منذ أكثر من عام وأنا أشد الرحال من وإلى مكتب الاستقدام، حاملاً معي أوراقي اللازمة للمعاملة وبعض ما تيسير من مؤهلات علمية، ولكن جميع محاولاتي باءت بالفشل، تعددت أسباب الرفض والنتيجة واحدة، كانت آخر محاولاتي عندما وصلت إلى الاستقبال وتفحص المسؤول عن منح الأرقام للمراجعين أوراقي وأعطاني رقم 48، أخذت موقعي على الكرسي في صالة الانتظار بجانب الكثيرين من جنسيات مختلفة وحرصت على أن يكون قريباً من بعض الاخوان العرب لنتبادل الحوار ونقتل الملل، هشام مصري وأبو علي من اليمن بلدي الذي أنتمي إليه، بعد ما رأينا ان الغالبية في الحضور من جنسيات آسيوية خطر ببالنا حملات التطهير ضد الفساد بجميع أشكاله التي تعيشها البطحاء حيث تستوطن أعداد كبيرة من الآسيويين، ومناطق أخرى في الرياض التي حقق فيها رجال الأمن بالتعاون مع هيئة الأمر بالمعروف نجاحاً كبيراً في استئصال كل ما هو سيئ، جلسنا نرقب سير المعاملات عندما لاحظ أبو علي أن أصحاب الدفاتر البنية الصغيرة لا يمكثون أمام الباحث إلا مدة قصيرة يستلمون خلالها الموافقة على معاملاتهم والابتسامة تشرق من وجوههم، تمنى أبو علي بحسن نية امتلاك دفتر بني لقبول معاملته بسرعة، حينها رد عليه هشام مصححاً ان سبب قبول المعاملة استيفاء جميع الأوراق اللازمة بشكل نظامي، أما عن الدفاتر البنية فهي تعني رخصة إقامة لغير المسلمين من ديانات مختلفة "كالهندوسية والبوذية والمجوسية وغيرها من الديانات"، ونحن نملك رخص إقامة باللون الأخضر تعني للمسلمين ولله الحمد. أشارت لوحة الأرقام إلى دور هشام الذي تقدم بأوراقه للباحث وتم الرفض فانسحب والبؤس دليل على وجهه، ثم توالت الأرقام لتشير بعدها إلى دور أبي علي الذي تقدم بأوراقه وتم الرفض لينسحب ساخراً من نفسه يردد "أنا أسد أنا أسد"، وبعد أرقام أخرى أشارت اللوحة إلى دوري فتقدمت بأوراقي وتم الرفض فانسحبت وتمنيت وجود مرآة عند باب الخروج لأرى تعابير وجهي. التقينا نحن الثلاثة مرة أخرى عند البوابة واستفسر كل منا الآخر عن سبب الرفض، اتضح ان هشاماً المصري مهنته مناسبة "مندوب مبيعات" أما المؤهل فلا يناسب المهنة "دبلوم صنايع" كما قيل له، وسألت أبا علي عن سبب الرفض وترديده أنا أسد أنا أسد فأجاب المؤهل بكالوريوس تجارة والمهنة مندوب مبيعات مناسبان، لكن المهنة معدلة من حداد سابقاً، وأعرف قصة أسد كان يصرخ في حديقة الحيوان يطالب الحارس بالتوقف عن تقديم الموز وجبة يومية له، ويريد مقابلة مسؤول الحديقة، وبعد حضور المسؤول اشتكى الأسد من سوء المعاملة التي يعامل بها من الحارس بتقديم الموز يومياً وهو في حاجة إلى اللحم والعظام والافتراس فرد عليه المسؤول: "احمد ربك ترى جايبنك بفيزة قرد" ضحكنا جميعاً وذهب كل منا في حال سبيله فكرت بعدها!! هل كل من قبلت معاملته صحيحة باطناً مثل ما هي ظاهراً هل الطبيب بامتياز حقاً هو طبيب؟ وهل المهندس ظاهراً هو مهندس باطناً؟ وهل الصيدلاني ظاهراً صيدلاني باطناً؟ هل هؤلاء الأسود ظاهراً هم فعلاً أسود باطناً أم من مواقع خبرة بسيطة مكتسبة؟ هل توجد اختيارات صارمة وأجهزة لكشف هذه الأسود تضمن أنها ليست قروداً بالأصل؟ أعتقد أن بعض الأسود أثبتت قوتها وقبلت معاملتها ونعمت بعائلاتها بالغش والخداع على رغم أنها قرود. ونحن في هذه الأيام التي تنتشر فيها كل المغريات تحاول ان تجرنا بالمعاصي إلى الهاوية السحيقة، نقبض على ديننا بقوة كالقابض على جمر، فمن صاحب القلم السحري الذي سوف يكتب مستثنياً في زاوية معاملتي "لا مانع" لأنعم بالسكون مع لبؤتي وشبلي. عبدالكريم قاسم العباس