالح جريف الهزازي 17 عاماً عن دراجته المتهالكة ظناً منه أن رفاقه الذين كانوا متحلقين حول "الحياة" في حي العدامة في الدمام، يتحدثون إلى فاعلي خير يوزعون صدقات في ذاك الحي الفقير. فهو ما كاد يتناهى إلى مسمعه سؤال "الحياة" عن أسر فقيرة، حتى بادر إلى القول "نحن والفقر في معركة تدور رحاها طوال العام...". لم يظهر صالح "خيبة" عندما وقع ناظراه على عدسة التصوير، إذ راح يتحدث عن حكاية أسرته مع الفقر ويبدأ بقوله: "ليس عيباً أو عاراً لأخشى منه". ويتحدث عن وضع عائلته المكونة من 10 أشخاص بينهم أربع شقيقات، كانت أفضل كثيراً، لكنها تغيرت منذ ستة أعوام، بعدما توفي والده الذي كان يعمل سائق أجرة... فبيعت سيارته التي كان في نية صالح العمل عليها مستقبلاً، وترك المدرسة قبل أن ينجز المرحلة المتوسطة، ليعمل في كابينة للاتصالات الخاصة براتب لا يتجاوز 1000 ريال، لمساعدة أسرته لأنه الأكبر بين أشقائه. لكن لسوء حظه أقفل رب العمل المحل ل"ظروفه الخاصة وتشتت من بعدها" على حد تعبيره. تسكن عائلة صالح منزلاً يضيق بها، يتكون من غرفتين ودورة مياه ومطبخ صغير أنشئ في فنائه من الداخل، إيجاره الشهري 800 ريال، وهو متهالك لا يصمد في وجه الرياح الباردة، وخصوصاً خلال هذه الأيام الباردة "لكن الظروف تحتم علينا البقاء فيه على رغم أن حال البيت أصبحت لا تطاق بسبب كثرة الالتزامات المترتبة عليه". وعن كيفية عيشهم، يجيب صالح: "تقدم لنا الجميعة الخيرية والضمان الاجتماعي معونات، منها شهري ومنها سنوي، إلا أن عدد أفراد الأسرة يحول دون الاستفادة منها في شكل كبير". ويقول إن عائلته تعاني نقصاً في المواد الغذائية وتعتمد على وجبة واحدة وأساسية يومياً، مؤلفة من الرز وبعض المعلبات من دون لحوم... يفكر صالح جدياً في العودة إلى الدراسة المسائية خلال العام المقبل، للحصول على شهادة المرحلة المتوسطة، ثم الالتحاق بالسلك العسكري، ويبرر ذلك "من اجل مساعدة والدتي وإخوتي". وكانت عينا صالح تذهبان خلال الكلام إلى أماكن اللعب بين أزقة الحي، وهي ملاعب لكرة القدم، صُنعت عارضاتها من بقايا ألواح الخشب... ويضيف "نحن لا نعرف الألعاب الإلكترونية، وكرة القدم هي الرياضة المحببة إلينا، لكن معظمنا لا يملك حذاءً رياضياً، والقادر على اقتناء واحد، نمنعه من ارتدائه اثناء اللعب معنا، خشية الإصابة بسبب الاحتكاك". منزل معرّض إلى الانهيار وعائلة عاجزة عن ترميمه يشعر أبو أحمد بالانكسار كلما تذكر عجزه عن تلبية حاجات أبنائه الأساسية، ويزداد الأمر قسوة على نفسه مع اضطراره إلى تشغيل أحدهم في بيع بعض السلع الرخيصة في الشوارع، كي يساعده في سد أفواه أفراد عائلته، التي لا تكفيها الريالات ال 700 التي يتكسبها شهرياً، من عمله بائعاً متجولاً. لكن العجز عن تلبية حاجات الأبناء ليس المصدر الوحيد لمعاناة أبي أحمد، فمنزل عائلته القديم ضربت الشقوق زواياه، وصار أكثر قسوة عليه وعلى أبنائه من وطأة الجوع الذي يعانونه كثيراً في ليالي الشتاء. يعيش أفراد العائلة الفقيرة في قلق، متوقعين انهيار منزلهم المبني من صخور بحرية بين لحظة وأخرى. لكنهم لا يملكون سوى البقاء في المنزل الذي لم يصمد أمام ضربات الزمن، فعائلهم يوفر بالكاد ما يسد رمقهم، ولم يكفه تجوله في الشوارع طوال اليوم حاملاً بضاعته من المنظفات سؤال الآخرين. يلعن أبو أحمد الفقر، ويضيق بالدنيا التي "تزرع المشكلات" في طريقه. ويتندر على حال البيت الذي تربى فيه في مرارة، فيقول: "بيتنا ليس في حاجة إلى نوافذ، فالشقوق الكبيرة التي تقسم البيت إلى نصفين، قادرة على إدخال الهواء". ويضيف "في الشتاء تتسرب الأمطار وتعصف الرياح الباردة بالمنزل، أما في الصيف فتخنقنا الرطوبة". أثقلت الديون كاهل الأسرة، وأضافت عبئاً جديداً إلى أعباء أبي أحمد التي لا تنتهي، كما قضت على أحلام أسرته في منزل يقيهم بعضاً مما يعانون. وهو يخاطب "أصحاب الضمائر"، طلباً لإنقاذ أسرته من ذلك الوضع المأسوي، "فالشقوق تزداد عمقاً، عاماً بعد الآخر، ولم أتمكن من ترميم المنزل لضعف مصادر الرزق". وعلى رغم أن بعض الأبناء انتظم في مراحل التعليم المختلفة، فإن الابن الأكبر أحمد واجه فشلاً دراسياً مع اضطراره إلى التحول إلى نظام الدراسة المسائية، كي يساعد والده في عمله الشاق. ويقدر أبو أحمد تضحية ولده كثيراً، "فالتعليم أصبح ضرورة، لكن عائلته تحتاجه". ويأمل أحمد أن تتغير حال أسرته إلى الأفضل، فهو يساعد والده كي ينجح إخوته الذين سيساعدونه في حال نجاحهم. وبسبب العمل، فشل أحمد في دراسته، فهو يدرس في الصف الثاني من المرحلة المتوسطة، على رغم أن من هم في عمره يدرسون في المرحلة الجامعية. يعتقد أحمد أن "الفقر شيء مشابه للعنة التي تصيب المرء، وليس لها علاج سوى المال". وهو يشعر باليأس إزاء إمكان تغلب عائلته على الفقر، ويضيف "نحن كافحنا الفقر لسنوات، لكننا فشلنا في الانتصار عليه، وأنا أخسر تعليمي شيئاً فشيئاً بسببه". ويحاول أحمد الحؤول دون انتقال مخاوفه إلى إخوته، ويحاول إقناعهم بأن "الفقر يجب أن يكون دافعاً إلى النجاح". لكن اليأس بدأ يتسرب إلى بقية أبناء العائلة، فهم محبطون بسبب حملة الشهادات الجامعية الذين لا يحصلون على عمل. و لا يفكر شقيق أحمد الذي يدرس في نهاية المرحلة الثانوية في الالتحاق بالجامعة، وينتظر الانتهاء من دراسته الثانوية، كي يبحث عن عمل في إحدى الشركات، يمكنه من المساعدة في إعالة الأسرة، بحسب أحمد. عجوز يعيش مع الفئران والحشرات ... ويتمنى أن يحيا آدميته عيش أبو محمد في كوخ من الصفيح في بلدة العوامية، لا يشاركه فيه سوى قط أسود يتولى مهمة تنظيف المكان من الفئران والحشرات التي ترتع في أركانه. وهو يسمي كوخه المتهالك "منزلاً"، لكن ذلك المنزل الذي قضى فيه أبو محمد أعوامه العشر الأخيرة، لا يقيه قيظ الصيف ولا برد الشتاء. ففي مواسم الأمطار، تتجمع مياهها في برك صغيرة، تنشر الروائح الكريهة في المكان لتفسد عليه نومه. أما في الصيف، فتتكفل الرطوبة الخانقة والبعوض بالمهمة ذاتها. يصر أبو محمد على العمل لكسب قوته، فهو يرى أن التسول يسحق ما تبقى من الكرامة. وهو يستيقظ في السابعة صباحاً، ليذهب إلى سوق القطيف، باحثاً بين أكوام الأشياء المستعملة عما يشتريه، كي يعاود بيعه في سوق الحراج بريال أو اثنين، تكفيه سؤال يومه بالكاد. يضطر أبو محمد إلى تحمل سخافات الأطفال يومياً، فهم يطلقون هتافات يتطاولون فيها عليه في جيئته وذهابه. وهو لا يكف عن لوم المجتمع الذي "يكثر من ترديد شعارات مساعدة الفقير، ثم يتناساه ويؤيده" مستغرباً "حال اللامبالاة التي أصابت الناس". لم يعد أبو محمد قادراً على احتمال حياته في "منزل الصفيح"، كما يحلو له أن يسميه، ويحلم بمن يساعده كي يحيا آخر أيامه بطريقة تشعره بآدميته. ...وقصص تتكرر لأسر عدة لا تجد مالاً لشراء الملابس لا تعرف روضة الخالدي وأبناؤها من صنوف الطعام سوى الرز والتمر، فهم يقطنون في منزل متهالك تعجز عن إصلاح سقفه المتشقق. ولا تجد روضة ما تسد به حاجاتها اليومية وحاجة أبنائها، فراتبها المتواضع من عملها مستخدمة في كلية التربية والعلوم للبنات في الدمام لا يكفي متطلبات إعاشتهم. ومنذ توفي زوجها قبل 17 عاماً، تحملت روضة مسؤولية صغارها الذين اعتادوا شظف العيش. وتقول: "تمر بنا الأعياد، ولا نجد مالاً لشراء الملابس، فضلاً عن عدم قدرتي على الوفاء بمستلزماتهم المدرسية". أما الحاج حسين الشبيب 75 عاماً، فلم تقعده متاعبه الصحية عن العمل، وقد اتخذ من شرفة منزله المتهالك محلاً لتجارته البسيطة في بيع السبحات بأسعار زهيدة. وعلى رغم أنه يعتمد في شكل كبير على المحسنين وجمعية "تاروت" الخيرية التي تؤمن له بعض المواد الأولية، فإنه يعتقد أنه أفضل حالاً من الآخرين، لأنه يملك منزلاً خاصاً، شيده قبل 30 عاماً، يعيش فيه وحيداً بعد وفاة زوجته.